الباحث القرآني

تَفْسِيرُ سُورَةِ اللَّيْلِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ. تَقَدَّمَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِمُعَاذٍ: "فَهَلَّا صَلَّيْتَ بِ " سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى " " وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا " " وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى "؟ ". بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * * * قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ: أَنَّهُ قَدِمَ الشَّامَ فَدَخَلَ مَسْجِدَ دِمَشْقَ، فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ، ارْزُقْنِي جَلِيسًا صَالِحًا. قَالَ: فَجَلَسَ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ. قَالَ: كَيْفَ سَمِعْتَ ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ يَقْرَأُ: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾ ؟ قَالَ عَلْقَمَةُ: "وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى". فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: لَقَدْ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَمَا زَالَ هَؤُلَاءِ حَتَّى شَكَّكُونِي. ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ أَلَمْ يَكُنْ فِيكُمْ صَاحِبُ الْوِسَادِ وَصَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ، وَالَّذِي أُجِيرَ مِنَ الشَّيْطَانِ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ ﷺ؟ [[المسند (٦/٤٤٩) وتكملة الحديث "وصاحب الوساد: ابن مسعود، وصاحب السر: حذيفة، والذي أجير من الشيطان: عمار".]] . وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هَاهُنَا وَمُسْلِمٌ، مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قَدِمَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَطَلَبَهُمْ فَوَجَدَهُمْ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَقْرَأُ عَلَيَّ قِرَاءَةَ عَبْدِ اللَّهِ؟ قَالُوا: كُلُّنَا، قَالَ: أَيُّكُمْ أَحْفَظُ؟ فَأَشَارُوا إِلَى عَلْقَمَةَ، فَقَالَ: كَيْفَ سَمِعْتَهُ يَقْرَأُ: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى﴾ ؟ قَالَ: "وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى". قَالَ: أَشْهَدُ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقْرَأُ هَكَذَا، وَهَؤُلَاءِ يُرِيدُونِي أَنْ أَقْرَأَ: ﴿وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأنْثَى﴾ وَاللَّهِ لَا أُتَابِعُهُمْ [[صحيح البخاري برقم (٤٩٤٤) وصحيح مسلم برقم (٨٢٤) .]] . هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ: هَكَذَا قَرَأَ ذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ -وَرَفَعَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ-وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَقَرَأُوا ذَلِكَ كَمَا هُوَ مُثبَت فِي الْمُصْحَفِ الْإِمَامُ الْعُثْمَانِيُّ فِي سائر الآفاق: ﴿وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأنْثَى﴾ فَأَقْسَمَ تَعَالَى بِـ ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى﴾ أَيْ: إِذَا غَشيَ الخليقةَ بِظَلَامِهِ، ﴿وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾ أَيْ: بِضِيَائِهِ وَإِشْرَاقِهِ، ﴿وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأنْثَى﴾ كَقَوْلِهِ: ﴿وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا﴾ [النَّبَأِ: ٨] ، وَكَقَوْلِهِ: ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ﴾ [الذَّارِيَاتِ: ٤٩] . وَلَمَّا كَانَ الْقَسَمُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمُتَضَادَّةِ كَانَ الْقَسَمُ عَلَيْهِ أَيْضًا مُتَضَادًّا؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾ أَيْ: أَعْمَالُ الْعِبَادِ الَّتِي اكْتَسَبُوهَا مُتَضَادَّةٌ أَيْضًا وَمُتَخَالِفَةٌ، فَمِنْ فَاعِلٍ خَيْرًا وَمِنْ فَاعِلٍ شَرًّا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى﴾ أَيْ: أَعْطَى مَا أُمِرَ بِإِخْرَاجِهِ، وَاتَّقَى اللَّهَ فِي أُمُورِهِ، ﴿وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ أَيْ: بِالْمُجَازَاةِ عَلَى ذَلِكَ -قَالَهُ قَتَادَةُ، وَقَالَ خَصِيف: بِالثَّوَابِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَأَبُو صَالِحٍ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: ﴿وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ أَيْ: بِالْخَلَفِ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، وَالضَّحَّاكُ: ﴿وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ أَيْ: بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عِكْرِمَةَ: ﴿وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ أَيْ: بِمَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: ﴿وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ قَالَ: الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَالصَّوْمُ. وَقَالَ مَرَّةٍ: وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَة، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا زُهَير بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي مَن سَمِع أَبَا الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيَّ يُحدث عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عَنِ الْحُسْنَى قَالَ: "الْحُسْنَى: الْجَنَّةُ" [[ورواه الطبري في تفسيره (١٥/٦٩) طـ - المعارف، من طريق عمرو بن أبي سلمة عن زهير به.]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي لِلْخَيْرِ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: يَعْنِي لِلْجَنَّةِ. وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: مِنْ ثَوَابِ الحسنةُ [[في أ: "عن ثواب الحسنى".]] الْحَسَنَةَ بَعْدَهَا، وَمِنْ جَزَاءِ السَّيِّئَةِ السيئةُ بَعْدَهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ﴾ أَيْ: بِمَا عِنْدَهُ، ﴿وَاسْتَغْنَى﴾ قَالَ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَيْ بَخِلَ بِمَالِهِ، وَاسْتَغْنَى عَنْ رَبِّهِ، عَزَّ وَجَلَّ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. ﴿وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى﴾ أَيْ: بِالْجَزَاءِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ. ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ أَيْ: لِطَرِيقِ الشَّرِّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الْأَنْعَامِ: ١١] ، وَالْآيَاتُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، يُجازي مَنْ قَصَدَ الْخَيْرَ بِالتَّوْفِيقِ لَهُ، وَمَنْ قَصَدَ الشَّرَّ بِالْخِذْلَانِ. وَكُلُّ ذَلِكَ بِقَدَرٍ مُقدّر، وَالْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ: رِوَايَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاش، حَدَّثَنِي الْعَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَذْكُرُ أَنَّ أَبَاهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرٍ وَهُوَ يَقُولُ: قُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَعْمَلُ عَلَى مَا فُرِغَ مِنْهُ أَوْ عَلَى أَمْرٍ مُؤْتَنِفٍ؟ قَالَ: "بَلْ عَلَى أمر قد فُرغ منه". قَالَ: فَفِيمَ العملُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ" [[المسند (١/٥) .]] . رِوَايَةُ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعْدِ [[في م: "سعيد".]] بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي بَقِيع الغَرْقَد فِي جِنَازَةٍ، فَقَالَ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ كُتب مَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ". فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا نَتَّكِلُ؟ فَقَالَ: "اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ". قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لِلْعُسْرَى﴾ [[صحيح البخاري برقم (٤٩٤٥) .]] . وَكَذَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ووَكِيع، عَنِ الْأَعْمَشِ، بِنَحْوِهِ [[صحيح البخاري برقم (٤٩٤٦،٤٩٤٧) .]] ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كُنَّا فِي جِنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ، وَمَعَهُ مخْصَرَةٌ فَنَكَسَ فَجَعَلَ ينكُت بِمِخْصَرَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ -أَوْ: مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلَّا كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِلَّا قَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةٌ أَوْ سَعِيدَةٌ". فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا نَتَّكِلُ وَنَدَعُ الْعَمَلَ؟ فَمَنْ كَانَ مِنَّا مَنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنَّا مَنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَسَيَصِيرُ إِلَى أَهْلِ الشَّقَاءِ؟ فَقَالَ: "أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُونَ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاءِ". ثُمَّ قَرَأَ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ الْآيَةَ [[صحيح البخاري برقم (٤٩٤٨) .]] . وَقَدْ أَخْرَجَهُ بَقِيَّةُ الْجَمَاعَةِ، مِنْ طُرُقٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، بِهِ [[صحيح مسلم برقم (٢٦٤٧) وسنن أبي داود برقم (٤٦٩٤) وسنن الترمذي برقم (٣٣٤٤) وسنن النسائي الكبرى برقم (١١٦٧٨) وسنن ابن ماجة برقم (٧٨) .]] . رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: سمعتُ سَالِمَ بنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحدث عَنِ ابْنِ عُمَر: قَالَ: قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ مَا نَعْمَلُ فِيهِ؟ أَفِي أَمْرٍ قَدْ فُرغ أَوْ مُبْتَدَأٍ أَوْ مُبْتَدَعٍ؟ قَالَ: " فِيمَا قَدْ فُرغَ مِنْهُ، فَاعْمَلْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، فَإِنَّ كُلا مُيَسَّر، أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ لِلسَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ لِلشَّقَاءِ". وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْقَدْرِ، عَنْ بُنْدَارٍ، عَنِ ابْنِ مَهْدِي، بِهِ [[المسند (٢/٥٢) وسنن الترمذي برقم (٢١٣٥) .]] وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. حَدِيثٌ آخَرُ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ: قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أخبرني عمرو ابن الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أنعمل لأمر قد فرغ مِنْهُ، أَوْ لِأَمْرٍ نَسْتَأْنِفُهُ؟ فَقَالَ: "لِأَمْرٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ". فَقَالَ سُرَاقَةُ: فَفِيمَ الْعَمَلُ إِذًا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "كُلُ عَامِلٍ مُيَسَّر لِعَمَلِهِ". وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، بِهِ [[تفسير الطبري (٣٠/١٤٤) وصحيح مسلم برقم (٢٦٤٨) . تنبيه: لم يقع ذكر سراقة في رواية الطبري ولا في رواية أبي الطاهر في صحيح مسلم، وإنما وقع في صحيح مسلم من طريق آخر.]] . حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ طَلْقِ ابن حَبِيبٍ، عَنْ بَشِيرِ [[في أ: "بشر".]] بْنِ كَعْبٍ الْعَدَوِيِّ قَالَ: سَأَلَ غُلَامَانِ شَابَّانِ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَعْمَلُ فِيمَا جَفَّت بِهِ الْأَقْلَامُ وجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ، أَوْ فِي شَيْءٍ يُسْتَأْنَفُ؟ فَقَالَ: "بَلْ فِيمَا جَفَّتْ بِهِ الْأَقْلَامُ، وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ". قَالَا فَفِيمَ الْعَمَلُ إِذًا؟ قَالَ: "اعْمَلُوا فَكُلُ عَامِلٍ مُيَسَّرٌ لِعَمَلِهِ الَّذِي خُلِقَ لَهُ". قَالَا فَالْآنَ نَجِدُّ وَنَعْمَلُ [[تفسير الطبري (٣٠/١٤٤) .]] . رِوَايَةُ أَبِي الدَّرْدَاءِ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَيْثَم [[في أ: "حدثنا هشيم".]] بْنُ خَارِجَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ عُتْبَةَ السُّلَمِيُّ، عَنْ يُونُسَ بْنِ مَيْسَرَةَ بْنِ حَلْبس، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ مَا نَعْمَلُ، أَمْرٌ قَدْ فُرغ مِنْهُ أَمْ شَيْءٌ نَسْتَأْنِفُهُ؟ قَالَ: "بَلْ أَمْرٌ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ". قَالُوا: فَكَيْفَ بِالْعَمَلِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "كُلُّ امْرِئٍ مُهَيَّأٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ" [[المسند (٦/٤٤١) .]] . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ أَبِي كَبْشَة، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ قَتَادَةُ، حَدَّثَنِي خُلَيد الْعَصَرِيُّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَا مِنْ يَوْمٍ غَرَبَتْ فِيهِ شَمْسُهُ إِلَّا وبجَنْبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ خَلْقُ اللَّهِ كُلُّهُمْ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَأَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا". وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ الْقُرْآنَ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [[تفسير الطبري (٣٠/١٤٢) .]] . وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ، بِإِسْنَادِهِ مِثْلِهِ. حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الطِّهْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَر العَدَاني، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَجُلًا كَانَ لَهُ نَخْلٌ، وَمِنْهَا نَخْلَةٌ فَرْعُهَا إِلَى [[في م، أ: "في".]] دَارِ رَجُلٍ صَالِحٍ فَقِيرٍ ذِي عِيَالٍ، فَإِذَا جَاءَ الرَّجُلُ فَدَخَلَ دَارَهُ وَأَخَذَ الثَّمَرَ مَنْ نَخْلَتِهِ، فَتَسْقُطُ الثَّمَرَةُ فَيَأْخُذُهَا صِبْيَانُ الْفَقِيرِ فَنَزَلَ مِنْ نَخْلَتِهِ فَنزع [[في أ: "فينزع".]] الثَّمَرَةَ مِنْ أيديهم، وإن أدخل أحدهم الثَّمَرَةَ فِي فَمِهِ أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي حَلْقِ الْغُلَامِ وَنَزَعَ الثَّمَرَةَ مَنْ حَلْقِهِ. فَشَكَا ذَلِكَ الرجلُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، وَأَخْبَرَهُ بِمَا هُوَ فِيهِ مِنْ صَاحِبِ النَّخْلَةِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: "اذْهَبْ". وَلَقِيَ النَّبِيُّ ﷺ صاحب النخلة، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: "أَعْطِنِي نَخْلَتَكَ الَّتِي فَرْعُهَا فِي دَارِ فُلَانٍ وَلَكَ بِهَا نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ" فَقَالَ لَهُ: لَقَدْ أَعْطَيْتُ، وَلَكِنْ يُعْجِبُنِي ثَمَرُهَا، وَإِنَّ لِي لَنَخْلًا كَثِيرًا مَا فِيهَا نَخْلَةٌ أَعْجَبُ إِلَيَّ ثَمَرَةً مِنْ ثَمَرِهَا. فَذَهَبَ النَّبِيُّ ﷺ فَتَبِعَهُ رَجُلٌ كَانَ يَسْمَعُ الْكَلَامَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَمِنْ صَاحِبِ النَّخْلَةِ. فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ أَنَا أَخَذْتُ النَّخْلَةَ فَصَارَتْ لِي النَّخْلَةُ فَأَعْطَيْتُهَا أَتُعْطِينِي بِهَا مَا أَعْطَيْتَهُ بِهَا نَخْلَةً فِي الْجَنَّةِ؟ قَالَ: "نَعَمْ". ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ لَقِيَ صَاحِبَ النَّخْلَةِ، وَلِكِلَاهُمَا نَخْلٌ، فَقَالَ لَهُ: أُخْبِرُكَ أَنَّ مُحَمَّدًا، [قَدْ] [[زيادة من م.]] أَعْطَانِي بِنَخْلَتِي الْمَائِلَةِ فِي دَارِ فُلَانٍ نَخْلَةً فِي الْجَنَّةِ، فَقُلْتُ، لَهُ: قَدْ أعطيتُ وَلَكِنْ يُعْجِبُنِي ثَمَرُهَا. فَسَكَتَ عَنْهُ الرجلُ، فَقَالَ لَهُ: أتُراك إِذَا بِعْتَهَا؟ قَالَ: لَا إِلَّا أَنْ أُعْطَى بِهَا شَيْئًا، وَلَا أَظُنُّنِي أُعْطَاهُ. قَالَ: وَمَا مُنَاكَ بِهَا [[في م، أ. "فيها".]] ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ نَخْلَةً. فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ جئتَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، نَخْلَتُكَ تَطْلُبُ بِهَا أَرْبَعِينَ نَخْلَةً؟! ثُمَّ سَكَتَا وَأَنْشَأَ فِي كَلَامٍ [آخَرَ] [[زيادة من م.]] ثُمَّ قَالَ: أَنَا أَعْطَيْتُكَ أَرْبَعِينَ نَخْلَةً، فَقَالَ: أَشْهِدْ لِي إِنْ كُنْتَ صَادِقًا. فَأَمَرَ بِأُنَاسٍ فَدَعَاهُمْ فَقَالَ: اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ أَعْطَيْتُهُ مِنْ نَخْلِي أَرْبَعِينَ نَخْلَةً بِنَخْلَتِهِ الَّتِي فَرْعُهَا فِي دَارِ فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ. ثُمَّ قَالَ: مَا تَقَوُّلُ؟ فَقَالَ صَاحِبُ النَّخْلَةِ: قَدْ رَضِيتُ. ثُمَّ قَالَ بعدُ: لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بَيْعٌ لَمْ نَفْتَرِقْ قَالَ [[في م: "فقال".]] لَهُ: قَدْ أَقَالَكَ اللَّهُ، وَلَسْتُ بِأَحْمَقَ حِينَ أَعْطَيْتُكَ أَرْبَعِينَ نَخْلَةً بِنَخْلَتِكَ الْمَائِلَةِ. فَقَالَ صَاحِبُ النَّخْلَةِ: قَدْ رضيتُ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي الْأَرْبَعِينَ عَلَى مَا أُرِيدُ. قَالَ: تُعْطِينِيهَا عَلَى سَاقٍ. ثُمَّ مَكَثَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: هِيَ لَكَ عَلَى سَاقٍ وَأَوْقَفَ لَهُ شُهُودًا وَعَدَّ لَهُ أَرْبَعِينَ نَخْلَةً عَلَى سَاقٍ، فَتَفَرَّقَا، فَذَهَبَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ النَّخْلَةَ الْمَائِلَةَ فِي دَارِ فُلَانٍ قَدْ صَارَتْ لِي، فَهِيَ لَكَ. فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى الرَّجُلِ صَاحِبِ الدَّارِ فَقَالَ لَهُ: "النَّخْلَةُ لَكَ وَلِعِيَالِكَ". قَالَ عِكْرِمَةُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ [[ذكره السيوطي في الدر المنثور (٨/٥٣٢) وقال: "أخرج ابن أبي حاتم بسند ضعيف عن ابن عباس".]] . هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَهُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عنه: حدثني هارون ابن إِدْرِيسَ الْأَصَمُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ ابن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ يُعْتِقُ عَلَى الْإِسْلَامِ بِمَكَّةَ، فَكَانَ يُعْتِقُ عَجَائِزَ وَنِسَاءً إِذَا أَسْلَمْنَ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: أَيْ بُنَيَّ، أَرَاكَ تَعْتِقُ أُنَاسًا ضُعَفَاءَ، فَلَوْ أَنَّكَ تَعْتِقُ رِجَالًا جُلَداء يَقُومُونَ مَعَكَ وَيَمْنَعُونَكَ وَيَدْفَعُونَ عَنْكَ؟! فَقَالَ: أيْ أبَت، إِنَّمَا أُرِيدُ -أَظُنُّهُ قَالَ -مَا عِنْدَ اللَّهِ: قَالَ: فَحَدَّثَنِي بعض أهل بيتي أن هذه الآية أُنْزِلَتْ فِيهِ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ [[تفسير الطبري (٣٠/١٤٢) .]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ إِذَا مَاتَ. وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ، وَمَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: إِذَا تَرَدَّى فِي النَّارِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب