الباحث القرآني

﴿ويَسْألُونَكَ عَنْ ذِي القَرْنَيْنِ﴾ بعثت قريش إلى أهل الكتاب يسألون منهم ما يمتحنون به النبي ﷺ فقالوا: سلوه عن رجل طاف في الأرض، وعن فتية لا يدرى ما صنعوا، وعن الروح. فنزلت سورة الكهف، والمشهور أنه الإسكندر الرومي، وما يعلم من تاريخ الأرزقى وغيره أنه غيره، وهذا الرومي كان قبل المسيح بنحو من ثلاثمائة سنة ووزيره أرسطاطاليس الفيلسوف، وأما هذا الإسكندر فقد كان في زمن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، وطاف بالبيت معه ووزيره الخضر ووجه تسميته أنه كان صفحتا رأسه من نحاس، وقد صح عن علي أنه قال: كان عبدًا ناصح الله فناصحه، دعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه الأيمن فمات، فأحياه الله فدعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه الأيسر فمات فسمي ذا القرنين، أو لأنه بلغ طرفي الدنيا من حيث تطلع قرنا الشمس وتغرب ﴿قُلْ سَأتْلُو عَلَيْكُمْ﴾: أيها السائلون، ﴿مِنهُ﴾ من ذي القرنين ﴿ذِكْرًا إنّا مَكنّا لَهُ﴾: أمره، ﴿في الأرْضِ﴾: بأن تصرف فيها كيف شاء ﴿وآتيْناهُ مِن كُلٌ شَيْءٍ﴾: أراده، ﴿سَبَبًا﴾ وصلة توصله إليه من العلم والقدرة والآلة ﴿فَأتْبَعَ سَبَبًا﴾ يوصله إلى المغرب ﴿حَتّى إذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وجَدَها تَغْرُبُ في عَيْنٍ حَمِئَةٍ﴾ أي: رأى الشمس في منظره تغرب في عين ذات حمئة أي: طين أسود، ومن قرأ حامية، أي: حارة والجمع بين القراءتين أن تكون العين جامعة للوصفين ﴿ووَجَدَ عِنْدَها﴾: عند تلك العين ﴿قَوْمًا﴾ أمة عظيمة من الأمم كفارًا ﴿قُلْنا يا ذا القَرْنَيْنِ إمّا أنْ تُعَذِّبَ﴾: بقتلهم وسبيهم ﴿وإمّا أنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا﴾: بإرشادهم وتعليمهم الشرائع أو بالمن والفداء؟ أو بأسرهم؛ فإنه إحسان في جنب القتل ﴿قالَ أمّا مَن ظَلَمَ﴾: بأن يصر على الكفر ﴿فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ﴾: بالقتل في الدنيا ﴿ثُمَّ يُرَدُّ إلى رَبِّهِ﴾ إشارة إلى الحشر والبعث ﴿فَيُعَذِّبُهُ﴾: الله في الآخرة ﴿عَذابًا نُكْرًا﴾: منكرًا لم يعهد مثله ﴿وأمّا مَن آمَنَ وعَمِلَ صالِحًا فَلَهُ جَزاءً الحُسْنى﴾ أي: فله المثوبة الحسنى، وجزاءً تمييز أو حال أي: مجزيا بها أو تقديره يجزى بها جزاء ومن قرأ برفع جزاء أي فله أن يجازي المثوبة الحسنى وهي الجنة، أو جزاء فعلته الحسنى وهي أعماله الصالحة ﴿وسَنَقُولُ لَهُ مِن أمْرِنا يُسْرًا﴾: لا نأمره بالصعب الشاق، بل بالسهل المتيسر أي: ذا يسر ﴿ثَمَّ أتْبَعَ سَبَبًا﴾: طريقًا إلى المشرق ﴿حَتّى إذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ﴾ أي: الموضع الذي تطلع عليه الشمس أولًا، ومن قرأ بفتح اللام فهو بحذف مضاف أي: مكان طلوعها فإن المطلع مصدر ﴿وجَدَها تَطْلع عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُم مِّن دونِها﴾: من دون الشمس ﴿سِتْرًا﴾ ليس لهم أبنية تكنهم فإن أرضهم لا تمسك الأبنية ولا أشجار تظلهم، فهم حين طلوع الشمس في أسراب أو في ماء فإذا زالت خرجوا ﴿كَذَلِكَ﴾ خبر مبتدأ أي: أمره كما وصفنا في رفعته أو أمره كأمره في أهل الغرب، أو صفة قوم أي: تطلع على قوم مثل ذلك القبيل أي: أهل الغرب أو صفة: مصدر محذوف أي: بلغ مطلعها بلوغًا مثل بلوغه مغربها ﴿وقَدْ أحَطْنا بِما لَدَيْهِ﴾ من أسبابه ﴿خبْرًا﴾: علمًا؛ لأنا أعطيناه ذلك، فيه تكثير ما لديه كأنه بلغ مبلغًا لا يحيط به علم أحد إلا علم الله ﴿ثُمَّ أتْبَعَ سَبَبًا﴾: طريقًا ثالثًا بين المشرق والمغرب وهو الشمال ﴿حَتّى إذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ﴾ أي: بين الجبلين المبني بينهما السد، وهما جبلان عاليان في أقصى الترك من ورائهما يأجوج ومأجوج، والصحيح أنهم من أولاد آدم وبين هاهنا مفعول به، فإنه من الظروف التي تستعمل أسماء وظروفًا ﴿وجَدَ مِن دُونِهِما قَوْمًا لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ﴾ يعني لعجمهم وقلة فطانتهم لا يفهمون كلام أحد، ومن قرأ بضم الياء وكسر القاف أي: لا يفهمون السامع لغرابة لغتهم ﴿قالُوا يا ذا القَرْنَيْنِ﴾ عن بعض السلف أنه يعلم جميع الألسنة ﴿إنَّ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ في الأرْضِ﴾ أي: في أرضنا بأنواع المفاسد ﴿فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا﴾: جعلا نخرجه من أموالنا ﴿عَلى أنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وبَيْنَهم سَدًّا﴾: فلا يمكن لهم الوصول إلينا ﴿قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي﴾: من المال والملك ﴿خَيْرٌ﴾ من خراجكم لا حاجة بي إليه ﴿فَأعِينُونِي بِقُوَّةٍ﴾ أي: بأيديكم وقوتكم وآلات بنائكم لا بمالكم ﴿أجْعَلْ بَيْنَكم وبَيْنَهم رَدْمًا﴾ حاجزًا حصينًا ﴿آتُونِي زُبَرَ الحَدِيدِ﴾ أي: قطعة، والزبرة: القطعة الكبيرة ﴿حَتّى إذا ساوى﴾ أي: فجاءوا بها حتى إذا ساوى ﴿بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ﴾ الصدفان: جانبا الجبلين، لأنهما يتصادفان أي: يتقاربان أي: امتلأ بينهما من زبر الحديد ﴿قالَ﴾: للعَمَلَة ﴿انْفُخُوا﴾ فإنه جعل الفحم والحطب في خلال زبر الحديد ﴿حَتّى إذا جَعَلَهُ﴾، الضمير للمنفوخ فيه ﴿نارًا﴾ أي: كالنار بالإحماء ﴿قالَ آتونِي﴾: قطرًا ﴿أفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا﴾ أي: نحاسًا مذابًا على الحديد المحمي حتى التصق بعضُه ببعض، فحذف مفعول آتوني لدلالة الثاني عليه ﴿فَما اسْطاعُوا﴾ بحذف التاء ﴿أنْ يَظْهَرُوهُ﴾: يعلوه لطوله وملاسته ﴿وما اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْبًا﴾: من أسفله لشدته ﴿قالَ﴾: ذو القرنين، ﴿هَذا﴾ أي: السد ﴿رَحْمَةٌ مِن ربي﴾: على عباده ﴿فَإذا جاءَ وعْدُ رَبِّي﴾ أي: وقت وعده بقيام الساعة أو بخروجهم ﴿جَعَلَهُ دَكّاءَ﴾ أي: أرضًا مستوية ومن قرأ ”دكا“ بغير مد يكون مصدرًا بمعنى المفعول أي: مدكًّا مسوى بالأرض ﴿وكانَ وعْدُ رَبِّي حَقًّا﴾ كائنا ألبتَّة ﴿وتَرَكْنا بَعْضَهُمْ﴾ أي: بعض يأجوج ومأجوج ﴿يَوْمَئِذٍ﴾: يوم فتح السد ﴿يَمُوجُ في بَعْضٍ﴾: يختلط بعضهم ببعض كموج الماء لكثرتهم، أو جعلنا بعض الخلق من الإنس والجن يوم قيام الساعة يختلط إنسهم بجنهم حيارى ﴿ونُفِخَ في الصُّورِ﴾: قَرْنٌ ينفخ فيه إسرافيل لقيام الساعة ﴿فَجَمَعْناهم جَمْعًا﴾: للحساب ﴿وعَرَضْنا﴾: أبرزنا وأظهرنا ﴿جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضًا﴾: فعاينوها ﴿الَّذِينَ كانَتْ أعْيُنُهم في غِطاءٍ﴾: غشاوة، ﴿عَن ذكْرِي﴾ عن رؤية آياتي الدالة على توحيدي ﴿وكانُوا لا يَستَطِيعُونَ سَمْعًا﴾: لكَلامي كأنهم [أصمت] مسامعهم بالكلية.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب