الباحث القرآني

﴿وإذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أجَلَهُنَّ﴾، الأجل يطلق للمدة ولمنتهاها والبلوغ: الوصول، وقد يقال للدنو على الاتساع، وهو المراد هاهنا، ﴿فَأمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوف﴾: راجعوهن من غير ضرار، ﴿أوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوف﴾: أو خلوهن لتنقضي عدتهن من غير تطويل، وهذا إعادة لبعض ما سبق للاهتمام به، ﴿ولاَ تُمْسِكُوهنَّ ضِرارًا﴾: لا تراجعوهن إرادة إضرارهن كما سبق ﴿لتَعتدُوا﴾ لتظلموهن بالتطويل والإلجاء إلى الافتداء وهو عين الضرر، ﴿ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾ بتعريضها للعقاب، ﴿ولا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُوًا﴾ كان الرجل يطلق أو يعتق أو ينكح فيقول: كنت لاعبًا فنزلت، ﴿واذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ﴾: التي منها الهداية، ﴿وما أنْزَلَ عَلَيْكم مِنَ الكِتابِ﴾: القرآن، ﴿والحِكْمَةِ﴾: السنة، وقيل: مواعظ القرآن، أفردهما بالذكر لشرفهما ﴿يَعِظُكم بِهِ﴾: بما أنزل، ﴿واتَّقُوا اللهَ واعْلَمُوا أنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ تأكيد وتهديد. ﴿وإذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أجَلَهُنَّ﴾ أي: انقضت عدتهن ﴿فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ﴾: لا تمنعوهن أيها الأولياء، وقيل: الضمير للناس كلهم، أي: لا يوجد فيما بينكم هذا الأمر، ﴿أنْ يَنكِحْنَ أزْواجَهُنَّ﴾ أي: الذين كانوا أزواجًا لهن، نزلت في أخت معقل بن يسار، طلقها زوجها، فلما انقضت عدتها جاء يخطبها، ومعقل منع أن يتزوجها، ﴿إذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ﴾ أي: الخطاب والنساء، وهو ظرف لا تعضلوهن أو لأن ينكحن، ﴿بِالمَعُروف﴾: بما يعرفه الشرع، وهو حال عن الفاعل، ﴿ذلِكَ﴾ أى: النهي والخطاب لكل أحد، أو الكاف لمجرد الخطاب دون تعيين المخاطب، أو خطاب للنبي ﷺ، يعني: ما أنزل إليك وقلنا لك ﴿يُوعَظُ بِهِ مَن كانَ مِنكم يُؤْمِنُ بِاللهِ واليَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ﴾ أي: ترك العضل، ﴿أزْكى﴾: أنفع ﴿لَكم وأطْهَرُ﴾. من دنس الإثم، ﴿واللهُ يَعْلَمُ﴾، النافع الصالح، ﴿وأنتمْ لاَ تَعْلَمونَ﴾: لقصور علمكم. ﴿والوالِداتُ يُرْضِعْنَ﴾، لفظه خبر ومعناه أمر، على سبيل الاستحسان، ﴿أوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ﴾: سنتين، ﴿كامِلَيْنِ﴾: تحديدًا لا تقريبًا ﴿لِمَن أرادَ﴾، أي: ذلك لمن أراد ﴿أن يُتمَّ الرَّضاعَةَ﴾ فعلم أن أقصى مدتها سنتان، ولا اعتبار بالرضاعة بعدهما وعليه السلف وأنه يجوز أن ينقص عنهما، ﴿وعَلى المَوْلُودِ لَهُ﴾ أي: الأب، وعبر عنه بهذه العبارة إشارة إلى جهة وجوب المؤن عليه ﴿رِزْقُهُنَّ وكِسْوَتُهُنَّ﴾، أي: على والد الطفل نفقة أمه المطلقة مدة الإرضاع ﴿بِالمَعْرُوفِ﴾ حسبما يراه الحاكم وهو يقدر، ﴿لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إلّا وُسْعَها﴾ تعليل للتقييد بالمعروف ولإيجاب المؤن، ﴿لا تُضارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها﴾ بأن تدفعه عن نفسها لمضرة أبيه بتربيته، بل عليها إرضاعه، ﴿ولا مَوْلُودٌ لَهُ﴾، أي: الأب ﴿بِوَلَدِهِ﴾ بأن ينزع عنها إضرارًا لها، ولا ”تضار“ إلخ تفصيل لما قبله، أي: لا يكلف كل منهما الآخر ما ليس في وسعه ولا يضاره بسبب الولد، ﴿وعَلى الوارِث﴾ عطف على ”وعلى المولود له“، وما بينهما تعليل معترض، أي: وعلى وارث الأب وهو الصبي نفسه، فإنه إذا مات أبوه فمؤن مرضتعه من ماله إن كان له مال وإلا تجبر الأم، أو المراد وارث الطفل، يعني إن مات الأب يجبر جميع ورثة الطفل على فرض موته -عصبة كانوا أو غيرهم- على نفقة مرضعته، أو يجبر وارث الطفل المحرم منه بحيث لا يجوز النكاح بينهما على تقدير أن يكون أحدهما ذكرًا والآخر أنثى لا الجميع، أو عصبات الطفل فقط ﴿مِثْلُ ذَلِكَ﴾: مثل ما على والده من الإنفاق وعدم الإضرار أو المراد عدم الإضرار فقط لا الإنفاق، ﴿فَإنْ أرادا﴾ أي: الأبوان ﴿فِصالًا﴾: فطامًا صادرًا ﴿عَن تَراضٍ منْهُما وتَشاوُرٍ﴾: بينهما قبل الحولين ﴿فَلا جُناحَ عَلَيْهِما﴾: في ذلك ولا يجوز لواحد منهما أن يستبد في الفطام ﴿وإنْ أرَدتمْ أن تَسْتَرْضِعُوا﴾: المراضع ﴿أوْلادَكم فَلا جُناحَ عَلَيْكم إذا سَلَّمْتُمْ﴾: إلى المراضع، ﴿مّا آتيتم﴾، أي: أردتم إيتاءه، يعني: أجرتها، أو إلى الأمهات أجرتهن بقدر ما أرضعن ﴿بِالمَعْرُوفِ﴾: بالوجه المتعارف شرعًا ومروءة، ونفى الجناح مقيد بالتسليم لا لأنه شرط جواز الاسترضاع، بل إرشاد إلى أن الأكثر ثوابًا أن يكون الاسترضاع مقرونًا بتسليم ما يعطى المرضع، فشبه ما هو من شرائط الأولوية بما هو من شرائط الصحة، فاستعيرت له العبارة مبالغة، ﴿واتَّقُوا اللهَ﴾: في محافظة حدوده، ﴿واعْلَموا أنَّ الله بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾، حث وتهديد، ﴿والَّذِينَ يُتَوَفوْنَ مِنكم ويَذَرُونَ﴾: ويتركون، ﴿أزْواجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأنفُسِهِنَّ﴾: يحملنها على التوقف، خبر في معنى الأمر، ﴿أرْبَعَةَ أشهُرٍ وعَشْرًا﴾، أى: عشر ليال، وتقديره وأزواج الذين، أو تقديره يتربصن بعدهم، لأنه لابد من الضمير في الخبر إذا كان جملة، وخص عنه الحامل لقوله: ”وأولات الأحمال أجلهن“ [الطلاق: ٤] إلخ، والجمهور على أن عدة الأمة نصفها، ﴿فَإذا بَلَغْنَ أجَلَهُنَّ﴾: انقضت عدتهن، ﴿فَلاَ جُناحَ عَلَيْكمْ﴾: أيها الأولياء أو المسلمون، ﴿فِيما فَعَلْنَ في أنْفُسِهِنَّ﴾: من التعرض للخطاب والتزين، ﴿بِالمَعْروفِ﴾: بوجه لا ينكره الشرع، ﴿واللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِير﴾، فيجازيكم عليه، ﴿ولا جُناحَ عَلَيْكم فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ﴾، التعريض: إيهام المقصود بما لم يوضع له حقيقة ولا مجازًا، كقول المحتاج: جئتك لأسلم عليك، ﴿مِن خِطْبَةِ﴾، الخطبة بالكسر: طلب المرأة، ﴿النِّساءِ﴾: المعتدات للوفاة، كقولك: إنك جميلة وإن النساء من حاجتي ونحوه، وحرم التصريح بخطبتهن، وأما الرجعية فحرام على غير زوجها التصريح والتعريض، ﴿أوْ أكْنَنْتُمْ في أنْفُسِكُمْ﴾: أضمرتم فيه من غير تصريح ولا تعريض، ﴿عَلِمَ اللهُ أنَّكم سَتَذْكُرُونَهُنَّ﴾، أي: في أنفسكم فرفع عنكم الحرج في ذلك، ﴿ولَكِن﴾، أي: فاذكروهن ولكن، ﴿لاَّ تُواعِدُوهُنَّ سِرًا﴾: بأن تأخذوا الميثاق عنهن في عدم تزوج غيره، وقال كثير من السلف يعني: الزنا، وقيل: أن يتزوجها في العدة سرًّا، ﴿إلا أن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا﴾، أي: لا تواعدوهن بشيء إلا بأن تقولوا، أي: بالتعريض، أو لا تواعدوهن مواعدة إلا مواعدة معروفة وهي التعريض، ﴿ولاَ تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النكاحِ﴾، أي: لا تعزموا عقد عقدة النكاح، ﴿حَتّى يَبْلغَ الكتابُ أجَلَهُ﴾: حتى ينتهى ما كتب من العدة، والإجماع على أنه لا يصح العقد في العدة، وعند مالك أن من تزوج امرأة في عدة ودخل بها، حرام عليه تلك المرأة بالتأبيد، ﴿واعْلَمُوا أن اللهَ يَعْلَمُ ما في أنفُسكُمْ﴾: من عزم ما لا يجوز، ﴿فاحْذَرُوهُ﴾: فخافوا الله ولا تعزموا، ﴿واعْلَمُوا أن الله غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ وبخهم أولًا ثم لم يؤيسهم من رحمته.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب