الباحث القرآني

﴿ولَقَدْ آتيْنا مُوسى الكِتابَ﴾: التوراة، ﴿وقَفيْنا مِن بَعْدِهِ بِالرسُلِ﴾: أرسلنا على أثره الرسل، ﴿وآتَيْنا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ البَيِّناتِ﴾، ختم أنبياء بني إسرائيل بعيسى وبعض أحكامه مخالف للتوراة والبينات إحياء الموتى وخلقه من الطين كهيئة الطير وإبراء الأسقام وإخباره بالغيب، ﴿وأيَّدْناهُ بِرُوحِ القُدُسِ﴾، أي: جبريل فإنه كان قرينه يسير معه حيث سار، أو الاسم الذي به يحيي الموتى، أو الإنجيل أو الروح الذي نفخ فيه، ﴿أفَكُلَّما جاءَكُمْ﴾ وسطت الهمزة بين الفاء وما تعلقت به ”وهو ولقد آتينا“ توبيخًا لهم على تعقيبهم ذاك بها، ﴿رَسُولٌ بِما لا تَهْوى﴾: ما لا تحب، ﴿أنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ﴾: عن اتباعه، ﴿فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ﴾: كعيسى ومحمد عليهما السلام، ﴿وفَرِيقًا تَقْتُلُون﴾، كزكريا ويحيى جاء بلفظ المضارع لحكاية الحال الماضية ولمراعاة الفواصل، ﴿وقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ﴾: أوعية للعلم لا يحتاج إلى علم آخر، أو عليها غشاوة، أو لا نفقه ما تقول كما في قوله تعالى: ”وقالوا قلوبنا في أكنة“، ﴿بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ﴾ أي: ليس الأمر كما زعموا أن قلوبهم أوعية للعلم بل قلوبهم ملعونة مطبوع عليها بكفرهم أو قلوبهم لم تأب قبول الحق لخلل فيها بل لأن الله طبع عليها بالكفر، ﴿فَقَلِيلًا مّا يُؤْمِنُون﴾، أي: يؤمن منهم القليل فقليلًا حال، أو إيمانًا قليلًا وهو إيمانهم ببعض الكتاب، أو لا يؤمنون أصلًا لا كثيرًا ولا قليلًا، ﴿ولَمّا جاءَهم كِتابٌ مِن عِنْدِ اللهِ﴾، أي: القرآن، ﴿مُصَدِّقٌ لما مَعَهُمْ﴾: التوراة وجوابه محذوف دل عليه جواب لما الثانية، أو لما الثانية تكرار للأول فإن ما عرفوا والكتاب واحد والفاء للإشعار بأن مجيئه كان عقيب استفتاحهم به، ﴿وكانُوا﴾: اليهود والواو للحال، ﴿مِن قبلُ﴾: قبل نزوله، ﴿يَسْتَفتحُونَ عَلى الَّذِينَ كَفَرُوا﴾: يستنصرون على المشركين يقولون اللهم انصرنا بنبي آخر الزمان المنعوت في التوراة، ﴿فَلَمّا جاءَهم ما عَرَفُوا﴾: من الحق، ﴿كَفَرُوا بِهِ﴾: بغيًا وحسدًا، ﴿فَلَعْنَةُ اللهِ عَلى الكافِرِينَ (٨٩) بِئْسَما اشْتَرَوْا بِهِ أنْفُسَهُمْ﴾، ما نكرة مميزة لفاعل بئس المستتر فيه والفعل صفته، أي: بئس ما باعوا فإنهم باعوا ثوابها بالكفر، ﴿أن يَّكْفُرُوا﴾، هو المخصوص بالذم، ﴿بِما أنزَلَ اللهُ بَغْيًا﴾، أي: أن يكفروا حسدًا، ﴿أن﴾، أي: لأن، ﴿يُنَزِّلَ اللهُ مِن فَضْلِهِ﴾: النبوة والكتاب، ﴿عَلى مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ﴾، فإن كفرهم للحسد على أن النبوة في غيرهم، ﴿فَباءُوا﴾: رجعوا، ﴿بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ﴾، لكفرهم بمحمد - عليه الصلاة والسلام -، أو القرآن بعد كفرهم بعيسى وتضييعهم التوراة والإنجيل، أو عبادتهم العجل وقوله بغضب ظرف لغو وعلى غضب صفة له، ﴿ولِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ﴾، فإن عذابهم للإهانة وعذاب العاصي للتطهير، ﴿وإذا قيلَ لَهم﴾: لليهود، ﴿وإذا قِيلَ لَهم آمِنُوا بِما أنْزَلَ اللهُ﴾: القرآن، ﴿قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا﴾: َ التوراة، ﴿ويَكْفُرُونَ بِما وراءَهُ﴾: بما سواه أو بما بعده، ﴿وهُوَ﴾، أي: ما وراءه، ﴿الحَقُّ مُصَدِّقًا لِّما مَعَهُمْ﴾، فإن القرآن مصدق للتوراة، ﴿قُلْ﴾: يا محمد إن كنتم صادقين في دعوى الإيمان بالتوراة، ﴿فَلِمَ تَقْتُلُونَ أنْبِياءَ اللهِ مِن قَبْلُ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾، وفعل آبائهم فعلهم مع أنهم رضوا به ثم يعد عليهم قبائحهم بقوله: ﴿ولَقَدْ جاءَكُم مُّوسى بِالبَيِّناتِ﴾: اليد والعصا وغيرهما، ﴿ثمَّ اتَّخَذْتُمُ العجْلَ﴾، إلها، ﴿مِن بَعْدهِ﴾: بعد مجيئه رسولًا أو ذهابه إلى الطور، ﴿وأنتمْ ظالِمُونَ﴾: قوم عادتكم الظلم، ﴿وإذْ أخَذْنا مِيثاقَكم ورَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطورَ﴾: قلنا لكم، ﴿خُذُوا ما آتيْناكُم﴾: ما أمرتم به في التوراة، ﴿بقُوَّةٍ﴾: بجد، ﴿واسْمَعُوا﴾: أطيعوا، ﴿قالُوا سَمِعْنا﴾: قولك أو بالأذن، ﴿وعَصَيْنا﴾: أمرك أو بالقلوب وليس هذا بألسنتهم لكن لما سمعوا وتلقوه بالمعصية نسب إلى القول اتساعًا، ﴿وأُشْرِبُوا في قُلُوبِهِمُ العِجْلَ﴾، أي: أشربوا في قلوبهم حبه حتى خلص ذلك إلى قلوبهم وفي كلام السلف: لما أحرق العجل برد بالمبرد ثم نسف في الماء فمن شرب وفي قلبه حب العجل اصفر لونه، ﴿بِكُفْرِهِمْ﴾، فإنهم مجسمة فَأعْجِبوا العجل، ﴿قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكم بِهِ إيمانُكم إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾: بالتوراة كما زعمتم فبئس ما أمركم به إيمانكم بها والمخصوص بالذم محذوف أي: هذا الأمر وحاصله لو كنتم مؤمنين ما عبدتم العجل يعني آباءهم، وأنتم لو كنتم مؤمنين ما كذبتم محمدًا عليه الصلاة والسلام، ﴿قلْ إن كانَتْ لَكُمُ الدّارُ الآخِرَة عِندَ اللهِ﴾، أي: في علم الله وحكمه، ﴿خالِصَةً﴾، أي: خاصة بكم كما تقولون: ”لن يدخل الجنة إلا من كان هودًا“ الآية [البقرة: ١١١]، منصوب على الحال، ﴿مِّن دُونِ الناسِ﴾، أي: الباقين، ﴿فَتَمَنَّوُا المَوْتَ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾، أي: ادعوا بالموت على الكاذب من الفريقين، والمراد منه المباهلة كما صح عن ابن عباس رضى الله عنهما وغيره من السلف أو معناه فسلوا الموت لأن من أيقن أن مأواه الجنة حن إليها سيما إذا علم أنها لا يشاركه فيها غيره، ﴿ولَن يَتَمَنَّوْه أبَدًا﴾: للعلم بكذبهم، ﴿بِما قَدَّمَتْ أيْدِيهِمْ﴾: كتحريف التوراة وإضافته إلى اليد، لأن أكثر الجنايات باليد فأضيف إليها الأعمال وإن لم يكن لليد فيها مدخل، ﴿واللهُ عَلِيمٌ بِالظالِمِينَ﴾: تهديد، ﴿ولَتَجِدَنَّهم أحْرَصَ النّاسِ عَلى حَياةٍ﴾، أي: على نوع من الحياة وهو طول العمر لعلمهم بسوء عاقبتهم، ﴿ومِنَ الذِينَ أشرَكوا﴾، عطف في المعنى على الناس، أي أحرص من الناس ومن الذين أشركوا، أو عطف على أحرص بتقدير وأحرص من الذين وهو عطف الخاص على العام أو اليهود أحرص منهم مع أن المشركين لا يعرفون إلا الحياة الدنيا فحرصهم إليها شديد، وزيادة حرص اليهود لعلمهم بأنهم صائرون إلى النار بخلاف المشركين، قيل: تقديره: ومن الذين أشركوا ناس يود أحدهم فمن الذين أشركوا خبر مبتدأ محذوف صفته ”يود أحدهم“، فإن من اليهود من قال: عزير ابن الله فيكون مشركًا، ﴿يَوَدُّ أحَدُهُمْ﴾، أي: اليهود جملة مستأنفة، ﴿لَوْ يُعَمَّرُ ألْفَ سَنةٍ﴾، لو للتمني، ﴿وما هو بمزَحْزِحِهِ﴾: بمبعده، ﴿مِنَ العَذابِ أنْ يُعَمَّرَ﴾، وضمير هو لمصدر يعمر، وأن يعمر بدله، أو لأحدهم وأن يعمر فاعل بمزحزحه، ﴿واللهُ بَصِيرٌ بما يَعْمَلُونَ﴾.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب