الباحث القرآني

﴿وكَمْ قَصَمْنا﴾: أهلكنا والقصم: الكسر الشديد، ﴿مِن قَرْيَةٍ﴾: من أهلها، ﴿كانَتْ ظالِمَةً وأنشَأْنا بَعْدَها﴾: مكانها، ﴿قَوْمًا آخَرِينَ فَلَمّا أحَسُّوا بَأْسَنا﴾: أدركوا، وشاهدوا شدة عذابنا، ﴿إذا هُم مّنْها يَرْكُضُون﴾: يهربون بسرعة، والركض ضرب الدابة بالرجل، ﴿لاَ تَرْكُضُوا﴾ أي: قيل لهم لا تركضوا، ﴿وارْجِعُوا إلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ﴾: من التلذذ والتنعم والإتراف: إبطار النعمة، ﴿ومَساكِنِكم لَعَلَّكم تُسْألُونَ﴾ غدًا من أعمالهم، أو تسألون شيئًا من دنياكم فتعطون من شئتم، وتمنعون من شئتم، فإنهم أهل ثروة ينفقون رئاء الناس، تهكم بهم الملائكة بهذا القول، ووبَّخَهم وقيل: يسألكم خدمكم في أموركم، كيف نأتي ونذر كعادة المنعمين، أو يسألكم الناس في مهامهم ويستشفون بتدابيركم، ﴿قالُوا﴾: حين رأوا العذاب، ﴿يا ويْلَنا إنّا كُنّا ظالِمِينَ﴾: ندموا حين لا ينفعهم الندم، ﴿فَما زالَت تِّلْكَ﴾: المقالة، أي: الاعتراف بالظلم، ﴿دَعْواهُمْ﴾: دعوتهم نحو: آخر دعواهم أن الحمد لله، ﴿حَتّى جَعَلْناهم حَصِيدًا﴾: مثل [زرع] محصود، ﴿خامِدِينَ﴾ ميتين من خمدت النار، وهما بمنزلة مفعول واحد، كرأيته حلوًا حامضًا، وخامدين حال أو صفة، ﴿وما خَلَقْنا السَّماءَ والأرْضَ وما بَيْنَهُما لاعِبِينَ﴾، بل لنجزى الذين أساءُوا بما عملوا ونجزي الذين أحسنوا بالحسني، ﴿لَوْ أرَدْنا أنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْناهُ مِن لَدُنّا﴾: لو أردنا اتخاذ ما يلعب ويتلهى به، لاتخذناه من عندنا، وما خلقنا جنة ولا نارًا ولا موتًا ولا بعثًا ولا حسابًا، أو لو أردنا أن نتخذ زوجة أو ولدًا لاتخذنا من الحور العين أو الملائكة، أو لاتخذناه من عندنا بحيث لا يظهر لكم ويستر عنكم، فإن زوجة الرجل وولده يكونان عنده لا عند غيره، واللهو: المرأة والولد بلسان اليمن، وهو رد على النصارى في أم المسيح، أو المسيح، أو في المسيح، قيل: لو أردنا اتخاذ لهو لقدرنا عليه ومن لدنا، أي: من جهة قدرتنا لكن الحكمة صارفة عنه، ﴿إنْ كُنّا فاعِلِينَ﴾ أي: إن كنت فاعلًا لذلك، أو إن نافية، فالجملة كالنتيجة للشرطية، ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلى الباطِلِ﴾: نغلِّبُ الحق الذي منه الجد على الباطل الذي منه اللهو، ﴿فيَدْمَغُهُ﴾: يمحقه، جعل الحق كجرم متين صلب، قذف ورمى به على حيوان ضعيف فشق دماغه، وبل إضراب عن اتخاذ اللهو وتنزيه لذاته عن اللعب، ﴿فَإذا هُوَ﴾: الباطل، ﴿زاهِقٌ﴾: هالك والزهوق ذهاب الروح، ﴿ولَكُمُ الوَيْلُ مِمّا تَصِفُونَ﴾: مما تصفون الله به مما لا يليق بعظمته، ﴿ولَهُ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ﴾: خلقًا وملكًا، ﴿ومَن عِندَهُ﴾، أي: الملائكة المقربون، فإنهم منزلون لكرامتهم عليه منزلة المقربين عند الملوك، أو لأنّهُم في محل ظهور سلطانه، وهو السماوات، وهو مبتدأ خبره قوله: ﴿لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ ولاَ يَسْتَحْسِرُونَ﴾ لا يعيون ولا يتعبون قيل: ”ومن عنده“ عطف على ”من في السَّماوات“، أفرده بالذكر للتعظيم، أو المراد: من في العرش والكرسي، ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ والنَّهارَ لاَ يَفتُرُون﴾: دائبون في التسبيح، عن كعب الأحبار: التسبيح لهم كالنفس لبني آدم، ﴿أمِ اتخَذُوا﴾ منقطعة، والهمزة لإنكار اتخاذهم، ﴿آلِهَةً مِّنَ الأرْضِ﴾، ظرف لاتخذوا أو صفة لآلهة، ﴿هم يُنشِرُونَ﴾ أي: اتخذوا آلهة هم قادرون وحدهم على إحياء الموتى، والمراد تجهيلهم والتهكم بهم، والكفرة وإن لم يكونوا يدعون ذلك للأصنام، لكن لما أثبتوا الألوهية لهم يلزمهم إثبات ذلك فإنه ممكن، والإله لا بد أن يكون قادرًا على الممكنات، ﴿لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إلّا اللهُ﴾ أي: غير الله، صفة لا بدل لفساد المعنى واللفظ، قال صاحب المغني: إذا اختلف الموصوف والصفة إفرادًا أو غيره، فالوصف للتأكيد لا للتخصيص، كما قالوا: عندي عشرة إلا درهمًا، لزم عليه تسعة، ولو قال: إلا درهم بالرفع فقد أقر له بعشرة، فمعنى الآية: لو كان الإله غير واحد ألبتَّة، والصفة تأكيد، لأن كل متعدد غير واحد ألبتَّة، ﴿لفَسَدَتا﴾ لأن الملك يفسد بتدبير مالكين لما يحدث، بينهما من الاختلاف والتمانع عادة، ﴿فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ العَرْشِ﴾: المحيط بجميع الأجسام، ﴿عَمّا يَصِفُون﴾: من الشريك والولد، ﴿لاَ يُسْألُ عَمّا يَفْعَلُ﴾ لانفراده في عظمته وسلطانه، ﴿وهم يُسْألُونَ﴾ وهو سائل خلقه عما يعملون، فإنهم عبيد، ﴿أمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً﴾ كرره استقباحًا لشأنهم واستعظامًا لكفرهم، ﴿قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ﴾ من جهة عقل أو نقل، أن له شريكًا، ﴿هَذا ذكر مَن مَّعِيَ﴾ أي: عظة أمتي، ﴿وذِكر مَن قَبْلِي﴾ من الأمم السالفة، فهذا إشارة إلى الكتب السماوية، أي: هذا كتاب الله، فاطلبوا، هل تجدون فيها أن له شريكًا، أو إشارة إلى القرآن وحده، أي: القرآن فيه ذكر أمتي وذكر أمم قبلي، إنهم مطالبون بالتوحيد، ممنوعون عن الشرك، ﴿بَلْ أكْثَرُهم لا يَعْلَمُونَ الحَقَّ﴾: لا يميزون بينه وبين الباطل، ﴿فهُم مُّعْرِضُونَ﴾، عن التوحيد واتباع الرسل، من أجل ذلك. ﴿وما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُولٍ إلّا نُوحِي إلَيْهِ أنَّهُ لا إلَهَ إلّا أنا فاعْبُدُونِ﴾: وحدي، ﴿وقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ ولَدًا﴾ من العرب من قال: الملائكة بنات الله، ﴿سُبْحانَهُ﴾ عن ذلك، ﴿بَلْ﴾ هم، ﴿عِبادٌ مكْرَمُونَ﴾ وليسوا بأولاد، ﴿لا يَسْبِقُونَهُ بِالقَوْلِ﴾: لا يقولون شيئًا حتى يقول الله، ولا يتكلمون إلا بما يأمرهم، كما هو طريق الأدب، ﴿وهُم بِأمرِهِ يَعْمَلُونَ﴾ لا يعملون بما لا يأمرهم، ولا يبعد أن يكون ذلك كالدليل على أنّهم غير الأولاد فإن الأولاد لا يكون كذلك، ﴿يَعْلَمُ ما بَيْنَ أيْدِيهِمْ وما خَلْفَهُمْ﴾: يحيط علمه بجميع أحوال عباد مكرمين مما قدموا وأخروا، ﴿ولا يَشْفَعُونَ إلّا لِمَنِ ارْتَضى﴾: أن يشفع له، ﴿وهم مِن خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾ مرتعدون لا يأمنون مكر الله، والإشفاق خوف مع اعتناء، فإن عدي بمن فمعنى الخوف فيه أظهر، وإن عدي بعلى فبالعكس، والخشية خوف مع تعظيم، ﴿ومَن يَقُلْ مِنهُمْ﴾: من الملائكة، وهذا على سبيل الفرض، ﴿إنِّي إلَهٌ مِن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ﴾ قيل: أراد إبليس حيث دعا الخلق إلى عبادة نفسه دون عبادة ربه، ﴿كَذَلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ﴾: المشركين.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب