الباحث القرآني

﴿قلِ﴾: يا محمد لمشركي قومك، ﴿ادعُوا الذِينَ زَعَمتمْ﴾ أي: زعمتموهم آلهة، ﴿مِن دون اللهِ﴾: من الملائكة، والأصنام ليكشفوا عنكم ضركم ويعينوكم ويرزقوكم، ﴿لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ﴾: من خير وشر، ﴿فِى السَّماواتِ ولا في الأرْضِ﴾، جملة لا يملكون إما استئناف جواب عن المشركين لأنه أمر متعين لا يقبل المكابرة وإما حال عن الذين زعمتم، ﴿وما لَهم فيهِما مِن شِرْكٍ﴾: من شركة، ﴿وما لَه﴾: لله، ﴿منْهم مِن ظَهِيرٍ﴾: من عوين، فإنه هو المستقل في جميع الأمور لا شريك ولا معين له، ﴿ولا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ﴾ أي: شفاعة شافع لمشفوع، ﴿إلا لِمَن أذِنَ لَهُ﴾: أن يشفع، أو أن يشفع له، ﴿حَتّى إذا فُزِّعَ عَنْ قلُوبِهِمْ﴾: أزيل الفزع وكشف عنها، ﴿قالُوا ماذا قالَ رَبُّكم قالُوا الحَقَّ﴾، توجيهه على رأى المتأخرين أن حتى غاية لما فهم من السابق من أن ثمة انتظارًا وتربصًا للإذن، كأنه قيل: يتربصون فزعين حتى إذا كشف الفزع عن قلوبهم بكلمة تكلم بها رب العزة قال بعضهم لبعض - على وجه السؤال: ماذا قال ربكم؟ قالوا: قال القول الحق وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى، وأما كلام السلف هو أنه تعالى إذا تكلم بالوحي أرعد أهل السماوات من الهيبة، فيلحقهم كالغشى فإذا جلى عن قلوبهم سأل بعضهم بعضًا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: القول الحق، أي: المطابق للواقع يعني: أخبر بعضهم بعضًا بما قال الله من غير زيادة ونقصان، وفي البخاري والترمذي وابن ماجه أحاديث صريحة في هذا المعنى، وعلى هذا طباق الآية مشكل ويمكن أن يقال: إن المشركين يعبدون الملائكة زاعمين أنهم شفعاء لهم فبين سبحانه مقام عظمته وجبروته أن لا يجترئ أحد منهم أن يشفع لأحد إلا بإذنه فهم خلف سرادق الهيبة متحيرون متربصون حتى إذا أزيل عنهم الفزع قالوا: ﴿ماذا قال ربكم﴾ الآية، كأنه قال: لا تنفع الشفاعة إلا لمن لا يثبت عند سماع كلام الحيِّ ولا يقدر التكلم حتى إذا أزيل الفزع وعن بعض السلف معناه: حتى إذا نزع الغفلة عن قلوب المشركين عند الاحتضار ويوم القيامة قالت الملائكة لهم: ماذا قال ربكم في الدنيا بالوحي؟ قالوا ”الحق“ فأقروا حين لا ينفعهم الإقرار، وعلى هذا أيضًا توجيهها مشكل اللهم إلا أن يقال معناها: قل يا محمد للمشركين ادعوا آلهتكم أي: اعبدوهم، فيكون الأمر للتهديد، حتى إذا نزع الغفلة عن قلوبهم، ويكون حتى غاية لعبادتهم، ويكون قوله عن قلوبهم التفات من الخطاب، والله أعلم، ﴿وهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ﴾: له العلو والكبرياء، ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكم مِنَ السَّماواتِ والأرْضِ قلِ الله﴾: إذ لا يجحد ذلك إلا معاند، ﴿وإنّا أوْ إيّاكم لَعَلى هُدًى أوْ في ضَلالٍ مُبِينٍ﴾: أي أحد الفريقين ممن يتوحد الرازق بالعبادة، وممن يشرك به الجماد لعلى أحد الأمرين إما مستعل على ذروة الهدى أو منغمس في حضيض الضلال، وليس هذا على سبيل الشك، بل على الإنصاف في الحجاج، وهو أبلغ من التصريح في هذا المقام، ﴿قُلْ لا تُسْألونَ عَمّا أجْرَمْنا﴾: من الصغائر والزلات، ﴿ولا نُسْألُ عَمّا تَعْمَلُونَ﴾: من الكفر والمعاصي وهذا أيضًا من الإنصاف في غايته، حيث أسند الإجرام إلى نفسه، والعمل إليهم، ﴿قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا﴾: في المحشر، ﴿ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالحَقِّ﴾: يفصل ويَحْكُم، ﴿وهُوَ الفَتّاحُ العَلِيمُ قُلْ أرُونِيَ الَّذِينَ ألْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ﴾ أي: أروني بأي صفة ألحقتموهم بالله حال كونهم شركاء على زعمكم، وهذا استفسار شبهتهم بعد إلزام الحجة، ﴿كَلّا﴾ ردع عن المشاركة، ﴿بَلْ هو اللهُ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾: فاين هؤلاء الأذلاء عن هذه الصفات، وضمير هو لله أو للشأن، ﴿وما أرْسَلْناكَ إلّا كافَّةً لِلنّاسِ﴾: إلا إرسالة عامة، نحو: ما قمت إلا طويلًا، والأظهر ما اختاره ابن مالك من أنه حال عن المجرور، ولا بأس بالتقديم لأن استعمال الفصحاء وارد عليه، ﴿بَشِيرًا ونَذِيرًا ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ ويَقُولُونَ مَتى هَذا الوَعْدُ﴾: القيامة، أو المبشر به والمنذر عنه، ﴿إن كُنتمْ صادِقِينَ قُلْ لَكم مِيعادُ يَوْمٍ﴾، الإضافة بيانية، ﴿لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً ولا تَسْتَقْدِمُونَ﴾، إذا فاجأكم، وهذا جواب إنكارهم القيامة لوحظ في الجواب المقصود من سؤالهم لا ما يعطيه ظاهر اللفظ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب