الباحث القرآني

﴿وإنَّ يُونُسَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ إذْ أبَقَ﴾: هرب ﴿إلى الفُلْكِ المَشْحُونِ﴾: المملوء ﴿فَساهَمَ﴾: فقارع أهل الفلك ﴿فَكانَ مِن المُدْحَضِينَ﴾ صار من المغلوبين بالقرعة، وذلك لأن البحر اشتد عليهم، فقالوا: فينا من بشؤمه اشتد البحر فتساهموا على من يقع عليه القرعة يلقى في البحر، فوقعت عليه ثلاث مرات، فألقى عليه السلام نفسه في البحر ﴿فالتَقَمَهُ الحُوتُ﴾: ابتلعه ﴿وهُوَ مُلِيمٌ﴾ أي: ما يجب أن يلام عليه، أو مليم نفسه ﴿فَلَوْلا أنَّهُ كانَ مِنَ المُسَبِّحِينَ﴾: لولا ما تقدم له من العمل في الرخاء، أو من المصلين في بطن الحوت، قد نقل أنه لما استقر في بطنه، ظن أنه قد مات، فحرك رجليه فإذا هو حيٌّ، فقام وصلى، وهو في بطنه، أو من المسبحين بقوله: ﴿لا إلَهَ إلّا أنْتَ سُبْحانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ﴾ ﴿لَلَبِثَ في بَطْنِهِ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ بأن يطول عمر الحوت، ويكون بطنه سجنًا له ﴿فنَبَذْناهُ﴾: طرحناه ﴿بِالعَراء﴾: الأرض الخالية التي لا نبات فيها على جانب دجلة، وقيل: بأرض اليمن ﴿وهُوَ سَقِيمٌ﴾: كفرخ ليس عليه ريش، ومدة لبثه في بطنه، ثلاثة، أو سبعة، أو أربعون، أو يوم واحد ﴿وأنبَتْنا عَلَيْهِ﴾ أي: فوقه ﴿شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ﴾: شجرة الدباء ليتظلل بها، وعن بعض كل شجرة لا ساق لها، فهو يقطين، وعن بعض هو كل شجرة تهلك من عامها ﴿وأرْسَلْناهُ إلى مِائَةِ ألْفٍ﴾ هم قومه الذين هرب عنهم، والمراد إرساله السابق، أو إرسال ثانٍ إليهم أو إلى غيرهم ﴿أوْ يَزِيدُونَ﴾: بل يزيدون، أو يزيدون على تقديركم، وظنكم كمن يرى قومًا فيقول: هؤلاء مائة أو أكثر ﴿فَآمَنُوا﴾: المرسل إليهم ﴿فَمَتَّعْناهم إلى حِينٍ﴾: إلى وقت آجالهم ﴿فاسْتَفْتِهِمْ﴾ أي: سل أهل مكة، وهو سؤال توبيخ عطف على قوله ﴿فاسْتَفْتِهِمْ أهم أشَدُّ خَلْقًا﴾، الذي وقع في أول السورة ساق الكلام موصولًا بعضه ببعض، ثم أمره ثانيًا باستفتائهم ﴿ألِرَبِّكَ البَناتُ﴾ حيث قالوا: إن الملائكة بنات الله ﴿ولَهُمُ البَنُونَ﴾ لزم من كفرهم هذا التجسيم، فإن الولادة للأجسام، وتفضيل أنفسهم على ربهم، حيث جعلوا أرفع الجنسين لهم، واستهانتهم بالملائكة ﴿أمْ خَلَقْنا المَلائِكَةَ إناثًا وهم شاهِدُونَ﴾: خلقنا إياهم بحضرتهم، فإن الأنوثة مما تعلم بالمشاهدة ﴿ألا إنَّهُم منْ إفْكِهِم﴾: بهتانهم ﴿لَيَقولُونَ ولَدَ اللهُ وإنَّهم لَكاذِبُونَ﴾: فإنه محال على الله سبحانه ﴿أصْطَفى البَناتِ عَلى البَنِينَ﴾ استفهام استبعاد، وأما قراءة كسر الهمزة فعلى حذف همزة الاستفهام لدلالة أم بعدها عليها، وقيل بدل من ولد الله، أو بتقدير القول أي: لكاذبون في قولهم أصطفى ﴿ما لَكم كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ بمثل هذا ﴿أفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ إنه سبحانه مقدس عن مثل ذلك ﴿أمْ لَكم سُلْطانٌ مُبِينٌ﴾: حجة واضحة من السماء على ما تقولون ﴿فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ﴾: الذي أنزل عليكم هذا ﴿إنْ كنتُمْ صادِقِينَ وجَعَلُوا بَينَهُ﴾: بين الله ﴿وبَيْنَ الجِنَّةِ نَسَبًا﴾ قالوا الملائكة بنات الله. فقال أبو بكر رضي الله عنه: من أمهاتهن؟! قالوا: سروات الجن أو زعموا عليهم لعائن الله أن الله سبحانه، وإبليس أخوان، أو المراد من الجنة الملائكة سُمُّوا جنة؛ لاجتنانهم عن الأبصار ﴿ولَقَدْ عَلِمَتِ الجِنَّةُ إنَّهم لَمُحْضَرُون﴾ أي: الجن يعلمون أن القائلين بهذا، أو أن الجنة لمحضرون والعذاب يعني: الكفار يسوّون الجن باللهِ، والجن يعلمون كذبهم، وعلى قول من فسر الجنة بالملائكة معناه: ولقد علمت الملائكة أن الكافرين القائلين بذلك لمحضرون في العذاب ﴿سُبْحانَ اللهِ عَمّا يَصِفون﴾: من الولد والنسب ﴿إلا عِبادَ اللهِ المُخْلَصِينَ﴾ منقطع من المحضرين أي: لكن المخلصون ناجون، أو متصل من ضمير جعلوا أو يصفون إن فسر بما يعمهم ﴿فَإنَّكم وما تَعْبُدُونَ ما أنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ إلّا مَن هو صالِ الجَحِيمِ﴾ أي أنتم وأصنامكم ما أنتم بفاتنين على الأصنام يعني: لا تُغوون، ولا تضلون أنتم أحدًا إلا من هو في علم الله أنه يدخل الجحيم، قيل: ضمير عليه لله، والخطاب في أنتم لهم، ولآلهتهم على تغليب المخاطب، أي: ما أنتم على الله بمفسدين الناس بالإغواء إلا من سبق في علمه شقاوته، وقيل وما تعبدون سادّ مسد الخبر ككل رجل وضَيْعَتَهُ، أي: إنكم وآلهتكم قرناء، ثم ابتدأ فقال: ”ما أنتم عليه“ إلخ ﴿وما مِنّا﴾: أحد ﴿إلّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ﴾: في السماوات يعبد الله فيه لا يتجاوزه، أو في القربة، والمعرفة، وهذا حكاية اعتراف الملائكة بالعبودية ردًّا على عبدتهم، وقيل من قوله: سبحان الله من كلام الملائكة كأنه قال: ولقد علمت الملائكة أن القائلين بذلك معذبون قائلين سبحان الله عما يصفون، لكن عباد الله المخلصين برآء مما يصفونه، ثم التفتوا إلى الكفرة، وجاءوا بالفاء الجزائية أي: إذا صح أنكم مفترون، والله منزه فاعلموا أنكم وآلهتكم لا تقدرون على أن تفتنوا على الله عباده إلا أشقياء مثلكم، ثم رجعوا من الاحتجاج وأظهروا العبودية واعترفوا بها ﴿وإنّا لَنَحْنُ الصّافُّونَ﴾: في طاعة الله ﴿وإنّا لَنَحْنُ المُسَبِّحُونَ﴾: الله عما لا يليق به، أو المصلون ﴿وإنْ كانُوا لَيَقُولُونَ﴾ أي: وإن الشأن كان المشركون ليقولون: ﴿لَوْ أنَّ عِندَنا ذِكْرًا﴾: كتابًا ﴿مِّنْ الأوَّلِينَ﴾: من كتبهم ﴿لَكُنّا عِبادَ اللهِ المُخْلَصِينَ﴾ لأخلصنا العبادة له، ولم نخالفه كما خالفوا ﴿فَكَفَرُوا بِهِ﴾ أي: بالذكر لما جاءهم ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ عاقبة كفرهم ﴿ولَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا﴾: وعدنا بالنصر ﴿لِعِبادِنا المُرْسَلِينَ﴾ وهذه الكلمة هي قوله: ﴿إنَّهم لَهُمُ المَنصُورُونَ وإنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الغالِبُونَ﴾: في الدارين، أو في الآخرة، عن ابن عباس: إن لم ينصروا في الدنيا نصروا في الآخرة ﴿فَتَوَلَّ﴾: أعرض ﴿عَنْهم حَتّى حِينٍ﴾: إلى وقت مؤجل ومدة يسيرة يأتيك نصرك ﴿وأبْصِرْهُمْ﴾: حينئذ كيف يذلون ﴿فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ﴾ عزك ونصرك، وسوف للوعد لا للتبعيد ﴿أفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ﴾ روي أنه نزلت حين قالوا عند نزول قوله فسوف يبصرون: متى يكون هذا؟ ﴿فَإذا نَزَلَ﴾ أي: العذاب ﴿بِساحَتِهِمْ﴾ بفنائهم ﴿فَساءَ﴾: بئس ﴿صَباحُ المُنْذَرِينَ﴾: صباحهم، واللام للجنس، والمراد من الصباح اليوم أو الوقت الخاص فإن البلايا يطرقن أسحارًا شبهه بجيش أنذر بعض نصاح القوم بهجومه قومه، فلم يلتفتوا إليه، وما دبروا تدبيرًا حتى أناخ بغتة بفنائهم ﴿وتَوَلَّ عَنْهم حَتّى حِينٍ وأبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ﴾ وعد إلى وعد ووعيد إلى وعيد، قيل: الأول عذاب الدنيا، والثاني عذاب الآخرة، وفي إطلاق أبصر ويبصرون عن التقييد بالمفعول فائدة، وهي أنه يبصر وأنّهم يبصرون ما لا يحيط به الوصف من أنواع المسرة وأجناس المساءة ﴿سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ﴾ فإن العزة له تعالى يعز من يشاء ﴿عَمّا يَصِفُونَ﴾ أي: المشركون ﴿وسَلامٌ عَلى المُرْسَلِينَ﴾ الذين سبقت الكلمة لهم لا عليهم ﴿والحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ﴾: على ما أنعم، وهذا تعليم للمؤمنين عن علي - رضي الله عنه -: ”من أحبَّ أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر، فليكن في آخر كلامه من مجلسه سبحان ربك رب العزة إلى آخر السورة“، وقد رفع هذا المعنى إلى رسول الله ﷺ بوجهين، وروى الطبراني عنه عليه السلام أنه قال: ”من قال دبر كل صلاة: سبحان ربك رب العزة [... إلخ]، ثلاث مرات فقد اكتال بالمكيال الأوفى من الأجر“[[قلت (مدخِّل الكتاب): ولم تصح من هذه الأحاديث شيء، والله أعلم]]، والحمد لله على ما هدانا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب