الباحث القرآني

﴿وما خَلَقْنا السَّماءَ والأرْضَ وما بَيْنَهُما باطِلًا﴾: خلقًا باطلًا، بل لأمر صحيح، وحكمة بالغة أو للباطل والعبث الذي هو متابعة الهوى ﴿ذلِكَ﴾ أي: خلقنا إياهن باطلًا ﴿ظَنُّ﴾ أي: مظنون ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ للَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النّارِ أمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ كالمُفْسِدِينَ في الأرْضِ أمْ نَجْعَلُ المُتَّقِينَ كالفُجّارِ﴾ أم في الموضعين منقطعة، والهمزة لإنكار التسوية فإنها من لوازم خلقهما باطلًا، والإنكار الثاني غير الأول باعتبار الوصف، أو باعتبار الذات، أى: بين المتقين من المؤمنين، والفجار منهم وفي الآية إرشاد إلى المعاد، فإنه ربما يكون المفسد والفاجر أحسن حالًا في الدنيا فلابد من دارٍ أخرى ﴿كِتابٌ أنْزَلْناهُ إلَيْكَ﴾ يعني: القرآن ﴿مُبارَكٌ﴾: كثير النفع ﴿لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ﴾: يتفكروا فيها ﴿ولِيَتَذَكَّرَ﴾: يتعظ به ﴿أُولُو الألْبابِ﴾ ذوو العقول السليمة الظاهر أن ضمير يدبروا لأولي الألباب على التنازع وإعمال الثاني ﴿ووَهَبْنا لِداوُودَ سُلَيْمانَ نِعْمَ العَبْدُ﴾: سليمان ﴿إنَّهُ أوّابٌ﴾: رجاع إليه بالتوبة، وهو تعليل للمدح ﴿إذْ عُرِضَ عَلَيْهِ﴾ ظرف لأواب، أو لنعم ﴿بِالعَشِيِّ﴾: بعد الظهر ﴿الصّافِناتُ﴾ الصافن من الخيل: القائم على ثلاثة قوائم، وقد أقام الرابعة على طرف الحافر، وهذه صفة محمودة في الخيل ﴿الجِيادُ﴾ جمع جواد وهو المسرع في سيره ﴿فَقالَ إنِّي أحْبَبْتُ حُبَّ الخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي﴾ أي: آثرت حب الخيل بدلًا عن ذكر ربي، أو يكون عن متعلقًا بأحببت لتضمين معنى أنَبْتُ، والخير: المال، وأراد به ها هنا الخيل ﴿حَتّى تَوارَتْ﴾ أي الشمس، ومرور ذكر العشي دال على الشمس ﴿بِالحِجابِ﴾ أي حتى غربت ﴿رُدُّوها﴾ أي: الصافنات ﴿عَلَيَّ فَطَفِقَ﴾: جعل يمسح السيف ﴿مَسْحًا بِالسُّوقِ والأعْناقِ﴾ أي: بسوقها وأعناقها، والسوق جمع ساق أي: يقطعهما؛ لأنها شغلته عن ذكر الله تعالى يقال: مسح علاوته، إذا ضرب عنقه ذكر أن له عشرين فرسًا، أو عشرين ألف فرس ذات أجنحة تعرض عليه للجهاد، فنسي صلاة العصر حتى غربت الشمس، كما وقع على نبينا عليهما الصلاة والسلام يوم الخندق؛ فاغتم لذلك فطلبها فعقرها غضبًا لله تعالى، وكان ذلك مباحًا له، وقيل: ذبحها وتصدق بها، والذبح على ذلك الوجه مباح في شريعته، فعوضه الله تعالى بما هو خير منه، وهو الريح التي تجرى بأمره، وعن بعضهم كوى سوقها، وأعناقها بكي الصدقة، وحبسها في سبيل الله تعالى، وعن بعضهم يمسحها بيده لكشف الغبار حبًّا لها، وهو قول ضعيف بعيد عن مقتضى المقام [[بل هو الحق والصواب إن شاء الله تعالى وقد روي عن ابن عباس - رضى الله عنهما -، والزهري، واختاره ابن جرير قال: إنه لم يكن ليعذب حيوانًا ويهلك مالًا من ماله بلا ذنب منها، ولا شك في بعد هذا القول، والله أعلم.]] ﴿ولَقَدْ فَتَنّا﴾: ابتلينا ﴿سُلَيْمانَ﴾ بأن سلبنا الملك منه أربعين يومًا، وقيل أكثر ﴿وألْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ﴾: وسلطنا على ملكه ﴿جَسَدًا﴾: شيطانًا ﴿جَسَدًا ثُمَّ أنابَ﴾ رجع إلى ملكه أو تاب، ثم اعلم أنه لم يصح حديث في تفصيل تلك القصة، وما نقل عن السلف، فالظاهر أنه من الإسرائيليات التي لا نصدقها، ولا نكذبها [[بل نكذبها، لكونها لم تأت من وجه يعتبر، وقد قال أبو شهبة في هذه القصة وأضرابها: نحن لا نشك في أن هذه الخرافات من أكاذيب بني إسرائيل وأباطيلهم. وقد سبق إلى التنبيه إلى ذلك الإمام القاضى عياض في ”الشفا“: لا يصلح ما نقله الإخباريون من تشبه الشيطان به، وتسلطه على ملكه، وتصرفه في أمته بالجور في حكمه؛ لأن الشيطان لا يسلط على مثل هذا، وقد عصم الأنبياء من مثله " وكذلك الإمام الحافظ الناقد ابن كثير فى تفسيره. (الإسرائيليات والموضوعات ص ٢٧٢).]]، والمنقول عن مجاهد وغير واحد من أئمة السلف أن ذلك الجني لم يتسلط على نسائه، بل عصمهن منه تشريفًا له - عليه الصلاة والسلام -، وأما سبب ابتلائه، فقيل: لأنه أحب امرأة مات أبوها، وهي تجزع أشد جزع، فأمر سليمان عليه السلام الشياطين، فصوروا لها تمثال أبيها تسكينًا لها، فهي مع ذلك التمثال كعابدة صنم، فعوتب سليمان على ذلك، وسلط الله تعالى شيطانًا سرق منه خاتمه الذي فيه ملكه وسلطانه، وجلس مقامه يخيل أنه سليمان حتى مضى أيام ابتلائه، وقيل فيه غير ذلك، والله تعالى أعلم ﴿قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي﴾: ذنبي ﴿وهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأحَدٍ مِن بَعْدِي﴾ كان معجزة زمانه الملك، فسأل من الله تعالى معجزة خاصة، لا يكون له فيها شريك إلى يوم القيامة، والظاهر أنه سأل أعلى المراتب، ولذلك قال: ﴿لا ينبغي لأحد من بعدي﴾ أي: هب لي ملكًا أنا حقيق به وحدي، وما قال [[هذه أيضًا من جملة القصص التي نبهنا على كذبها. قال النسفى في المدارك: وأما ما يروي من حديث الخاتم والشيطان وعبادة الوثن في بيت سليمان فمن أباطيل اليهود انتهى. وقال الخازن: قال القاضى عياض وغيره من المحققين لا يصح ما نقله الإخباريون من تشبيه الشيطان به وتسليطه على ملكه، وتصرفه في أمته بالجور في حكمه، وإن الشياطين لا يسلطون على مثل هذا انتهى.]] لم تعط أحدًا غيري، وعن بعض السلف معناه: ملكًا لا تسلبنيه بعد ذلك وتعطيه غيرى كما سلبته مني، وأعطته شيطانًا، والتفسير الأول هو الذي تدل عليه الأحاديث الصحيحة، فهو الصحيح ﴿إنَّكَ أنْتَ الوَهّابُ فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ﴾: وهو من جملة ما وهبنا له خاصة ﴿تَجْرِي بِأمْرِهِ رُخاءً﴾: لينة لا تُزعزِعُ ﴿حَيْثُ أصابَ﴾: أراد وقصد سليمان ﴿والشَّياطِينَ﴾ عطف على الريح ﴿كُلَّ بَنّاءٍ وغَوّاصٍ﴾ بدل منه أشغل بعضهم في المحاريب، والتماثيل وجفانٍ كالجواب، وبعضهم في استخراج اللآلئ من البحر ﴿وآخَرِينَ﴾ عطف على كل، كأنه جعل الشياطين قسمين عَمَلة ومَردة ﴿مُقَرَّنِينَ﴾: قرن بعضهم مع بعض ﴿فِي الأصْفادِ﴾: في السلاسل ﴿هَذا﴾: التسليط ﴿عَطاؤُنا فامْنُنْ﴾: فأعْطِ ما شئتَ لمن شئتَ ﴿أوْ أمْسِكْ﴾: أو احرم من شئتَ ﴿بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ من غير حرج عليك في الإعطاء والإمساك فهو حال من فاعل الأمر، وقيل صلة للعطاء أى إنه عطاء غير متناهٍ، وعن عطاء معناه: امنن على من شئت من الشياطين بالإطلاق وأمسك في وثاقك من شئت منهم، لا تَبِعَةَ عليك ﴿وإنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى﴾: لقربة ورتبة في الآخرة ﴿وحُسْنَ مَآبٍ﴾ هو الجنة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب