الباحث القرآني

﴿ولَقَدْ أرْسَلْنا نُوحًا وإبْراهِيمَ وجَعَلْنا في ذُرِّيَّتِهِما النُّبُوَّةَ والكِتابَ﴾: لم يرسل بعدهما نبي إلا من ذريتهما، ﴿فَمِنهُمْ﴾: من الذرية، ﴿مُهْتَدٍ وكَثِيرٌ مِنهم فاسِقُونَ﴾: خارجون عن الطاعة، ﴿ثُمَّ قَفْيْنا عَلى آثارِهِمْ﴾: آثار نوح وإبراهيم عليهما السلام، ومن عاصرهما، ﴿بِرُسُلِنا وقَفَّيْنا﴾: هم، ﴿بِعِيسى ابْنِ مَرْيَمَ وآتَيْناهُ الإنْجِيلَ وجَعَلْنا في قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ﴾ أي: عيسى، ﴿رَأْفَةً﴾: رقة شديدة، ﴿ورَحْمَةً﴾: كانوا متوادين رحماء، ﴿ورَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها﴾، منصوبة على شريطة التفسير أي: وابتدعوا رهبانية يعني جاءوا بالرياضة الشاقة، والانقطاع عن الناس من عند أنفسهم، ﴿ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ﴾: ما أمرناهم بها، ﴿إلا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ﴾: لكنهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله تعالى ﴿فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها﴾: ذم بوجهين الابتداع في دين الله تعالى، وعدم القيام بما التزموا مما زعموا أنه قربة، ﴿فَآتَيْنا الَّذِينَ آمَنُوا مِنهم أجْرَهُمْ﴾: وهم الثابتون على دين عيسى - عليه السلام - والرهبانية، ﴿وكَثِيرٌ مِنهم فاسِقُونَ﴾: الذين غيروا دين عيسى عن ابن مسعود قال - عليه الصلاة والسلام: ”هل تدري من أين اتخذت بنو إسرائيل الرهبانية؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال“ ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسى يعملون بالمعاصي فغضب أهل الإيمان، فقاتلوهم فهزم المؤمنون ثلاث مرات، فلم يبق منهم إلا القليل، فقالوا: تعالوا نتفرق في الأرض إلى أن يبعث الله النبي الذي وعدنا عيسى يعنون: محمدًا ﷺ، فتفرقوا في غيران الجبال، وأحدثوا رهبانية، فمنهم من تمسك بدينه، ومنهم من كفر، ثم تلا هذه الآية ”، وفي رواية“ فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم الذين آمنوا بي، وكثير منهم فاسقون الذين كذبوني "، ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ﴾، الخطاب لمؤمني أهل الكتاب، ﴿وآمِنُوا بِرَسُولِهِ﴾: محمد - عليه الصلاة والسلام ﴿يُؤْتِكم كِفْلَيْنِ﴾: نصيبين، ﴿مِن رَحْمَتِهِ﴾: للإيمان بنبيكم، وللإيمان برسول الله ﷺ وذلك لمن بقى على دين عيسى - عليه السلام - ولم يغير، ﴿ويَجْعَلْ لَكم نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾: على الصراط، ﴿ويَغْفِرْ لَكم واللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾: وكثير من السلف على أن هذه الآية لما افتخر أهل الكتاب بأنّهم يؤتون أجرهم مرتين أنزل الله تعالى في شأن هذه الأمة المرحومة، ففضلهم على أهل الكتاب بالنور والمغفرة، ﴿لِئَلّا يَعْلَمَ أهْلُ الكِتابِ﴾: الذين لم يؤمنوا، ﴿ألّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِن فَضْلِ اللهِ﴾ أي: يعطيكم الله تعالى نصيبين من رحمته، لأن يعلم الكافرون منهم أنه لا يتمكنون من نيل شيء من فضل الله تعالى، فلا مزيدة، ﴿وأنَّ الفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشاءُ واللهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ﴾، وعلى التفسير الثاني معناه أعطيناكم يا أمة محمد كفلين من رحمته كما أعطى المؤمنون من أهل الكتاب أجرين ليعلم المؤمنون من أهل الكتاب أن فضل الله تعالى ليس بيد أحد، فلو أعطاهم أجرين لأجل إيمانين أعطى المؤمنين كفلين لأجل الإيمان الواحد بفضله قيل: ﴿لا﴾ غير مزيدة، والمعنى لئلا يعلم أهل الكتاب عجز المؤمنين ونقصانهم. والحمد لله على كل حال.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب