الباحث القرآني

﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكم مِن نَفْسٍ واحِدَة﴾ آدم ﴿وجَعَلَ مِنها زَوْجَها﴾ خلق من ضلع آدم حواء ﴿لِيَسْكُنَ﴾ ليطمئن ﴿إلَيْها﴾ ويأنس بها فإنها جزءه ﴿فَلَمّا تَغَشّاها﴾ جامعها ﴿حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا﴾ عليها يعني النطفة ﴿فَمَرَّتْ بِهِ﴾ استمرت به أو قامت وقعدت بالحمل لخفته ﴿فَلَمّا أثْقَلَتْ﴾ صارت ذات ثقل لكبر الولد ﴿دَعَوا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحًا﴾ بشرًا سويًّا فإنهما أشفقا أن يكون بهيمة ﴿لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّاكِرِينَ﴾ لك ﴿فَلَمّا آتاهُما صالِحًا جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما﴾ [[قال قتادة أشركا في الاسم ولم يشركا في العبادة.]] لما حملت حواء جاءها إبليس في غير صورته وقال: هذا الذي في بطنك ربما يكون بهيمة، وهل تدري من أين يخرج فخوفها مرارًا كثيرة ثم قال: لي عند الله منزلة وإن دعوت أن يخرج سالمًا سويًّا أتسميه عبد الحارث وهذا اسم إبليس في الملائكة، فلم يزل بها حتى غرها فسمته عبد الحارث بإذن من آدم ولم تعرف حواء أنه إبليس وقد صح هذا النقل عن ابن عباس - رضي الله عنهما - وكثير من السلف والخلف، وهذا ليس بشرك حقيقي لأنهما ما اعتقدا أن الحارثَ ربُّه بل قصدا إلى أنه سبب صلاحه فسماه الله تعالى شركًا للتغليظ ويكون لفظ شركاء من إطلاق الجمع على الواحد ﴿فَتَعالى اللهُ عَمّا يُشْرِكُونَ﴾ فإن الأولى بهما أن لا يفعلا ما أتيا به من الإشراك في الاسم، وعن الحسن البصري رحمه الله يقول: هم اليهود والنصارى رزقهم الله أولادًا فهودوا ونصروا، وعلى هذا تقدير الآية جعل أولادهما له شركاء فيما أتى أولادهما فسموه عبد شمس وعبد مناف وغيرهما، فحذف المضاف وهو الأولاد وأقيم المضاف إليه مقامه، وقوله: ”شركاء“ و ”تعالى الله عما يشركون“ بلفظ الجمع يدل عليه قيل معناه هو الذي خلق آل قصي وهم قريش من نفس واحدة وهو قصي فجعل من جنسها زوجها عربية قرشية فلما آتاهما صالحًا جعلا له شركاء حيث سميا أولادهما الأربعة بعبد المناف وعبد العزي وعبد قصي وعبد الدار وقيل تم الكلام عند قوله آتاهما ثم ذكر كفار مكة فقال: ”فتعالى الله عما يشركون“ [[قال الإمام فخر الدين الرازي ما نصه: اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى رَجَعَ في هَذِهِ الآيَةِ إلى تقرير أمر التوحيد وإبطال الشرك وفيه مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: المَرْوِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ هو الَّذِي خَلَقَكم مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ وهي نَفْسُ آدَمَ وخَلَقَ مِنها زَوْجَها أيْ حَوّاءَ خَلَقَها الله مِن ضِلْعِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ مِن غَيْرِ أذًى فَلَمّا تَغَشّاها آدَمُ حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا ... فَلَمّا أثْقَلَتْ أيْ ثَقُلَ الوَلَدُ في بَطْنِها أتاها إبْلِيسُ في صُورَةِ رَجُلٍ وقالَ: ما هَذا يا حَوّاءُ/ إنِّي أخافُ أنْ يَكُونَ كَلْبًا أوْ بَهِيمَةً وما يُدْرِيكِ مِن أيْنَ يَخْرُجُ؟ أمِن دُبُرِكِ فَيَقْتُلُكِ أوْ يَنْشَقُّ بَطْنُكِ؟ فَخافَتْ حَوّاءُ، وذَكَرَتْ ذَلِكَ لِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَلَمْ يَزالا في هَمٍّ مِن ذَلِكَ، ثُمَّ أتاها وقالَ: إنْ سَألْتِ الله أنْ يَجْعَلَهُ صالِحًا سَوِيًّا مِثْلَكِ ويُسَهِّلَ خُرُوجَهُ مِن بَطْنِكِ تسميه عبد الحرث، وكان اسم إبليس في الملائكة الحرث فَذَلِكَ قَوْلُهُ: فَلَمّا آتاهُما صالِحًا جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما أيْ لَمّا آتاهُما الله ولَدًا سَوِيًّا صالِحًا جَعَلا لَهُ شَرِيكًا أيْ جَعَلَ آدَمُ وحَوّاءُ له شريكًا، والمراد به الحرث هَذا تَمامُ القِصَّةِ. واعْلَمْ أنَّ هَذا التَّأْوِيلَ فاسِدٌ ويَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ: الأوَّلُ: أنَّهُ تَعالى قالَ: فَتَعالى اللهُ عَمّا يُشْرِكُونَ وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ الَّذِينَ أتَوْا بِهَذا الشِّرْكِ جَماعَةٌ. الثّانِي: أنَّهُ تَعالى قالَ بَعْدَهُ: أيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئًا وهم يُخْلَقُونَ [الأعْرافِ: ١٩١] وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ المَقْصُودَ مِن هَذِهِ الآيَةِ الرَّدُّ عَلى مَن جَعَلَ الأصْنامَ شُرَكاءَ لله تَعالى، وما جَرى لِإبْلِيسَ اللَّعِينِ في هَذِهِ الآيَةِ ذِكْرٌ. الثّالِثُ: لَوْ كانَ المُرادُ إبْلِيسَ لَقالَ: أيُشْرِكُونَ مَن لا يَخْلُقُ شَيْئًا، ولَمْ يَقُلْ ما لا يَخْلُقُ شَيْئًا، لِأنَّ العاقِلَ إنَّما يُذْكَرُ بِصِيغَةِ «مَن» لا بِصِيغَةِ «ما» الرّابِعُ: أنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ أشَدَّ النّاسِ مَعْرِفَةً بِإبْلِيسَ، وكانَ عالِمًا بِجَمِيعِ الأسْماءِ كَما قالَ تَعالى: وعَلَّمَ آدَمَ الأسْماءَ كُلَّها فَكانَ لا بُدَّ وأنْ يَكُونَ قَدْ عَلِمَ أن اسم إبليس هو الحرث فَمَعَ العَداوَةِ الشَّدِيدَةِ الَّتِي بَيْنَهُ وبَيْنَ آدَمَ ومع علمه بأن اسمه هو الحرث كيف سمى ولد نفسه بعبد الحرث؟ وكَيْفَ ضاقَتْ عَلَيْهِ الأسْماءُ حَتّى إنَّهُ لَمْ يَجِدْ سِوى هَذا الِاسْمِ؟ الخامِسُ: أنَّ الواحِدَ مِنّا لَوْ حَصَلَ لَهُ ولَدٌ يَرْجُو مِنهُ الخَيْرَ والصَّلاحَ، فَجاءَهُ إنْسانٌ ودَعاهُ إلى أنْ يُسَمِّيَهُ بِمِثْلِ هَذِهِ الأسْماءِ لَزَجَرَهُ وأنْكَرَ عَلَيْهِ أشَدَّ الإنْكارِ. فَآدَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ مَعَ نُبُوَّتِهِ وعِلْمِهِ الكَثِيرِ الَّذِي حَصَلَ مِن قَوْلِهِ: وعَلَّمَ آدَمَ الأسْماءَ كُلَّها [البقرة: ٣١] وتَجارِبِهِ الكَثِيرَةِ الَّتِي حَصَلَتْ لَهُ بِسَبَبِ الزَّلَّةِ الَّتِي وقَعَ فِيها لِأجْلِ وسْوَسَةِ إبْلِيسَ، كَيْفَ لَمْ يَتَنَبَّهْ لِهَذا القَدْرِ وكَيْفَ لَمْ يَعْرِفْ أنَّ ذَلِكَ مِنَ الأفْعالِ المُنْكَرَةِ الَّتِي يَجِبُ عَلى العاقِلِ الِاحْتِرازُ مِنها السّادِسُ: أنَّ بِتَقْدِيرِ أن آدم عليه السلام، سماه بعبد الحرث، فَلا يَخْلُو إمّا أنْ يُقالَ إنَّهُ جَعَلَ هَذا اللَّفْظَ اسْمَ عَلَمٍ لَهُ، أوْ جَعَلَهُ صِفَةً لَهُ، بِمَعْنى أنَّهُ أخْبَرَ بِهَذا اللَّفْظِ أنه عبد الحرث ومَخْلُوقٌ مِن قِبَلِهِ. فَإنْ كانَ الأوَّلُ لَمْ يَكُنْ هَذا شِرْكًا بالله لِأنَّ أسْماءَ الأعْلامِ والألْقابِ لا تُفِيدُ في المُسَمَّياتِ فائِدَةً، فَلَمْ يَلْزَمْ مِنَ التَّسْمِيَةِ بِهَذا اللَّفْظِ حُصُولُ الإشْراكِ، وإنْ كانَ الثّانِيَ كانَ هَذا قَوْلًا بِأنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ اعْتَقَدَ أنَّ لله شَرِيكًا في الخَلْقِ والإيجادِ والتَّكْوِينِ وذَلِكَ يُوجِبُ الجَزْمَ بِتَكْفِيرِ آدَمَ، وذَلِكَ لا يَقُولُهُ عاقِلٌ. فَثَبَتَ بِهَذِهِ الوُجُوهِ أنَّ هَذا القَوْلَ فاسِدٌ ويَجِبُ عَلى العاقِلِ المُسْلِمِ أنْ لا يَلْتَفِتَ إلَيْهِ. إذا عَرَفْتَ هَذا فَنَقُولُ: في تَأْوِيلِ الآيَةِ وُجُوهٌ صَحِيحَةٌ سَلِيمَةٌ خالِيَةٌ عَنْ هَذِهِ المَفاسِدِ. التَّأْوِيلُ الأوَّلُ: ما ذَكَرَهُ القَفّالُ فَقالَ: إنَّهُ تَعالى ذَكَرَ هَذِهِ القِصَّةَ عَلى تَمْثِيلِ ضَرْبِ المَثَلِ/ وبَيانِ أنَّ هَذِهِ الحالَةَ صُورَةُ حالَةِ هَؤُلاءِ المُشْرِكِينَ في جَهْلِهِمْ، وقَوْلِهِمْ بِالشِّرْكِ، وتَقْرِيرُ هَذا الكَلامِ كَأنَّهُ تَعالى يَقُولُ: هو الَّذِي خَلَقَ كُلَّ واحِدٍ مِنكم مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ وجَعَلَ مِن جِنْسِها زَوْجَها إنْسانًا يُساوِيهِ في الإنْسانِيَّةِ، فَلَمّا تَغَشّى الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ وظَهَرَ الحَمْلُ، دَعا الزَّوْجُ والزَّوْجَةُ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا ولَدًا صالِحًا سَوِيًّا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّاكِرِينَ لِآلائِكَ ونَعْمائِكَ. فَلَمّا آتاهُما الله ولَدًا صالِحًا سَوِيًّا، جَعَلَ الزَّوْجُ والزَّوْجَةُ لله شُرَكاءَ فِيما آتاهُما، لِأنَّهم تارَةً يَنْسُبُونَ ذَلِكَ الوَلَدَ إلى الطَّبائِعِ كَما هو قَوْلُ الطَّبائِعِيِّينَ، وتارَةً إلى الكَواكِبِ كَما هو قَوْلُ المُنَجِّمِينَ، وتارَةً إلى الأصْنامِ والأوْثانِ كَما هو قَوْلُ عَبَدَةِ الأصْنامِ. ثُمَّ قالَ تَعالى: فَتَعالى اللهُ عَمّا يُشْرِكُونَ أيْ تَنَزَّهَ الله عَنْ ذَلِكَ الشِّرْكِ، وهَذا جَوابٌ في غايَةِ الصِّحَّةِ والسَّدادِ. التَّأْوِيلُ الثّانِي: بِأنْ يَكُونَ الخِطابُ لِقُرَيْشٍ الَّذِينَ كانُوا في عَهْدِ رَسُولِ الله ﷺ، وهم آلُ قُصَيٍّ، والمُرادُ مِن قَوْلِهِ: هو الَّذِي خَلَقَكم مِن نَفْسِ قُصَيٍّ وجَعَلَ مِن جِنْسِها زَوْجَها عَرَبِيَّةً قُرَشِيَّةً لِيَسْكُنَ إلَيْها، فَلَمّا آتاهُما ما طَلَبا مِنَ الوَلَدِ الصّالِحِ السَّوِيِّ جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما حَيْثُ سَمَّيا أوْلادَهُما الأرْبَعَةَ بِعَبْدِ مَنافٍ، وعَبْدِ العُزّى، وعَبْدِ قُصَيٍّ، وعَبْدِ اللّاتِ، وجَعَلَ الضَّمِيرَ في يُشْرِكُونَ لَهُما ولِأعْقابِهِما الَّذِينَ اقْتَدَوْا بِهِما في الشِّرْكِ. التَّأْوِيلُ الثّالِثُ: أنْ نُسَلِّمَ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ ورَدَتْ في شَرْحِ قِصَّةِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ فَفي دَفْعِ هَذا الإشْكالِ وُجُوهٌ: الأوَّلُ: أنَّ المُشْرِكِينَ كانُوا يَقُولُونَ إنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ يَعْبُدُ الأصْنامَ، ويَرْجِعُ في طَلَبِ الخَيْرِ ودَفْعِ الشَّرِّ إلَيْها، فَذَكَرَ تَعالى قِصَّةَ آدَمَ وحَوّاءَ عَلَيْهِما السَّلامُ، وحَكى عَنْهُما أنَّهُما قالا: لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّاكِرِينَ أي ذكرا أنه تعالى لو آتاهما ولدًا سويًا صالِحًا لاشْتَغَلُوا بِشُكْرِ تِلْكَ النِّعْمَةِ، ثُمَّ قالَ: فَلَمّا آتاهُما صالِحًا جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فَقَوْلُهُ: جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ ورَدَ بِمَعْنى الِاسْتِفْهامِ عَلى سَبِيلِ الإنْكارِ والتَّبْعِيدِ، والتَّقْرِيرُ: فَلَمّا آتاهُما صالِحًا أجعلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما؟ ثُمَّ قالَ: فَتَعالى اللهُ عَمّا يُشْرِكُونَ أيْ تَعالى الله عَنْ شِرْكِ هَؤُلاءِ المُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِالشِّرْكِ ويَنْسُبُونَهُ إلى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، ونَظِيرُهُ أنْ يُنْعِمَ رَجُلٌ عَلى رَجُلٍ بِوُجُوهٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الإنْعامِ، ثُمَّ يُقالُ لِذَلِكَ المُنْعِمِ: إنَّ ذَلِكَ المُنْعَمَ عَلَيْهِ يَقْصِدُ ذَمَّكَ وإيصالَ الشَّرِّ إلَيْكَ، فَيَقُولُ ذَلِكَ المُنْعِمُ: فَعَلْتُ في حَقِّ فُلانٍ كَذا وأحسنت إليه بكذا وكذا وأحْسَنْتُ إلَيْهِ بِكَذا وكَذا، ثُمَّ إنَّهُ يُقابِلُنِي بالشر والإساءة والبغي؟ على التبعيد فكذا هاهنا. الوَجْهُ الثّانِي: في الجَوابِ أنْ نَقُولَ: إنَّ هَذِهِ القِصَّةَ مِن أوَّلِها إلى آخِرِها في حَقِّ آدَمَ وحَوّاءَ/ ولا إشْكالَ في شَيْءٍ مِن ألْفاظِها إلّا قَوْلِهِ: فَلَمّا آتاهُما صالِحًا جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَنَقُولُ: التَّقْدِيرُ، فَلَمّا آتاهُما ولَدًا صالِحًا سَوِيًّا جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ أيْ جَعَلَ أوْلادَهُما لَهُ شُرَكاءَ عَلى حَذْفِ المُضافِ وإقامَةِ المُضافِ إلَيْهِ مَقامَهُ، وكَذا فِيما آتاهُما، أيْ فِيما آتى أوْلادَهُما ونَظِيرُهُ قوله: وسْئَلِ القَرْيَةَ [يُوسُفَ: ٨٢] أيْ واسْألْ أهْلَ القَرْيَةِ. فَإنْ قِي]] ﴿أيُشْرِكُونَ﴾ ابتداء كلام وإنكار على المشركين ﴿ما لا يَخْلُقُ شَيْئًا﴾ كالأصنام ﴿وهم يُخْلَقُونَ﴾ مخلوقون لله جيء بضمير العاقلين بناء على اعتقادهم وتسميتهم إلهًا ﴿ولا يَسْتَطعُونَ لَهُمْ﴾ لِعُبّادهم ﴿نَصْرًا ولا أنفُسَهم يَنْصُرُونَ﴾ لا يقدرون على دفع مكروه كمن أراد كسرهم ﴿وإنْ تَدْعُوهُمْ﴾ أي: الأصنام أو المشركين ﴿إلى الهُدى﴾ إلى أن يهدوكم أو إلى الإسلام ﴿لا يَتَّبِعُوكُمْ﴾ إلى مرادكم ولا يجيبوكم ﴿سَواءٌ عَلَيْكم أدَعَوْتُمُوهم أمْ أنْتُمْ صامِتُونَ﴾ أي: سواء إحداثكم دعاءهم واستمراركم على الصمت عن دعائهم فإن الكفار إذا نزل عليهم أمر دعوا الله تعالى دون الأصنام. ﴿إن الَّذِينَ تَدْعُونَ﴾ تعبدونهم ﴿مِن دُون الله﴾ أي: الأصنام ﴿عبادٌ أمْثالُكُمْ﴾ مملوكون مسخرون ﴿فادْعُوهم فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ﴾ أي: لا يقدرون على إنجاح سؤال سائل ﴿إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ إنهم آلهة ﴿ألَهم أرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها﴾ هذا بيان لقصور معبودهم عن عبادهم كأنه قال: عباد أمثالكم بل أنتم أكمل ﴿أمْ لَهم أيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أمْ لَهم أعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أمْ لَهم آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قلِ﴾ يا محمد ﴿ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ﴾ في عداوتي ﴿ثُمَّ كِيدُونِ﴾ ثم بالغوا أنتم وشركاؤكم في مكروهي ﴿فَلا تُنْظِرُونِ﴾ لا تمهلوني فإني لا أعبأ بكم ﴿إنَّ ولِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الكِتابَ﴾ القرآن ﴿وهُوَ يَتَوَلّى الصّالِحِينَ﴾ يلي أمرهم وينصرهم ﴿والَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ﴾ دون الله ﴿لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكم ولا أنْفُسَهم يَنْصُرُونَ﴾ فكيف أخاف ذاك العابد وذاك المعبود ﴿وإنْ تَدْعُوهُمْ﴾ الأصنام ﴿إلى الهُدى﴾ أي: ما هو صلاحهم أو إلى أن يهدوكم ﴿لا يَسْمَعُوا وتَراهم يَنْظُرُونَ إلَيْكَ﴾ أي: كأنهم ينظرون فإنهم نحتوها مصورين بالعين والأنف والأذن ﴿وهم لا يُبْصِرُونَ﴾ لأنّهُم لا يقدرون إيجاد النور في أعين أصنامهم أو ضمير تدعوهم وتراهم إلى المشركين لقوله تعالى: ”صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ“ [البقرة: ١٨] ﴿خُذِ العَفْوَ﴾ من أخلاق الناس من غير تجسس كقبول أعذارهم والمساهلة معهم وقد ورد أنه لما نزل قال رسول الله ﷺ: ”ما هذا يا جبريل قال: إن الله تعالى أمرك أن تعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك وتصل من قطعك“ أو خذ الفضل وما تسهَّل به من أموالهم وذلك قبل وجوب الزكاة ﴿وأْمُرْ بِالعُرْفِ﴾ بالعروف وهو كل ما يعرفه الشرع ﴿وأعْرِضْ عَنِ الجاهِلِينَ﴾ لا تقابل السفه بالسفه ﴿وإمّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ﴾ نزغه إذا طعنه وكأن الشيطان يطعن حين يغري الناس إلى المعاصي وحاصله إذا عرض لك منه أدنى وسوسة تصدك عن الإعراض عن الجهال ﴿فاسْتَعِذْ بِاللهِ﴾ فإنه الملجأ أو المنجى ﴿إنَّهُ سَمِيعٌ﴾ بالدعاء ﴿عَلِيمٌ﴾ بالمصالح وبأحوال الناس ﴿إن الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ الكبائر ﴿إذا مَسَّهم طائِفٌ﴾ لمة ووسوسة من طاف به الخيال يطيف أو من طاف يطوف ومن قرأ ﴿طَيفٌ﴾ فهو مصدر، أو تخفيف طيف كلين من لان يلين أو كهين من هان يهون ﴿مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا﴾ وعيد الله ووعده ﴿فَإذا هم مُبْصِرُونَ﴾ مواقع الخطأ ومكائد الشيطان فأنابوا لا كالكفار العمى ﴿وإخْوانُهُمْ﴾ أي: الكفرة فإنهم إخوان الشياطين وأتى بضمير الجمع للشيطان؛ لأن المراد منه الجنس ﴿يَمُدُّونَهُمْ﴾ ضمير الفاعل للشياطين أي: يكون الشياطين مددًا لهم ﴿فِي الغَيِّ﴾ أو المراد من الإخوان الشياطين وضمير إخوانهم للجاهلين أي: شياطينهم يكونون مددًا لهم ﴿ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ﴾ لا يمسكون على إغوائهم، أو الضمير للكفرة أي: لا يكفون عن الغي أو الضمير للكفرة والشياطين جميعًا أي لا الإنس يقصرون عما يعملون من السيئات ولا الشياطين يمسكون عنهم ﴿وإذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ﴾ من القرآن أو معجزة اقترحوها ﴿قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها﴾ اختلقتها من قبل نفسك قيل: كانوا يسألون الآيات تعنتًا فإذا تأخرت اتهموه وقالوا لولا اجتبيتها وأنشأتها من نفسك، أو معناها لم لا تجهد نفسك في طلب الآيات من الله تعالى حتى نراها ونؤمن بها ﴿قُلْ إنَّما أتَّبِعُ ما يُوحى إلَيَّ مِن رَبِّي﴾ لست بمختلق أو إن منعها لا أسألها إلا بإذنه ﴿هَذا﴾ أي: القرآن ﴿بَصائِرُ﴾ للقلوب بها تبصر الحق ﴿مِن رَبِّكم وهُدًى ورَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ فلو كان لكم بصيرة لكفاكم القرآن آية ﴿وإذا قُرِئَ القُرْآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا لَعَلَّكم تُرْحَمُونَ﴾ الأصح أنها نزلت في ترك التكلم في الصلاة أو ترك القراءة مع الإمام إذا جهر فيها ولا شك أنه يستحب الاستماع والإنصات عند قراءة القرآن مطلقًا ﴿واذْكُرْ رَبَّكَ في نَفْسِكَ﴾ أمر بذكره أول النهار وآخره ﴿تَضَرُّعًا﴾ متضرعًا ﴿وخِيفَةً﴾ خائفًا ﴿ودُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ﴾ وهو كما قال ابن عباس - رضى الله عنهما - أن تسمع نفسك دون غيرك ﴿بِالغُدُوِّ والآصالِ﴾ بهذين الوقتين لفضلهما ﴿ولا تَكنْ مِنَ الغافِلِينَ﴾ عن ذكره وهدا قبل أن تفرض الصلوات الخمس ليلة الإسراء، والآية مكية وأما حمل الآية على غير هذا المعنى فبعيد، ولا يساعده نقل سديد ﴿إنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ﴾ أي: الملائكة المقربين ﴿لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ ويُسَبِّحُونَهُ﴾ ينزهونه ﴿ولَهُ﴾ لا لغيره ﴿يَسْجُدُونَ﴾ لا يشركون بالعبادة غير الله تعالى أي: هم مع كونهم آمنين من سوء العاقبة وعذابه متوجهون إلى الله تعالى دائما فأنتم مع خوفكم تتمادون في الغفلة وتعبدون غيره وهذه أول سجدة في القرن لتاليها ومستمعها بالإجماع. والحمد لله حقَّ حمده ..
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب