الباحث القرآني

قرأ زيد بن ثابت: ينشركم. ومثله قوله فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ. فإن قلت: كيف جعل الكون في الفلك غاية للتسيير في البحر» ، والتسيير في البحر إنما هو بالكون في الفلك؟ قلت: لم يجعل الكون في الفلك غاية للتسيير في البحر، ولكن مضمون الجملة الشرطية الواقعة بعد «حتى» بما في حيزها، كأنه قيل: يسيركم حتى إذا وقعت هذه الحادثة وكان كيت وكيت من مجيء الريح العاصف وتراكم الأمواج والظنّ للهلاك [[قوله «والظن للهلاك» عبارة النسفي: بالهلاك. (ع)]] والدعاء بالإنجاء. فإن قلت: ما جواب «إذا» ؟ قلت: جاءتها. فإن قلت: فدعوا؟ قلت: بدل من ظنوا، لأنّ دعاءهم من لوازم ظنهم الهلاك فهو ملتبس به. فإن قلت: ما فائدة صرف الكلام عن الخطاب إلى الغيبة؟ قلت: المبالغة، كأنه يذكر لغيرهم حالهم ليعجبهم منها ويستدعى منهم الإنكار والتقبيح. فإن قلت: ما وجه قراءة أمّ الدرداء: في الفلكي، بزيادة ياء النسب؟ قلت: قيل هما زائدتان كما في الخارجي والأحمرى. ويجوز أن يراد به اللجّ والماء الغمر الذي لا تجرى الفلك إلا فيه. والضمير في جَرَيْنَ للفلك، لأنه جمع فلك كالأسد، في فعل أخى فعل [[قوله «كالأسد في فعل» أى كما جاء «فعل» بالضم في «فعل» بفتحتين، كأسد في أسد، جاز مجيء «فعل» بالضم في فعل «بالضم» كفلك في فلك، وذلك لأن «فعلا» بفتحتين و «فعلا» بالضم أخوان، لأنهما يشتركان في الشيء الواحد، كالعرب والعرب والعجم والعجم، والرهب والرهب. فما جاز في أحدهما لا يمنع في الآخر، وقد جاز «فعل» بالضم في «فعل» بالفتح، فليجز «فعل» بالضم في «فعل» بالضم، لأنهما أخوات. كذا في الصحاح، فتأمله. (ع)]] . وفي قراءة أمّ الدرداء: للفلك، أيضاً، لأنّ الفلكي يدلّ عليه جاءَتْها جاءت الريح الطيبة، أى تلقتها. وقيل: الضمير للفلك مِنْ كُلِّ مَكانٍ من جميع أمكنة الموج أُحِيطَ بِهِمْ أى أهلكوا جعل إحاطة العدوّ بالحي مثلا في الهلاك مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ من غير إشراك به، لأنهم لا يدعون حينئذ غيره معه لَئِنْ أَنْجَيْتَنا على إرادة القول. أو لأن دَعَوُا من جملة القول يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ يفسدون فيها ويعبثون متراقين في ذلك، ممعنين فيه، من قولك: بغى الجرح إذا ترامى إلى الفساد. فإن قلت: فما معنى قوله بِغَيْرِ الْحَقِّ والبغي لا يكون بحق؟ قلت: بلى، وهو استيلاء المسلمين على أرض الكفرة، وهدم دورهم، وإحراق زروعهم وقطع أشجارهم [[متفق على معناه من حديث ابن عمر رضى الله عنهما.]] كما فعل رسول الله ﷺ ببني قريظة. قرئ: متاع الحياة الدنيا، بالنصب. فإن قلت: ما الفرق بين القراءتين؟ قلت: إذا رفعت كان المتاع خبراً للمبتدإ الذي هو بَغْيُكُمْ وعَلى أَنْفُسِكُمْ صلته، كقوله فَبَغى عَلَيْهِمْ ومعناه: إنما بغيكم على أمثالكم والذين جنسهم جنسكم، يعنى: بغى بعضكم على بعض منفعة الحياة الدنيا لا بقاء لها. وإذا نصبت عَلى أَنْفُسِكُمْ خبر غير صلة، معناه. إنما بغيكم وبال على أنفسكم، ومَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا في موضع المصدر المؤكد، كأنه قيل: تتمتعون متاع الحياة الدنيا. ويجوز أن يكون الرفع على: هو متاع الحياة الدنيا بعد تمام الكلام. وعن النبي ﷺ أنه قال «لا تمكر ولا تعن ماكرا، ولا تبغ ولا تعن باغياً، ولا تنكث ولا تعن ناكثاً» [[أخرجه ابن المبارك في الزهد: أخبرنا يونس بن يزيد عن الزهري: قال «بلغنا أن رسول الله ﷺ قال: لا تمكر ولا تعن ماكرا، فان الله تعالى يقول وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ولا تبغ ولا تعن باغيا، فان الله تعالى يقول إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ «ولا تنكث ولا تعن ناكثا» فان الله تعالى يقول فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وفي مستدرك الحاكم بعضه من حديث أبى بكرة مرفوعا «لا تبغ ولا تعن باغيا فان الله تعالى يقول إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ.]] وكان يتلوها. وعنه عليه الصلاة والسلام «أسرع الخير ثواباً صلة الرحم، وأعجل الشر عقاباً البغي واليمين الفاجرة» [[أخرجه إسحاق في مسنده عن جرير عن برد بن يسار عن مكحول رفعه «أعجل الخير ثوابا صلة الرحم وأعجل الشر عقابا البغي واليمين الفاجرة، تدع الديار بلاقع» ولأبى يعلى من حديث عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين رفعته «أسرع الخير ثوابا صلة الرحم. وأسرع الشر عقوبة البغي» .]] وروى: «ثنتان يعجلهما الله تعالى في الدنيا: البغي وعقوق الوالدين» [[أخرجه إسحاق في مسنده والطبراني من حديث عبد الله بن أبى بكرة عن أبيه. والبخاري في الأدب المفرد من رواية بكار بن عبد العزيز عن أبيه عن جده رفعه «كل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا البغي وعقوق الوالدين، فانه يعجل لصاحبه في الدنيا قبل الموت» .]] وعن ابن عباس رضى الله عنه: لو بغى جبل على جبل لدك الباغي [[أخرجه البخاري في الأدب حدثنا أبو نعيم حدثنا قطر بن خليفة عن أبى يحيى القتات سمعت مجاهدا عن ابن عباس رضى الله عنهما موقوفا. ورواه ابن المبارك في الزهد عن قطر عن يحيى عن مجاهد مرسلا. ورواه البيهقي في الشعب من طريق الأعمش عن أبى يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس. ورواه ابن مردويه عن أنس رضى الله عنه أخرجه ابن حبان في الضعفاء في ترجمة أحمد بن الفضل. وقال: إنه كان يضع الحديث.]] . وكان المأمون يتمثل بهذين البيتين في أخيه: يَا صَاحِبَ الْبَغْىِ إنَّ الْبَغْىَ مَصْرَعَةٌ ... فَارْبَعْ فَخَيْرُ فِعَالِ المَرْءِ أعْسَلُهُ فَلَوْ بَغَى جَبَلٌ يَوْماً عَلَى جَبَلٍ ... لَانْدَكَّ مِنْهُ أَعَالِيهِ وَأَسْفَلُهُ [[كان المأمون بن الرشيد يتمثل بهما في بغى أخيه عليه، وكرر لفظ البغي تنفيرا عنه، وشبهه بالمصرعة لأن صاحبه يرتبك فيه في العاقبة وربما هلك. وربع يربع، إذا لم يتجاوز قدر نفسه. فاربع: أى الزم قدرك واعدل في فعلك. والفعال- بالفتح-: غالب في فعل الخير. والمراد هنا مطلق الفعل، أى: فخير عمل المرء أقومه، فلو بغى جبل على جبل يوما من الأيام لعوقب واندك منه أعاليه. ويلزم منه اندكاك أسافله. وهذا عقد قول ابن عباس رضى الله عنهما: لو بغى جبل على جبل لدك الباغي.]] وعن محمد بن كعب: ثلاث من كنّ فيه كنّ عليه: البغي والنكث والمكر. قال الله تعالى: إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب