الباحث القرآني

آلْآنَ أتؤمن الساعة في وقت الاضطرار حين أدركك الغرق [[قال محمود: «معناه أتؤمن الساعة في وقت اضطرارك حين أدركك الغرق ... الخ» قال أحمد: ولقد أنكر منكراً، وغضب لله ولملائكته كما يجب لهم، والله الموفق.]] وأيست من نفسك. قيل: قال ذلك حين ألجمه الغرق يعنى حين أوشك أن يغرق. وقيل: قاله بعد أن غرق في نفسه. والذي يحكى أنه حين قال آمَنَتْ أخذ جبريل من حال البحر [[قوله «من حال البحر فدسه» أى طينه الأسود. أفاده الصحاح. وفي الحديث «قال جبريل يا محمد فلو رأيتنى وأنا آخذ من حال البحر فأدسه في فيه» كذا في الخازن. (ع)]] فدسه في فيه، فللغضب لله على الكافر في وقت قد علم أنّ إيمانه لا ينفعه. وأمّا ما يضم إليه من قولهم: خشية أن تدركه رحمة الله فمن زيادات الباهتين [[قوله «الباهتين لله» في الصحاح «بهته» إذا قال عليه ما لم يفعله. (ع)]] لله وملائكته: وفيه جهالتان، إحداهما: أنّ الإيمان يصح بالقلب كإيمان الأخرس، فحال البحر لا يمنعه. والأخرى: أنّ من كره إيمان الكافر وأحب بقاءه على الكفر فهو كافر لأن الرضا بالكفر كفر [[قوله «والذي يحكى» ... إلى قوله «لأن الرضا بالكفر» هذا إفراط منه في الجهل بالمنقول والغض من أهله. فان الحديث صحيح الزيادات، وقد أخرجه الترمذي وصححه، والنسائي وابن حبان والحاكم وإسحاق والبزار وأبو داود والطيالسي كلهم من رواية شعبة عن عدى بن ثابت وعطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رفعه أحدهما إلى النبي ﷺ قال «إن جبريل كان يدس في فم فرعون الطين مخافة أن يقول لا إله إلا الله فيرحمه الله» لفظ الترمذي والباقين نحوه، وله طريق أخرى أخرجها أحمد وإسحاق وعبد بن حميد والبزار والطبراني من رواية حماد بن سلمة عن على بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس، بلفظ «لما أغرق الله فرعون قال: آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل قال جبريل: يا محمد فلو رأيتنى وأنا آخذ الطين من حال البحر فأدسه في فيه مخافة أن تدركه الرحمة، وله طريق أخرى أخرجها يحيى بن عبد الحميد الحمائى في مسنده عن أبى خالد الأحمر عن عمرو بن يعلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال جبريل عليه السلام النبي ﷺ: وذكر فرعون «فلقد رأيتنى وأنا لأكبر فمه بالحمأة مخافة أن تدركه الرحمة، وفي الباب عن أبى هريرة أخرجه الطبري وابن أبى حاتم والبيهقي في الشعب في السادس والخمسين وابن مردويه من طريق عتية بن سعيد عن كثير بن زاذان عن أبى حازم عنه أن رسول الله ﷺ قال قال لي جبريل «لو رأيتنى وأنا آخذ من حال البحر فأدسه في فرعون مخافة أن يقول ربى الله، فتدركه رحمة الله» وعن ابن عمر رضى الله عنهما سمعت رسول الله ﷺ يقول قال لي جبريل: يا محمد ما غضب ربك على أحد غضبه على فرعون إذ قال: ما علمت لكم من إله غيرى. وإذ نادى فقال: أنا ربكم الأعلى. فلما أدركه الغرق استغاث وأقبلت أحشو فاه مخافة أن تدركه الرحمة» أخرجه الطبراني وابن مردويه من رواية محمد بن سليمان بن أبى ضمرة عن عبد الله بن أبى قيس عنه، قلت: وأما الوجهان اللذان ذكرهما الزمخشري، فالحديث توجيه وجيه، لا يلزم منه ما ذكره الزمخشري، وذلك أن فرعون كان كافراً كفر عناد، ألا ترى إلى قصته حيث توقف النيل، وكيف توجه منفرداً وأظهر أنه مخلص، فأجرى له النيل، ثم تمادى على طغيانه وكفره فخشي جبريل أن يعاود تلك العادة فيظهر الإخلاص بلسانه فتدركه رحمة الله فيؤخره في الدنيا فيستمر على غيه وطغيانه فدس في فمه الطين، ليمنعه التكلم بما يقتضى ذلك، هذا وجه الحديث. ولا يلزم منه جهل ولا رضا بكفر بل الجهل كل الجهل ممن اعترض على المنقول الصحيح برأيه الفاسد وأيضاً فايمانه في تلك الحالة على تقدير أنه كان صدقا بقلبه لا يقبل لأنه وقع في حال الاضطرار ولذلك عقب في الآية بقوله تعالى آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وفيه إشارة في قوله تعالى فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا.]] مِنَ الْمُفْسِدِينَ من الضالين المضلين عن الإيمان، كقوله الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ وروى أنّ جبريل عليه السلام أتاه بفتيا: ما قول الأمير في عبد لرجل نشأ في ماله ونعمته فكفر نعمته وجحد حقه وادّعى السيادة دونه؟ فكتب فرعون فيه: يقول أبو العباس الوليد بن مصعب: جزاء العبد الخارج على سيده الكافر نعماه أن يغرق في البحر، فلما ألجمه الغرق ناوله جبريل خطه فعرفه نُنَجِّيكَ بالتشديد والتخفيف: نبعدك مما وقع فيه قومك من قعر البحر. وقيل: نلقيك بنجوة من الأرض. وقرئ ننحيك، بالحاء: نلقيك بناحية مما يلي البحر، وذلك أنه طرح بعد الغرق بجانب البحر قال كعب: رماه الماء إلى الساحل كأنه ثور بِبَدَنِكَ في موضع الحال، أى: في الحال التي لا روح فيك، وإنما أنت بدن، أو ببدنك كاملا سويا لم ينقص منه شيء ولم يتغير. أو عرياناً لست إلا بدناً من غير لباس. أو بدرعك. قال عمرو بن معد يكرب: أَعَاذِلُ شكَّتِى بَدَنِى وَسَيْفِى ... وَكُلُّ مُقَلّصٍ سَلِسُ الْقِيَادِ [[لعمرو بن معديكرب، وكانت له درع من ذهب تعرفه بها العرب. يقول: يا عاذلة، إن سلاحي درعي وسيفي وفرسي المكتنز اللحم المدبج الخلق. وقيل: المقلص الطويل القوائم الهين القود. ويروى: سهل القياد. والمعنى واحد. وإطلاق البدن على الدرع في الأصل مجاز علاقته المجاورة أو المحلية، وأتى بأداة العموم في الفرس لأنه الذي يكثر تغييره.]] وكانت له درع من ذهب يعرف بها. وقرأ أبو حنيفة رحمه الله: بأبدانك وهو على وجهين: إما أن يكون مثل قولهم: هوى بأجرامه، يعنى: ببدنك كله وافياً بأجزائه. أو يريد: بدروعك كأنه كان مظاهراً بينها لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً لمن وراءك من الناس علامة، وهم بنو إسرائيل، وكان في أنفسهم أن فرعون أعظم شأناً من أن يغرق. وروى أنهم قالوا: ما مات فرعون ولا يموت أبداً. وقيل: أخبرهم موسى بهلاكه فلم يصدّقوه، فألقاه الله على الساحل حتى عاينوه، وكأن مطرحه كان على ممرّ من بنى إسرائيل حتى قيل: لمن خلفك. وقيل: لِمَنْ خَلْفَكَ لمن يأتى بعدك من القرون. ومعنى كونه آية: أن تظهر للناس عبوديته ومهانته، وأنّ ما كان يدّعيه من الربوبية باطل محال، وأنه مع ما كان فيه من عظم الشأن وكبرياء الملك آل أمره إلى ما ترون لعصيانه ربه عز وجل، فما الظنّ بغيره، أو لتكون عبرة تعتبر بها الأمم بعدك، فلا يجترئوا على نحو ما اجترأت عليه إذا سمعوا بحالك وبهوانك على الله. وقرئ: لمن خلقك، بالقاف: أى لتكون لخالقك آية كسائر آياته. ويجوز أن يراد: ليكون طرحك على الساحل وحدك وتمييزك من بين المغرقين- لئلا يشتبه على الناس أمرك، ولئلا يقولوا- لادعائك العظمة إنّ مثله لا يغرق ولا يموت- آية من آيات الله التي لا يقدر عليها غيره، وليعلموا أنَّ ذلك تعمد منه لإماطة الشبهة في أمرك.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب