الباحث القرآني

مكية، وقيل مدنية، وآياتها 11 [نزلت بعد العصر] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أقسم بخيل الغزاة تعدو فتضبح. والضبح: صوت أنفاسها إذا عدون. وعن ابن عباس أنه حكاه فقال: أح أح. قال عنترة: والخيل تكدح حين تضبح في حياض الموت ضبحا [[الكدح: الجد في العدو، والضبح: إخراج النفس بصوت غير الصهيل والحمحمة. وحكاه ابن عباس في التفسير فقال: أح أح، وشبه الموت بالسيل على طريق المكنية، والحياض تخييل لذلك.]] وانتصاب ضبحا على: يضبحن ضبحا، أو بالعاديات، كأنه قيل: والضابحات، لأن الضبح يكون مع العدو [[قال محمود: «أقسم بخيل الغزاة تعدو فتضبح والضبح صوت أنفاسها ... الخ» قال أحمد: ولم يذكر حكمة الإتيان بالفعل معطوفا على الاسم، فنقول: إنما عطف فَأَثَرْنَ على الاسم الذي هو الْعادِياتِ وما بعده لأنها أسماء فاعلين، تعطى معنى الفعل. وحكمة مجيء هذا المعطوف فعلا عن اسم فاعل: تصوير هذه الأفعال في النفس، فان التصوير يحصل بإيراد الفعل بعد الاسم، لما بينهما من التخالف: وهو أبلغ من التصوير بالأسماء المتناسقة، وكذلك التصوير بالمضارع بعد الماضي، وقد تقدمت له شواهد أقربها قول ابن معديكرب: بأنى لقيت الغول تهوى ... بسهب كالصحيفة صحصحان فاضربها بلا دهش فخرت ... صريعا اليدين والجران]] . أو على الحال، أى: ضابحات فَالْمُورِياتِ تورى نار الحباحب [[قوله «توري نار الحباحب» الحباحب: اسم رجل بخيل كان لا يوقد إلا نارا ضعيفة مخافة الضيفان، فضربوا به المثل حتى قالوا: نار الحباحب: لما تقدحه الخيل بحوافرها. اه من الصحاح. (ع)]] وهي ما ينقدح من حوافرها قَدْحاً قادحات صاكات بحوافرها الحجارة. والقدح. الصك. والإيراء. إخراج النار. تقول. قدح فأورى، وقدح فأصلد [[قوله «فأصلد» في الصحاح: صلد الزند، إذا صوت ولم يخرج ثارا، وأصلد الرجل: أى صلد زنده اه. (ع)]] ، وانتصب قدحا بما انتصب به ضبحا فَالْمُغِيراتِ تغير على العدو صُبْحاً في وقت الصبح فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً فهيجن بذلك الوقت غبارا فَوَسَطْنَ بِهِ بذلك الوقت، أو بالنقع، أى وسطن النقع الجمع. أو فوسطن ملتبسات به جَمْعاً من جموع الأعداء، ووسطه بمعنى توسطه. وقيل: الضمير لمكان الغارة. وقيل: للعدو الذي دلّ عليه وَالْعادِياتِ ويجوز أن يراد بالنقع: الصياح، من قوله عليه السلام «ما لم يكن نقع ولا لقلقة [[لم أجده مرفوعا. وإنما ذكره البخاري في الجنائز تعليقا عن عمر. قال «دعهن يبكين على أبى سليمان ما لم يكن نقع أو لقلقة» قال: والنقع التراب على الرأس واللقلقة الصوت. ووصله عبد الرزاق والحاكم وابن سعد وأبو عبيد والحربي في الغريب كلهم من طريق الأعمش عن أبى وائل قال «وقيل لعمر: إن نسوة من بنى المغيرة قد اجتمعن في دار خالد بن الوليد يبكين عليه. وإنا نكره أن يؤذينك. فلو نهيتهن فقال: ما عليهن أن يهرقن من دموعهن على أبى سليمان- سجلا أو سجلين ما لم يكن نقع أو لقلقة» وفي رواية ابن سعد قال: وكيع: النقع الشق. واللقلقة الصوت. وقال بعضهم: رفع التراب على الرأس وشق الجيوب. وأما اللقلقة فهي شدة الصوت. ولم أسمع فيه خلافا. وقال الحربي عن الأصمعي. النقع الصياح. وعن أبى سلمة هو وضع التراب على الرأس.]] » وقول لبيد: فمتى ينقع صراخ صادق [[فمتى ينقع صراخ صادق ... جلبوه ذات جرس وزجل للبيد بن ربيعة. وجلب على فرسه وأجلب: إذا صاح به وحثه على السبق. وجلب بالتشديد-: صوت. والجرس الصوت الخفي. والزجل: صوت كدوي النحل. يقول: فمنى يرتفع صراخ للحرب صادق صرخوه ذات جرس، أى: كتيبة ذات جرس، وهو بدل من فاعل جلبوه. أو جاء على لغة أكلونى البراغيث. والمعنى: أن الصوت المنخفض ملازم لها، بخلاف المرتفع. ويجوز أن «جلبوه» جواب الشرط. ويجوز أنه صفة صراخ، وجواب الشرط فيما بعده، وهو أقرب من الأول.]] أى: فهيجن في المغار عليهم صياحا وجلبة [[قوله «صباحا وجلبة» في الصحاح: الجلب والجلبة: الأصوات. (ع)]] . وقرأ أبو حيوة: فأثرن بالتشديد، بمعنى: فأظهرن به غبارا، لأن التأثير فيه معنى الإظهار. أو قلب ثورن إلى وثرن، وقلب الواو همزة. وقرئ: فوسطن بالتشديد للتعدية. والباء مزيدة للتوكيد، كقوله وَأُتُوا بِهِ وهي مبالغة في وسطن. وعن ابن عباس: كنت جالسا في الحجر فجاء رجل فسألنى عن الْعادِياتِ ضَبْحاً ففسرتها بالخيل، فذهب إلى علىّ وهو تحت سقاية زمزم فسأله وذكر له ما قلت، فقال: ادعه لي، فلما وقفت على رأسه قال: تفتي الناس بما لا علم لك به، والله إن كانت لأول غزوة في الإسلام بدر، وما كان معنا إلا فرسان: فرس للزبير وفرس للمقداد الْعادِياتِ ضَبْحاً الإبل من عرفة إلى المزدلفة، ومن المزدلفة إلى منى [[أخرجه الطبري والحاكم من رواية أبى صخر عن أبى معاوية البجلي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وأخرجه الثعلبي وابن مردويه من هذا الوجه.]] ، فإن صحت الرواية فقد استعير الضبح للإبل، كما استعير المشافر والحافر للإنسان، والشفتان للمهر، والثفر للثورة [[قوله «للمهر والثفر الثورة» الثفر السباع كالحياء للناقة، وربما استعير بغيرها. والثورة: تأنيث الثور. قال الأخطل: جزى الله عنا الأعورين ملاحة ... وفروة ثفر الثور المتضاجم وفروة: اسم رجل. والمتضاجم: المعوج الفم اه من هامش. (ع)]] وما أشبه ذلك. وقيل الضبح لا يكون إلا للفرس والكلب والثعلب. وقيل: الضبح بمعنى الضبع، يقال: ضبحت الإبل وضبعت: إذا مدت أضباعها في السير، وليس بثبت. وجمع: هو المزدلفة. فإن قلت: علام عطف فَأَثَرْنَ؟ قلت: على الفعل الذي وضع اسم الفاعل موضعه، لأنّ المعنى: واللاتي عدون فأورين، فأغرن فأثرن. الكنود: الكفور. وكند النعمة كنودا. ومنه سمى: كندة، لأنه كند أباه ففارقه. وعن الكلبي: الكنود بلسان كندة: العاصي، وبلسان بنى مالك: البخيل، وبلسان مضر وربيعة: الكفور، يعنى: أنه لنعمة ربه خصوصا لشديد الكفران، لأن تفريطه في شكر نعمة غير الله تفريط قريب لمقاربة النعمة، لأن أجلّ ما أنعم به على الإنسان من مثله نعمة أبويه، ثم إن عظماها في جنب أدنى نعمة الله قليلة ضئيلة وَإِنَّهُ وإنّ الإنسان عَلى ذلِكَ على كنوده لَشَهِيدٌ يشهد على نفسه ولا يقدر أن يجحده لظهور أمره. وقيل: وإنّ الله على كنوده لشاهد على سبيل الوعيد الْخَيْرِ المال من قوله تعالى إِنْ تَرَكَ خَيْراً والشديد: البخيل الممسك. يقال: فلان شديد ومتشدّد. قال طرفة: أرى الموت يعتام الكرام ويصطفى ... عقيلة مال الفاحش المتشدد [[لطرفة بن العبد في معلقته. واعتام يعتام اعتياما: اختار اختيارا. والعقيلة من كل شيء: أكرمه. يقول: أرى الموت يختار الكرام فيأخذها، ويصطفى أعز مال البخيل الشديد الإمساك فيبقيه. وقيل: فيأخذه أيضا.]] يعنى: وإنه لأجل حب المال وأن إنفاقه يثقل عليه: لبخيل ممسك. أو أراد بالشديد: القوى، وأنه لحب المال وإيثار الدنيا وطلبها قوى مطيق، وهو لحب عبادة الله وشكر نعمته ضعيف متقاعس. تقول: هو شديد لهذا الأمر، وقوىّ له: إذا كان مطيقا له ضابطا. أو أراد: أنه لحب الخيرات غير هش منبسط، ولكنه شديد منقبض بُعْثِرَ بعث. وقرئ: بحثر، وبحث. وبحثر، وحصل: على بنائهما للفاعل. وحصل: بالتخفيف. ومعنى حُصِّلَ جمع في الصحف، أى: أظهر محصلا مجموعا. وقيل: ميز بين خيره وشره. ومنه قيل للمنخل: المحصل. ومعنى علمه بهم يوم القيامة: مجازاته لهم على مقادير أعمالهم، لأنّ ذلك أثر خبره بهم. وقرأ أبو السمال: إنّ ربهم بهم يومئذ خبير. عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من قرأ سورة والعاديات أعطى من الأجر عشر حسنات بعدد من بات بالمزدلفة وشهد جمعا» [[أخرجه الثعلبي والواحدي وابن مردويه بسندهم إلى أبى بن كعب.]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب