فَرَقْنا فصلنا بين بعضه وبعض حتى صارت فيه مسالك لكم. وقرئ: فرّقنا، بمعنى فصلنا. يقال: فرق بين الشيئين، وفرّق بين الأشياء لأن المسالك كانت اثنى عشر على عدد الأسباط. فإن قلت: ما معنى بِكُمُ؟ قلت: فيه أوجه: أن يراد أنهم كانوا يسلكونه، [[قال محمود رحمه اللَّه: «يحتمل أنهم كانوا يسلكون ... الخ» . قال أحمد رحمه اللَّه: فتكون الباء على هذا الوجه استعانة مثلها في كتبت بالقلم.]] ويتفرّق الماء عند سلوكهم، فكأنما فرق بهم كما يفرق بين الشيئين بما يوسط بينهما، وأن يراد فرقناه بسببكم [[قال محمود رحمه اللَّه: «ويحتمل أن يكون المراد فرقناه بسببكم» . قال أحمد رحمه اللَّه: وهي على هذا الوجه سببية، كما تقول: أكرمتك بإحسانك إلى.]] وبسبب إنجائكم، وأن يكون في موضع الحال [[قال محمود رحمه اللَّه: «ويحتمل أن يكون في موضع الحال ... الخ» قال أحمد رحمه اللَّه: وهي على هذا الوجه للمصاحبة مثلها في: أسندت ظهري بالحائط، والوجه الأول ضعيف من حيث أن مقتضاه أن تفريق البحر وقع ببني إسرائيل. والمنقول بل المنصوص عليه في الكتاب العزيز: أن البحر إنما انفرق بعصا موسى، يشهد لذلك قوله تعالى: (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) ، فآلة التفريق العصا، لا بنو إسرائيل]] بمعنى فرقناه ملتبسا بكم كقوله:
تَدُوسُ بِنَا الْجَمَاجِمَ وَالتَّرِيبا [[كأن خيولنا كانت قديما ... تسقى في قحوفهم الحليبا
فمرت غير نافرة عليهم ... تدوس بنا الجماجم والتريبا
لأبى الطيب المتنبي. وتسقى: بالتضعيف، والقحوف: جمع قحف بالكسر، وقيل بالضم: وهو العظم الذي فوق الدماغ وإناء صغير من خشب. والحليب: اللبن المحلوب، أى كأنها كانت معتادة بهم فمرت عليهم مطمئنة. تدوس جماجمهم: أى رؤسهم ونحن على ظهورها. والتريب: لغة في التراب]] أى تدوسها ونحن راكبوها. وروى أنّ بنى إسرائيل قالوا لموسى: أين أصحابنا لا نراهم؟ قال:
سيروا فإنهم على طريق مثل طريقكم. قالوا: لا نرضى حتى نراهم. فقال: اللهم أعنى على أخلاقهم السيئة. فأوحى إليه: أن قل بعصاك هكذا، فقال بها على الحيطان، فصارت فيها كوى. فتراموا وتسامعوا كلامهم وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ إلى ذلك وتشاهدونه لا تشكون فيه.
{"ayah":"وَإِذۡ فَرَقۡنَا بِكُمُ ٱلۡبَحۡرَ فَأَنجَیۡنَـٰكُمۡ وَأَغۡرَقۡنَاۤ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ"}