الباحث القرآني

روى أنّ عبد اللَّه بن صوريا من أحبار فدك حاجّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وسأله عمن يهبط عليه بالوحي، فقال: جبريل، فقال: ذاك عدوّنا، ولو كان غيره لآمنا بك، وقد عادانا مرارا، وأشدّها أنه أنزل على نبينا أنّ بيت المقدس سيخربه بخت نصر، فبعثنا من يقتله فلقيه ببابل غلاما مسكينا، فدفع عنه جبريل وقال: إن كان ربكم أمره بهلاككم فإنه لا يسلطكم عليه، وإن لم يكن إياه فعلى أى حق تقتلونه [[هكذا ذكره الثعلبي والواحدي والبغوي فقالوا روى ابن عباس «أن حبرا من أحبار اليهود من فدك يقال له عبد اللَّه بن صوريا فذكره» ولم أقف له على سند. ولعله من تفسير الكلبي عن أبى صالح عنه.]] . وقيل: أمره اللَّه تعالى أن يجعل النبوّة فينا فجعلها في غيرنا. وروى أنه كان لعمر رضى اللَّه عنه أرض بأعلى المدينة، وكان ممرّه على مدارس اليهود، فكان يجلس إليهم ويسمع كلامهم، فقالوا يا عمر، قد أحببناك، وإنا لنطمع فيك فقال: واللَّه ما أجيئكم لحبكم، ولا أسألكم لأنى شاك في دينى، وإنما أدخل عليكم لأزداد بصيرة في أمر محمد صلى اللَّه عليه وسلم، وأرى آثاره في كتابكم، ثم سألهم عن جبريل فقالوا: ذاك عدوّنا يطلع محمداً على أسرارنا، وهو صاحب كل خسف وعذاب، وإنّ ميكائيل يجيء بالخصب والسلام. فقال لهم: وما منزلتهما من اللَّه تعالى قالوا: أقرب منزلة، جبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره. وميكائيل عدوّ لجبريل. فقال عمر: لئن كانا كما تقولون فما هما بعدوّين، ولأنتم أكفر من الحمير، ومن كان عدواً لأحدهما كان عدواً للآخر، ومن كان عدواً لهما كان عدوّاً للَّه. ثم رجع عمر فوجد جبريل قد سبقه بالوحي، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: لقد وافقك ربك يا عمر. فقال عمر: لقد رأيتنى في دين اللَّه بعد ذلك أصلب من الحجر [[أخرجه الواحدي في الأسباب من رواية داود بن أبى هند عن الشعبي، قال «كان لعمر، فذكره سواء» وأخرجه الطبري من طريق أسباط عن السدى. قال في قوله: (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ) الآية قال «كان لعمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه أرض بأعلى المدينة- إلى آخره- إلا أنه قال فقال عمر: والذي بعثك بالحق لقد جئتك وما أريد إلا أن أخبرك» .]] . وقرئ: جبرئيل، بوزن قفشليل [[قوله «بوزن قفشليل» في الصحاح: القفشليل المغرفة، فارسى معرب. (ع)]] وجبرئل بحذف الياء، وجبريل بحذف الهمزة، وجبريل بوزن قنديل، وجبرالّ بلام شديدة. وجبرائيل بوزن جبراعيل، وجبرائل بوزن جبراعل. ومنع الصرف فيه للتعريف والعجمة. وقيل معناه: عبد اللَّه. الضمير في نَزَّلَهُ للقرآن. ونحو هذا الإضمار- أعنى إضمار ما لم يسبق ذكره- فيه فخامة لشأن صاحبه، حيث يجعل لفرط شهرته كأنه يدل على نفسه، ويكتفى عن اسمه الصريح بذكر شيء من صفاته عَلى قَلْبِكَ أى حفظه إياك وفهمكه بِإِذْنِ اللَّهِ بتيسيره وتسهيله. فإن قلت: كان حق الكلام أن يقال: على قلبي [[قال محمود رحمه اللَّه: «فان قلت: كان حق الكلام أن يقال على قلبي ... الخ» . قال أحمد رحمه اللَّه: الحكاية مرة تكون مع التزام اللفظ، ومرة تكون بالمعنى غير متبعة للفظ، فلعل الأمر في هذه الآية توجه على النبي عليه السلام أن يحكى معنى قول اللَّه تعالى له (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ) بلفظ المتكلم ونظير هذا قوله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً) إلى قوله: (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً) فانظر ما وقع بعد القول المنسوب إليهم مما يفهم أنه قول اللَّه عز وجل لا على سبيل الحكاية عنهم، إذ هم لا يقولون: فأنشرنا، وإنما يقولون: فأنشر، على لفظ الغيبة ولكن جاء الكلام حكاية على المعنى، لأن معنى قولهم: فأنشر اللَّه، هو معنى قول اللَّه عن ذاته: فأنشرنا، ولا يستتب لك أن يجعل هذا من باب الخروج من الغيبة إلى التكلم الذي يسمى التفاتا، فان في هذا مزيداً. ومنه قوله تعالى حكاية عن موسى عليه السلام (قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى، الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ) إلى قوله: (فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى) فأول الكلام يفهم قول موسى وآخره يفهم قول اللَّه تعالى. والطريق الجامع في ذلك ما قررته واللَّه أعلم.]] . قلت: جاءت على حكاية كلام اللَّه تعالى كما تكلم به، كأنه قيل: قل ما تكلمت به من قولي: من كان عدوّا لجبريل فإنه نزله على قلبك. فإن قلت: كيف استقام قوله: (فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ) جزاء للشرط [[قال محمود رحمه اللَّه: «فان قلت كيف استقام قوله فانه نزله جزاء للشرط ... الخ» ؟ قال أحمد رحمه اللَّه: ويكون دخول الفاء في الجزاء على هذا الوجه مستحقا لسببين: أحدهما أنه جملة اسمية. والآخر أنه ماض صحيح.]] ؟ قلت: فيه وجهان: أحدهما إن عادى جبريل أحد من أهل الكتاب فلا وجه لمعاداته حيث نزل كتابا مصدقا للكتب بين يديه، فلو أنصفوا لأحبوه وشكروا له صنيعه في إنزاله ما ينفعهم ويصحح المنزل عليهم. والثاني: إن عاداه أحد فالسبب في عداوته أنه نزل عليك القرآن مصدقا لكتابهم وموافقا له، وهم كارهون للقرآن ولموافقته لكتابهم، ولذلك كانوا يحرفونه ويجحدون موافقته له، كقولك: إن عاداك فلان فقد أذيته وأسأت إليه. أُفرد الملكان بالذكر لفضلهما كأنهما من جنس آخر، وهو مما ذكر أنّ التغاير في الوصف ينزل منزلة التغاير في الذات. وقرئ: ميكال، بوزن قنطار. وميكائيل كميكاعيل. وميكائل كميكاعل. وميكئل كميكعل. وميكئيل كميكعيل. قال ابن جنى: العرب إذا نطقت بالأعجمى خلطت فيه. عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ أراد عدوّ لهم فجاء بالظاهر، ليدل على أنّ اللَّه إنما عاداهم لكفرهم، وأن عداوة الملائكة كفر، وإذا كانت عداوة الأنبياء كفراً فما بال الملائكة وهم أشرف [[قوله «فما بال الملائكة وهم أشرف» هذا عند المعتزلة. أما عند أهل السنة فالأنبياء أشرف. (ع)]] والمعنى من عاداهم عاداه اللَّه وعاقبه أشدّ العقاب.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب