الباحث القرآني

تستأنسوا فيه وجهان، أحدهما: أنه من الاستئناس الظاهر الذي هو خلاف الاستيحاش لأن الذي يطرق باب غيره لا يدرى أيؤذن له أم لا؟ فهو كالمستوحش من خفاء الحال عليه، فإذا أذن له استأنس، فالمعنى: حتى يؤذن لكم كقوله: لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ وهذا من باب الكناية والإرداف، [[قال محمود: «فيه وجهان، أحدهما: أنه من الاستئناس الذي هو ضد الاستيحاش، أى: حتى يؤذن لكم فتستأنسوا، عبر بالشيء عما هو رادف له. الثاني: أن يكون من الاستعلام من آنس إذا أبصر. والمعنى: حتى تستكشفوا الحال، هل يراد دخولكم أم لا؟ وذكر أيضا وجها بعيدا، وهو أن المراد حتى تعلموا هل فيها إنسان أم لا؟» قال أحمد: فيكون على هذا الأخير بنى من الانس استفعل، والوجه الأول هو البين، وسر التجوز فيه والعدول إليه عن الحقيقة: ترغيب المخاطبين في الإتيان بالاستئذان بواسطة ذكر فان له فائدة وثمرة تميل النفوس اليها وتنفر من ضدها وهو الاستيحاش الحاصل بتقدير عدم الاستئذان ففيه تنهيض للدواعي على سلوك هذا الأدب، والله سبحانه وتعالى أعلم.]] لأنّ هذا النوع من الاستئناس يردف الإذن. فوضع موضع الإذن. والثاني أن يكون من الاستئناس الذي هو الاستعلام والاستكشاف: استفعال من أنس الشيء إذا أبصره ظاهرا مكشوفا. والمعنى حتى تستعلموا وتستكشفوا الحال، هل يراد دخولكم أم لا. ومنه قولهم: استأنس هل ترى أحدا، واستأنست فلم أر أحدا، أى: تعرفت واستعلمت. ومنه بيت النابغة: على مستأنس وحد [[كأن رحلي وقد زال النهار بنا ... بذي الجليل على مستأنس وحد للنابغة، يصف جمله بأنه كحمار الوحش المسرع خوفا مما رآه. وقال الأصمعى: زال النهار: انتصف، ولعله لزوال الشمس فيه عن وسط السماء. ويجوز أن المعنى: مضى ولم يبق منه إلا قليل، كما هو متبادر إسناد الزوال إلى النهار. وبنا: أى علينا. ويجوز أن الباء للملابسة. والجليل. شجر له خوص كخوص النخل. وذو الجليل: موضعه. والمستأنس: الذي يرفع رأسه، هل يرى شخصا؟ وقيل: الذي يخاف الأنيس. واستأنست بالشيء: سكن إليه قلبي. واستأنست: استعلت واستبصرت وخفت من الأنيس. والوحد. المنفرد: ووحد كظرف، فهو وحيد. ووحد كسبب، ووحد كحذر: انفرد، أى كان الرجل فوق ذلك الحمار لا فوق الجمل، لسرعة سيره كالحمار.]] ويجوز أن يكون من الإنس، وهو أن يتعرف هل ثمة إنسان؟ وعن أبى أيوب الأنصارى رضى الله عنه: قلنا يا رسول الله، ما الاستئناس؟ قال: يتكلم الرجل بالتسبيحة والتكبيرة والتحميدة ويتنحنح: يؤذن أهل البيت. والتسليم أن يقول: السلام عليكم، أأدخل؟ ثلاث مرات، فإن أذن له وإلا رجع. وعن أبى موسى الأشعرى أنه أتى باب عمر رضى الله عنهما فقال: السلام عليكم أأدخل؟ قالها ثلاثا ثم رجع وقال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: الاستئذان ثلاثا واستأذن رجل على رسول الله ﷺ فقال: أألج؟ فقال ﷺ لامرأة يقال لها روضة: قومي إلى هذا فعليه، فإنه لا يحسن أن يستأذن. قولي له يقول: السلام عليكم أأدخل فسمعها الرجل فقالها، فقال: ادخل [[أخرجه ابن أبى شيبة من رواية سفيان السمان: سمعت سعيد بن جبير ولم يسم روضة، قال فيه: «وقال لخادمه» .]] . وكان أهل الجاهلية يقول الرجل منهم إذا دخل بيتا غير بيته: حييتم صباحا، وحييتم مساء، ثم يدخل، فربما أصاب الرجل مع امرأته في لحاف واحد، فصدّ الله عن ذلك، وعلم الأحسن والأجمل. وكم من باب من أبواب الدين هو عند الناس كالشريعة المنسوخة قد تركوا العمل به، وباب الاستئذان من ذلك: بينا أنت في بيتك، إذا رعف عليك الباب [[قوله «إذا رعف عليك الباب» في الصحاح: رعف الرجل، إذا خرج الدم من أنفه. ورعف الفرس، إذا سبق وتقدم، فكان ما هنا مجاز على وجه التشبيه. (ع)]] . بواحد، من غير استئذان ولا تحية من تحايى إسلام ولا جاهلية، وهو ممن سمع ما أنزل الله فيه، وما قال رسول الله ﷺ، ولكن أين الأذن الواعية؟ وفي قراءة عبد الله: حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا. وعن ابن عباس وسعيد بن جبير: إنما هو حتى تستأذنوا، فأخطأ الكاتب. ولا يعوّل على هذه الرواية. وفي قراءة أبىّ: حتى تستأذنوا ذلِكُمْ الاستئذان والتسليم خَيْرٌ لَكُمْ من تحية الجاهلية والدمور- وهو الدخول بغير إذن- واشتقاقه من الدمار وهو الهلاك، كأن صاحبه دامر لعظم ما ارتكب. وفي الحديث «من سبقت عينه استئذانه فقد دمر» [[أخرجه الطبراني من طريق أبى السفر عن يزيد بن شريح عن أبى أمامة بلفظ «من أدخل عينه في بيت من غير إذن أهله فقد دمره ولإبراهيم الحربي في الغريب من حديث ثور بن يزيد عن يزيد بن شريح عن أبى حى المؤذن عن أبى هريرة بلفظ «لا يحل لمسلم أن ينظر في بيت حتى يستأذن فان فمل فقد دمر» قال أبو عبيدة في غريب الحديث: حدثنا هشيم عن منصور بن الحسن بلفظه مرسلا قال قال الكسائي «دمر» بالتخفيف أى دخل بغير إذن.]] وروى أنّ رجلا قال للنبي ﷺ: أأستأذن على أمى؟ قال: نعم، قال: إنها ليس لها خادم غيرى، أأستأذن عليها كلما دخلت؟ قال: أتحب أن تراها عريانة قال الرجل: لا. قال: فاستأذن [[أخرجه أبو داود في المراسيل من حديث عطاء بن يسار «أن رجلا سأل» فذكره مرسلا، وهو في الموطأ عن صفوان بن سليم عن عطاء. وأورده الطبري من طريق زياد بن سعد عن عطاء مرسلا أيضا وقال ابن أبى شيبة في النكاح: حدثنا ابن عيينة عن زيد بن أسلم فذكره مرسلا]] لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ أى أنزل عليكم. أو قيل لكم هذا إرادة أن تذكروا وتتعظوا وتعملوا بما أمرتم به في باب الاستئذان.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب