الباحث القرآني

فَمَنْ حَاجَّكَ من النصارى فِيهِ في عيسى مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ أى من البينات الموجبة للعلم تَعالَوْا هلموا. والمراد المجيء بالرأى والعزم، كما نقول تعال نفكر في هذه المسألة نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ أى يدع كل منى ومنكم أبناءه ونساءه ونفسه إلى المباهلة ثُمَّ نَبْتَهِلْ ثم نتباهل بأن نقول بهلة اللَّه على الكاذب منا ومنكم. والبهلة بالفتح، والضم: اللعنة. وبهله اللَّه لعنه وأبعده من رحمته من قولك «أبهله» إذا أهمله. وناقة باهل: لاصرار عليها [[قوله «وناقة باهل لاصرار عليها» في الصحاح صررت الناقة شددت عليها الصرار، وهو خيط يشد فوق الخلف والتودية، لئلا يرضعها ولدها. وفيه الخلف: حلمة ضرع الناقة. وفيه التودية: خشبة تشد عليه. (ع)]] وأصل الابتهال هذا، ثم استعمل في كل دعاء يجتهد فيه وإن لم يكن التعانا. وروى «أنهم لما دعاهم إلى المباهلة قالوا: حتى نرجع وننظر، فلما تخالوا قالوا للعاقب وكان ذا رأيهم: يا عبد المسيح، ما ترى؟ فقال واللَّه لقد عرفتم يا معشر النصارى أنّ محمداً نبىٌّ مرسل، وقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم، واللَّه ما باهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم، ولئن فعلتم لتهلكنّ فإن أبيتم إلا إلف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم، فأتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وقد غدا محتضنا الحسين آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشى خلفه وعلىٌّ خلفها وهو يقول: «إذا أنا دعوت فأمّنوا» فقال أسقف نجران [[قوله «فقال أسقف نجران يا معشر النصارى» أى حبرهم عبد المسيح اه. (ع)]] : يا معشر النصارى، إنى لأرى وجوها لو شاء اللَّه أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة، فقالوا: يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك وأن نقرّك على دينك ونثبت على ديننا قال «فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم» فأبوا. قال: «فإنى أناجزكم» فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة، ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا ترددنا عن ديننا على أنّ نؤدي إليك كل عام ألفى حلة: ألف في صفر، وألف في رجب، وثلاثين درعا عادية من حديد. فصالحهم على ذلك [[أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة، من طريق محمد بن مروان السدى عن الكلبي عن أبى صالح عن ابن عباس بطوله وابن مروان متروك متهم بالكذب ثم أخرج أبو نعيم نحوه عن الشعبي مرسلا، وفيه «فان أبيتم المباهلة فأسلموا ولكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم، فان أبيتم فأعطونا الجزية، كما قال اللَّه تعالى. قالوا: ما نملك إلا أنفسنا قال: فان أبيتم فانى أنبذ إليكم على سواء، فقالوا: لا طاقة لنا بحرب العرب، ولكن نؤدي الجزية، فجعل عليهم في كل سنة ألفى حلة: ألفاً في صفر، وألفاً في رجب، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: لقد أتانى البشير بهلكة أهل نجران لو تموا على الملاعنة» رواه الطبري من طريق أبى إسحاق، حدثني محمد بن جعفر بن الزبير في قوله: (إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ) فذكره مرسلا، وفي سنن أبى داود من حديث ابن عباس «صالح النبي صلى اللَّه عليه وسلم أهل نجران على ألفى حلة النصف في صفر، والبقية في رجب يؤدونه إلى المسلمين، وعارية ثلاثين درعا وثلاثين فرساً وثلاثين بعيراً، وثلاثين من كل صنف من أصناف السلاح يغزون بها والمسلمون ضامنون لها حتى يردوها عليهم» وهو طرف من هذه القصة.]] وقال: «والذي نفسي بيده، إن الهلاك قد تدلى على أهل نجران ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير، ولاضطرم عليهم الوادي ناراً، ولاستأصل اللَّه نجران وأهله حتى الطير على رؤس الشجر، ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا» وعن عائشة رضى اللَّه عنها أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خرج وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله، ثم جاء الحسين فأدخله، ثم فاطمة، ثم على، ثم قال: [[أخرجه مسلم من طريق صفية بنت شيبة عنها. وغفل الحاكم فاستدركه.]] (إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) فإن قلت. ما كان دعاؤه إلى المباهلة إلا ليتبين الكاذب منه ومن خصمه وذلك أمر يختص به وبمن يكاذبه، فما معنى ضم الأبناء والنساء؟ قلت: ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه، حيث استجرأ على تعريض أعزته وأفلاذ كبده [[قوله «وأفلاذ كبده وأحب الناس إليه» في الصحاح: الفلذ: كبد البعير. والجمع: أفلاذ. والفلذة: القطعة من الكبد واللحم والمال وغيرها، والجمع فلذ اه، فتدبر. (ع)]] وأحب الناس إليه لذلك ولم يقتصر على تعريض نفسه له، وعلى ثقته بكذب خصمه حتى يهلك خصمه مع أحبته وأعزته هلاك الاستئصال إن تمت المباهلة. وخص الأبناء والنساء لأنهم أعز الأهل وألصقهم بالقلوب، وربما فداهم الرجل بنفسه وحارب دونهم حتى يقتل. ومن ثمة كانوا يسوقون مع أنفسهم الظعائن في الحروب لتمنعهم من الهرب، ويسمون الذادة عنها بأرواحهم حماة الحقائق. وقدمهم في الذكر على الأنفس لينبه على لطف مكانهم وقرب منزلتهم، وليؤذن بأنهم مقدمون على الأنفس مفدون بها. وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء عليهم السلام. وفيه برهان واضح على صحة نبوة النبي صلى اللَّه عليه وسلم لأنه لم يرو أحد من موافق ولا مخالف أنهم أجابوا إلى ذلك.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب