الباحث القرآني

لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بالإسلام الذي هو أجل النعم، وبتوفيقك لعتقه ومحبته واختصاصه وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ بما وفقك الله فيه، فهو متقلب في نعمة الله ونعمة رسوله ﷺ، وهو زيد بن حارثة أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ يعنى زينب بنت جحش رضى الله عنها، وذلك أن رسول الله ﷺ أبصرها بعد ما أنكحها إياه، فوقعت في نفسه، فقال: سبحان الله مقلب القلوب، وذلك أنّ نفسه كانت تجفو عنها قبل ذلك لا تريدها، ولو أرادتها لاختطبها، وسمعت زينب بالتسبيحة فذكرتها لزيد، ففطن وألقى الله في نفسه كراهة صحبتها والرغبة عنها لرسول الله ﷺ، فقال لرسول الله ﷺ: إنى أريد أن أفارق صاحبتي، فقال: مالك: أرابك منها شيء؟ قال: لا والله، ما رأيت منها إلا خيرا، ولكنها تتعظم علىّ لشرفها وتؤذيني، فقال له: أمسك عليك زوجك واتق الله، ثم طلقها بعد، فلما اعتدت قال رسول الله ﷺ: ما أجد أحدا أوثق في نفسي منك، اخطب علىّ زينب. قال زيد: فانطلقت فإذا هي تخمر عجينتها، فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها، حين علمت أنّ رسول الله ﷺ ذكرها، فوليتها ظهري وقلت: يا زينب، أبشرى إنّ رسول الله ﷺ يخطبك، ففرحت وقالت: ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربى، فقامت إلى مسجدها، ونزل القرآن [[ذكره الثعلبي بغير سند. وأخرج الطبري معناه من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قوله، وفي الصحيحين عن أنس قصة زينب وزيد مختصرة. وليس فيه مما في أوله.]] زَوَّجْناكَها فتزوجها رسول الله ﷺ ودخل بها، وما أو لم على امرأة من نسائه ما أو لم عليها: ذبح شاة وأطعم الناس الخبز واللحم حتى امتدّ النهار. فإن قلت: ما أراد بقوله وَاتَّقِ اللَّهَ؟ قلت: أراد: واتق الله فلا تطلقها، وقصد نهى تنزيه لا تحريم، لأن الأولى أن لا يطلق. وقيل: أراد: واتق الله فلا تذمّها بالنسبة إلى الكبر وأذى الزوج. فإن قلت: ما الذي أخفى في نفسه؟ قلت: تعلق قلبه بها. وقيل: مودة مفارقة زيد إياها. وقيل: علمه بأن زيدا سيطلقها وسينكحها، لأن الله قد أعلمه بذلك. وعن عائشة رضى الله عنها: لو كتم رسول الله ﷺ شيئا مما أوحى إليه لكتم هذه الآية [[متفق عليه من حديث عائشة رضى الله عنها.]] . فإن قلت: فماذا أراد الله منه أن يقوله حين قال له زيد: أريد مفارقتها، وكان من الهجنة أن يقول له: افعل، فإنى أريد نكاحها؟ قلت: كأن الذي أراد منه عز وجل أن يصمت عند ذلك، أو يقول له: أنت أعلم بشأنك، حتى لا يخالف سره في ذلك علانيته، لأن الله يريد من الأنبياء تساوى الظاهر والباطن، والتصلب في الأمور، والتجاوب في الأحوال، والاستمرار على طريقة مستتبة، كما جاء في حديث إرادة رسول الله ﷺ قتل عبد الله بن أبى سرح واعتراض عثمان بشفاعته له: أن عمر قال له: لقد كان عينى إلى عينك، هل تشير إلىّ فأقتله، فقال: إن الأنبياء لا تومض، [[قوله «لا تومض» في الصحاح: أو مضت المرأة، إذا سارقت النظر. (ع)]] ظاهرهم وباطنهم واحد [[لم أجده، وفي الدلائل للبيهقي من رواية الحسن بن بشر عن الحكم بن عبد الملك عن قتادة عن أنس رضى الله عنه قال «أمن رسول الله ﷺ الناس يوم فتح مكة إلا أربعة من الناس- فذكر الحديث قال «ونذر رجل من الأنصار أن يقتل عبد الله بن سعد إذا رآه فأتى به عثمان فشفع له، فجعل الأنصارى يتردد ويكره أن يقدم عليه. فبايعه النبي ﷺ ثم قال للأنصارى: قد انتظرتك. قال: يا رسول الله أفلا أرمضت إلى؟ قال: إنه ليس للنبي أن يومض» وأخرجه الطبري من رواية سعيد عن قتادة مرسلا. وروى عبد الرزاق من طريق مقسم مولى ابن عباس قال «لما كانت المدة بين رسول الله ﷺ وبين قريش- فذكر الحديث بطوله وفيه «وأمن الناس إلا أربعة. وفيه فجاء عثمان بابن أبى سرح. فقال: بايعه يا رسول الله فأعرض عنه ثم جاء فبايعه فقال لقد أعرضت عنه ليقتله بعضكم فقال رجل من الأنصار هلا أومضت إلينا يا رسول الله؟ قال: إن النبي لا يومض» وهذا مرسل أيضا وأخرجه أبو داود وغيره من حديث سعد بن أبى وقاص نحو الأول، لكن في آخره «ثم أقبل على أصحابه فقال: أفما كان فيكم رجل رشيد، يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عنه فيقتله؟ قالوا: وما يدرينا يا رسول الله ما في نفسك، هلا أومأت إلينا بعينك؟ قال: لا ينبغي لنبي أن يكون له خائنة الأعين.]] . فإن قلت: كيف عاتبه الله في ستر ما استهجن التصريح به ولا يستهجن النبىّ ﷺ التصريح بشيء إلا والشيء في نفسه مستهجن، وقالة الناس لا تتعلق إلا بما يستقبح في العقول والعادات؟ وماله لم يعاتبه في نفس الأمر ولم يأمره بقمع الشهوة وكف النفس عن أن تنازع إلى زينب وتتبعها؟ ولم يعصم نبيه ﷺ عن تعلق الهجنة به وما يعرضه للقالة؟ قلت: كم من شيء يتحفظ منه الإنسان ويستحيى من اطلاع الناس عليه، وهو في نفسه مباح متسع، وحلال مطلق، لا مقال فيه ولا عيب عند الله، وربما كان الدخول في ذلك المباح سلما إلى حصول واجبات يعظم أثرها في الدين ويجل ثوابها، ولو لم يتحفظ منه لأطلق كثير من الناس فيه ألسنتهم إلا من أوتى فضلا وعلما ودينا ونظرا في حقائق الأمور ولبوبها دون قشورها. ألا ترى أنهم كانوا إذا طمعوا في بيوت رسول الله ﷺ بقوا مرتكزين في مجالسهم لا يريمون مستأنسين بالحديث، وكان رسول الله ﷺ يؤذيه قعودهم ويضيق صدره حديثهم، والحياء يصده أن يأمرهم بالانتشار، حتى نزلت إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ولو أبرز رسول الله ﷺ مكنون ضميره وأمرهم أن ينتشروا، لشق عليهم، ولكان بعض المقالة، [[قوله «ولكان بعض المقالة» لعله: القالة. (ع)]] فهذا من ذاك القبيل، لأن طموح قلب الإنسان إلى بعض مشتهياته من امرأة أو غيرها غير موصوف بالقبح في العقل ولا في الشرع، لأنه ليس بفعل الإنسان ولا وجوده باختياره، وتناول المباح بالطريق الشرعي ليس بقبيح أيضا، وهو خطبة زينب ونكاحها من غير استنزال زيد عنها، ولا طلب إليه وهو أقرب منه من زرّ قميصه أن يواسيه بمفارقتها، مع قوة العلم بأن نفس زيد لم تكن من التعلق بها في شيء، بل كانت تجفو عنها، ونفس رسول الله ﷺ متعلقة بها، ولم يكن مستنكرا عندهم أن ينزل الرجل عن امرأته لصديقه، ولا مستهجنا إذا نزل عنها أن ينكحها الآخر، فإنّ المهاجرين حين دخلوا المدينة استهم الأنصار بكل شيء، حتى إن الرجل منهم إذا كانت له امرأتان نزل عن إحداهما وأنكحها المهاجر، وإذا كان الأمر مباحا من جميع جهاته ولم يكن فيه وجه من وجوه القبح ولا مفسدة ولا مضرّة بزيد ولا بأحد، بل كان مستجرا مصالح، ناهيك بواحدة منها أن بنت عمة رسول الله ﷺ أمنت الأيمة والضيعة ونالت الشرف وعادت أما من أمّهات المسلمين. إلى ما ذكر الله عز وجل من المصلحة العامّة في قوله لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً فبالحرى أن يعاتب الله رسوله حين كتمه وبالغ في كتمه بقوله أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وأن لا يرضى له إلا اتحاد الضمير والظاهر، والثبات في مواطن الحق، حتى يقتدى به المؤمنون فلا يستحيوا من المكافحة بالحق وإن كان مرا. فإن قلت: الواو في وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ، وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ ما هي؟ قلت: واو الحال، أى: تقول لزيد: أمسك عليك زوجك مخفيا في نفسك إرادة أن لا يمسكها، وتخفى خاشيا قالة الناس وتخشى الناس، حقيقا في ذلك بأن تخشى الله، أو واو العطف، كأنه قيل: وإذ تجمع بين قولك. أمسك، وإخفاء خلافه، وخشية الناس. والله أحق أن تخشاه، حتى لا تفعل مثل ذلك. إذا بلغ البالغ حاجته من شيء له فيه همة قيل: قضى منه وطره. والمعنى: فلما لم يبق لزيد فيها حاجة، وتقاصرت عنها همته، وطابت عنها نفسه، وطلقها، وانقضت عدتها زَوَّجْناكَها وقراءة أهل البيت: زوّجتكها. وقيل لجعفر بن محمد رضى الله عنهما: أليس تقرأ علىّ غير ذلك، فقال: لا والذي لا إله إلا هو، ما قرأتها على أبى إلا كذلك، ولا قرأها الحسن بن علىّ على أبيه إلا كذلك، ولا قرأها على بن أبى طالب على النبي ﷺ إلا كذلك وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا جملة اعتراضية، يعنى: وكان أمر الله الذي يريد أن يكونه، مفعولا مكونا لا محالة، وهو مثل لما أراد كونه من تزويج رسول الله ﷺ زينب، ومن نفى الحرج عن المؤمنين في إجراء [[قوله «ومن نفى الحرج عن المؤمنين في إجراء» لعله في عدم إجراء، ويمكن أن المراد: الحرج الذي يكون في الاجراء والتسوية لو حصل ذلك الاجراء. (ع)]] أزواج المتبنين مجرى أزواج البنين في تحريمهن عليهم بعد انقطاع علائق الزواج بينهم وبينهن. ويجوز أن يراد بأمر الله: المكون، لأنه مفعول بكن، وهو أمر الله.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب