الباحث القرآني

لما كان من شأن المصلى أن ينعطف في ركوعه وسجوده استعير لمن ينعطف على غيره حنوّا عليه وترؤفا. كعائد المريض في انعطافه عليه، والمرأة في حنوّها على ولدها، ثم كثر حتى استعمل في الرحمة والترؤف ومنه قولهم: صلى الله عليك، أى ترحم عليك وترأف. فإن قلت: قوله هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ إن فسرته بيترحم عليكم ويترأف [[قال محمود: «إن جعلت يصلى بمعنى يرحم فما بال عطف الملائكة عليه، فأجاب بأنهم لما كانوا يدعون الله بالرحمة ويستجيب دعاءهم بذلك، جعلوا كأنهم فاعلون الرحمة، كما تقول: حياك الله، بمعنى أحياك، ثم تقول حييته، بمعنى دعوت الله له بالحياة، والمقصد بذلك جعل الحياة محققة له، كأنك قلت: دعوت له بالحياء فاستجيبت الدعوة» قال أحمد: كثيرا ما يفر الزمخشري من اعتقاد إرادة الحقيقة والمجاز معا بلفظ واحد، وقد التزمه هاهنا، ولكن جعل الصلاة من الله حقيقة، ومن الملائكة مجازا، لأنه حملها على الرحمة. وأما غيره فحملها على الدعاء، وجعلها من الملائكة حقيقة، ومن الله مجازا، والله أعلم.]] ، فما تصنع بقوله: وَمَلائِكَتُهُ وما معنى صلاتهم؟ قلت: هي قولهم: اللهم صل على المؤمنين، جعلوا لكونهم مستجابى الدعوة كأنهم فاعلون الرحمة والرأفة. ونظيره قوله: حياك الله، أى أحياك وأبقاك، وحييتك، أى: دعوت لك بأن يحييك الله، لأنك لاتكالك على إجابة دعوتك كأنك تبقيه على الحقيقة، وكذلك: عمرك الله، وعمرتك، وسقاك الله، وسقيتك، وعليه قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ أى ادعوا الله بأن يصلى عليه. والمعنى: هو الذي يترحم عليكم ويترأف: حيث يدعوكم إلى الخير ويأمركم بإكثار الذكر والتوفر على الصلاة والطاعة لِيُخْرِجَكُمْ من ظلمات المعصية إلى نور الطاعة وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً دليل على أنّ المراد بالصلاة الرحمة. ويروى أنه لما نزل قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ قال أبو بكر رضى الله عنه: ما خصك يا رسول الله بشرف إلا وقد أشركنا فيه، فأنزلت تَحِيَّتُهُمْ من إضافة المصدر إلى المفعول، أى: يحيون يوم لقائه بسلام، فيجوز أن يعظمهم الله بسلامه عليهم، كما يفعل بهم سائر أنواع التعظيم، وأن يكون مثلا كاللقاء على ما فسرنا. وقيل: هو سلام ملك الموت والملائكة معه عليهم وبشارتهم بالجنة. وقيل: سلام الملائكة عند الخروج من القبور. وقيل: عند دخول الجنة، كما قال وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ والأجر الكريم: الجنة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب