الباحث القرآني

ثم مثل تصميمهم على الكفر، وأنه لا سبيل إلى ارعوائهم بأن جعلهم كالمغلولين المقمخين: في أنهم لا يلتفتون إلى الحق ولا يعطفون أعناقهم نحوه، ولا يطأطئون رءوسهم له، وكالحاصلين بين سدين لا يبصرون ما قدّامهم ولا ما خلفهم: في أن لا تأمل لهم ولا تبصر، وأنهم متعامون عن النظر في آيات الله. فإن قلت: ما معنى قوله فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ؟ قلت: معناه: فالأغلال واصلة إلى الأذقان ملزوزة إليها، وذلك أن طوق الغل الذي في عنق المغلول، يكون ملتقى طرفيه تحت الذقن حلقة فيها رأس العمود، نادرا [[قوله «رأس العمود نادرا» أى شاذا، كما يفيده الصحاح. (ع)]] من الحلقة إلى الذقن، فلا تخليه يطأطئ رأسه ويوطئ قذاله [[قوله «ويوطئ قذاله» في الصحاح «القذال» : جماع مؤخر الرأس، فتدبر. (ع)]] ، فلا يزال مقمحا. والمقمح: الذي يرفع رأسه ويغض بصره. يقال: قمح البعير فهو قامح: إذا روى فرفع رأسه. ومنه شهرا قماح [[قوله «ومنه شهرا قماح» بوزن كتاب وغراب، كما نقل عن القاموس. وفي الصحاح: سميا بذلك، لأن الإبل إذا وردت فيهما آذاها برد الماء فقامحت. (ع)]] ، لأن الإبل ترفع رءوسها عن الماء لبرده فيهما، وهما الكانونان. ومنه: اقتحمت السويق. فإن قلت: فما قولك فيمن جعل الضمير للأيدى وزعم أن الغل لما كان جامعا لليد والعنق- وبذلك يسمى جامعة- كان ذكر الأعناق دالا على ذكر الأيدى [[قال محمود: فان قلت: فما قولك فيمن جعل الضمير للأيدى وزعم أن الغل لما كان جامعا لليد والعنق وبذلك يسمى جامعة: كان ذكر الأعناق دالا على ذكر الأيدى. وأجاب بأن الوجه هو الأول، واستدل على هذا التفسير الثاني بقوله فَهُمْ مُقْمَحُونَ لأنه جعل الاقماح نتيجة قوله فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ ولو كان الضمير للأيدى لم يكن معنى التسبب في الاقماح ظاهرا، وترك الحق الأبلج للباطل اللجلج. انتهى كلامه» قال أحمد: ويحتمل أن تكون الفاء للتعقيب كالفاء الأولى في قوله فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ أو للتسبب، ولا شك أن ضغط اليد مع العنق في الغل يوجب الاقماح، فان اليد والعياذ بالله تعالى تبقى ممسكة بالغل تحت الذقن دافعة بها ومانعة من وطأتها، ويكون التشبيه أتم على هذا التفسير، فان اليد متى كانت مرسلة مخلاة كان للمغلول بعض الفرج بإطلاقها، ولعله يتحيل بها على فكاك الغل، ولا كذلك إذا كانت مغلولة، فيضاف إلى ما ذكرناه من التشبيهات المفرقة أن يكون انسداد باب الحيل عليهم في الهداية والاتخلاع من ربقة الكفر المقدر عليهم مشبها بغل الأيدى، فان اليد آلة الحيلة إلى الخلاص.]] ؟ قلت: الوجه ما ذكرت لك، والدليل عليه قوله فَهُمْ مُقْمَحُونَ ألا ترى كيف جعل الإقماح نتيجة قوله فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ ولو كان الضمير للايدى لم يكن معنى التسبب في الإقماح ظاهرا على أن هذا الإضمار فيه ضرب من التعسف وترك الظاهر الذي يدعوه المعنى إلى نفسه إلى الباطن الذي يجفو عنه وترك للحق الأبلج إلى الباطل اللجلج [[قوله «إلى الباطل اللجلج» أى الذي يردد من غير أن ينفذ. أفاده الصحاح. (ع)]] . فإن قلت: فقد قرأ ابن عباس رضى الله عنهما في أيديهم وابن مسعود في أيمانهم، فهل تجوّز على هاتين القراءتين أن تجعل الضمير للأيدى أو للايمان؟ قلت: يأبى ذلك وإن ذهب الإضمار المتعسف ظهور كون الضمير للاغلال، وسداد المعنى عليه كما ذكرت. وقرئ: سدا بالفتح والضم. وقيل: ما كان من عمل الناس فبالفتح، وما كان من خلق الله فبالضم فَأَغْشَيْناهُمْ فأغشينا أبصارهم، أى: غطيناها وجعلنا عليها غشاوة عن أن تطمح إلى مرئى، وعن مجاهد: فأغشيناهم: فألبسنا أبصارهم غشاوة. وقرئ بالعين من العشا. وقيل: نزلت في بنى مخزوم، وذلك أن أبا جهل حلف لئن رأى محمدا يصلى ليرضخن رأسه، فأتاه وهو يصلى ومعه حجر ليدمغه به، فلما رفع يده أثبتت إلى عنقه ولزق الحجر بيده حتى فكوه عنها بجهد، فرجع إلى قومه فأخبرهم، فقال مخزومى آخر: أنا أقتله بهذا الحجر، فذهب، فأعمى الله عينيه [[أخرجه ابن إسحاق في السيرة في كلام طويل. ورواه أبو نعيم في الدلائل من طريق ابن إسحاق: حدثني محمد بن محمد بن سعيد، أو عكرمة، عن ابن عباس «أن أبا جهل قال: إنى أعاهد الله لأجلسن غدا لمحمد بحجر ما أطيق حمله فإذا سجد في صلاته فضخت به رأسه. فذكر نحوه إلى قوله قد يبست يداه على حجره، حتى قذف الحجر بين يديه: وأصله في البخاري من طريق عكرمة عن ابن عباس رضى الله عنهما.]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب