الباحث القرآني

أنكروا أن يختص بالشرف من بين أشرافهم ورؤسائهم وينزل عليه الكتاب من بينهم، كما قالوا: لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ وهذا الإنكار ترجمة عما كانت تغلى به صدورهم من الحسد على ما أوتى من شرف النبوّة من بينهم بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ من القرآن، يقولون في أنفسهم: إما وإما. وقولهم إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ كلام مخالف لاعتقادهم فيه يقولونه على سبيل الحسد بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ بعد فإذا ذاقوه زال عنهم ما بهم من الشك والحسد [[قال محمود: «معناه لم يذوقوه بعد، فإذا ذاقوه زال عنهم ما بهم ... الخ» قلت: ويؤخذ منه أن لما لائقة بالجواب، وإنما ينفى بها فعل يتوقع وجوده، كما يقول سيبويه، وفرق بينها وبين لم بأن لم نفى لفعل يتوقع وجوده لم يقبل مثبته قد، ولما نفى لما يتوقع وجوده أدخل على مثبته قد، وإنما ذكرت ذلك لأنى حديث عهد بالبحث في قوله عليه الصلاة والسلام «الشفعة فيما لم يقسم» فانى استدللت به على أن الشفعة خاصة بما يقبل القسمة، فقيل لي: إن غايته أنه أثبت الشفعة فيما نفى عنه القسمة، فاما أنها لا تقبل قسمة، وإما أنها تقبل ولم تقع القسمة، فأبطلت ذلك بأن آلة النفي المذكورة «لم» ومقتضاها قبول المحل الفعل المنفي وتوقع وجوده. ألا تراك تقول: الحجر لا يتكلم» ولو قلت: الحجر لم يتكلم، لكان ركيكا من القول، لافهامه قبوله للكلام،]] حينئذ، يعنى: أنهم لا يصدقون به إلا أن يمسهم العذاب مضطرين إلى تصديقه أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ يعنى ما هم بما لكي خزائن الرحمة حتى يصيبوا بها من شاءوا ويصرفوها عمن شاءوا، ويتخيروا للنبوّة بعض صناديدهم، ويترفعوا بها عن محمد عليه الصلاة والسلام. وإنما الذي يملك الرحمة وخزائنها: العزيز القاهر على خلقه، الوهاب الكثير المواهب المصيب بها مواقعها، الذي يقسمها على ما تقتضيه حكمته وعدله، كما قال أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا ثم رشح هذا المعنى فقال أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ حتى يتكلموا في الأمور الربانية والتدابير الإلهية التي يختص بها رب العزة والكبرياء، ثم تهكم بهم غاية التهكم فقال: وإن كانوا يصلحون لتدبير الخلائق والتصرف في قسمة الرحمة، وكانت عندهم الحكمة التي يميزون بها بين من هو حقيق بإيتاء النبوّة دون من لا تحق له فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ فليصعدوا في المعارج والطرق التي يتوصل بها إلى العرش، حتى يستووا عليه ويدبروا أمر العالم وملكوت الله، وينزلوا الوحى إلى من يختارون ويستصوبون، ثم خسأهم خساءة [[قوله «ثم خسأهم خسأة» في الصحاح: خسأت الكلب خسأ: طردته. وخسأ بنفسه يتعدى ولا يتعدى. (ع)]] عن ذلك بقوله جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ يريد ما هم إلا جيش من الكفار المتحزبين على رسل الله، مهزوم مكسور عما قريب [[قال محمود: «ثم تهكم بهم غاية التهكم فقال: إن كانوا يصلحون لتدبير الخلائق والتصرف في قسمة الرحمة فكانت عندهم المعرفة التي يميزون بها بين من هو حقيق بإيتاء النبوة دون من لا يستحق، فليرتقوا في المعارج والطرق الموصلة إلى العرش حتى يستووا عليه ويدبروا أمر العالم وملكوت الله تعالى، وينزلوا الوحى على من يختارونه. قال: ثم خسأهم بقوله جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ معناه: إن هؤلاء إلا جند متحزبون على النبي ﷺ عما قليل يهزمون ويولون الأدبار» قال أحمد: الاستواء المنسوب لله: ليس مما يتوصل إليه بالصعود في المعارج والوصول إلى العرش والاستقرار عليه والتمكن فوقه، لأن الاستواء المنسوب إلى الله تعالى ليس استواء استقرار بجسم- تعالى الله عن ذلك- وإنما هو صفة فعل، أى فعل فيه فعلا سماء استواء، هذا تأويل القاضي أبى بكر. وليست عبارة الزمخشري في هذا الفصل مطابقة للمفصل على جارى عاداته في تحرير العبارة على مراده.]] فلا تبال بما يقولون، ولا تكترث لما به يهذون. وما مزيدة، وفيها معنى الاستعظام، كما في قول امرئ القيس: وحديث ما على قصره [[جد بالوفاق لمشتاق إلى سهره ... إن لم تجد فحديث ما على قصره المراد بالوفاق: الوصال. وضمير «سهره» للمشتاق أو للوفاق. وحديث: مبتدأ خبره محذوف، أى: تجود به. وما زائدة التعميم. ويجوز أنها للتعظيم. لكن الأول أوفق بالمقام. وعلى بمعنى مع، وضمير «قصره» : للحديث.]] إلا أنه على سبيل الهزء، وهُنالِكَ إشارة إلى حيث وضعوا فيه أنفسهم من الانتداب لمثل ذلك القول العظيم، من قولهم لمن ينتدب لأمر ليس من أهله: لست هنالك.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب