الباحث القرآني

يَشْرُونَ بمعنى يشترون ويبيعون قال ابن مفرغ: وَشَرَيْتُ بُرْداً لَيْتَنِى ... مِنْ بَعْدِ بُرْدٍ كُنْتُ هَامَهْ [[وشربت برداً ليتني ... من بعد برد كنت هامه يا هامة تدعو صدى ... بين المشرق فاليمامه لابن مفرغ. باع غلامه بردا عند انصرافه من سجستان إلى البصرة، فندم على ذلك ودعا على نفسه بالقتل. ويقال: اشتراه إذا أخذه ودفع ثمنه. وشراه إذا دفعه وأخذ ثمنه. وكانت العرب تزعم أن عظام رأس القتيل تصير هامة، أى بومة تزقو وتصيح: أدركونى، أدركونى حتى يؤخذ بثأره. والصدى: ذكر البوم. والمشرق- كمعظم- واليمامة: موضعان بعينهما بينهما مفازة. فقوله «كنت هامه» كناية عن أن يكون قتيلا. ويا للتنبيه أو للنداء. والمنادى محذوف وهامة بيان أو بدل من هامة الأولى، وغايرتها بانضمام الصفة إليها وهي قوله «تدعو صدى» أى تصيح على ذكرها. وهذا من المبالغة في الاشارة واللطف في العبارة، حيث ضرب عن جانب المعنى المراد صفحا، حتى كأنه يتكلم في هامة حقيقية تزقو على ذكرها، بل أنها هامة تطير وتصيح مع الهامات في المفاوز، وبعد هذا فالكلام مجاز عن شدة تحسره وتحزنه وندمه على ما فعل.]] فالذين يشترون الحياة الدنيا بالآخرة هم المبطئون، وعظوا بأن يغيروا ما بهم من النفاق ويخلصوا الإيمان باللَّه ورسوله، ويجاهدوا في سبيل اللَّه حق الجهاد، والذين يبيعون هم المؤمنون الذين يستحبون الآجلة على العاجلة ويستبدلونها بها، والمعنى: إن صدّ الذين مرضت قلوبهم وضعفت نياتهم عن القتال فليقاتل الثابتون المخلصون ووعد المقاتل في سبيل اللَّه ظافراً أو مظفوراً به إيتاء الأجر العظيم على اجتهاده في إعزاز دين اللَّه وَالْمُسْتَضْعَفِينَ فيه وجهان أن يكون مجروراً عطفا على سبيل اللَّه أى في سبيل اللَّه وفي خلاص المستضعفين، ومنصوبا [[قال محمود: «يجوز أن يكون المستضعفين مجروراً- إلى قوله- ومنصوبا ... الخ» قال أحمد: وفيه على هذا مبالغة في الحث على خلاصهم من جهتين: إحداهما- التخصيص بعد التعميم فانه يقتضى إضمار الناصب الذي هو اختص، ولولا النصب لكان التخصيص معلوما من إفراده بالذكر، ولكن أكد هذا المعلوم بطريق اللزوم بأن أخرجه إلى النطق.]] على اختصاص يعنى واختص من سبيل اللَّه خلاص المستضعفين لأنّ سبيل اللَّه عام في كل خير، وخلاص المستضعفين من المسلمين من أيدى الكفار من أعظم الخير وأخصه والمستضعفون هم الذين أسلموا بمكة وصدّهم المشركون عن الهجرة فبقوا بين أظهرهم مستذلين مستضعفين يلقون منهم الأذى الشديد، وكانوا يدعون اللَّه بالخلاص ويستنصرونه فيسر اللَّه لبعضهم الخروج إلى المدينة، وبقي بعضهم إلى الفتح حتى جعل اللَّه لهم من لدنه خير ولى وناصر وهو محمد صلى اللَّه عليه وسلم فتولاهم أحسن التولي ونصرهم أقوى النصر، ولما خرج استعمل على أهل مكة عتاب بن أسيد فرأوا منه الولاية والنصرة كما أرادوا، قال ابن عباس: كان ينصر الضعيف من القوى حتى كانوا أعز بها من الظلمة. فإن قلت: لم ذكر الولدان؟ قلت: تسجيلا بإفراط ظلمهم، حيث بلغ أذاهم الولدان غير المكلفين، إرغاما لآبائهم وأمهاتهم ومبغضة لهم لمكانهم، ولأن المستضعفين كانوا يشركون صبيانهم في دعائهم استنزالا لرحمة اللَّه بدعاء صغارهم الذين لم يذنبوا، كما فعل قوم يونس وكما وردت السنة بإخراجهم في الاستسقاء، وعن ابن عباس: كنت أنا وأمى من المستضعفين من النساء والولدان، ويجوز أن يراد بالرجال والنساء الأحرار والحرائر، وبالولدان العبيد والإماء، لأنّ العبد والأمة يقال لهما الوليد والوليدة، وقيل للولدان والولائد «الولدان» لتغليب الذكور على الإناث كما يقال الآباء والإخوة. فإن قلت: لم ذكر الظالم وموصوفه مؤنث [[قال محمود: «إن قلت لم ذكر الظالم وموصوفه مؤنث ... الخ» ؟ قال أحمد: ووقفت على نكتة في هذه الآية حسنة، وهي أن كل قرية ذكرت في الكتاب العزيز فالظلم إليها ينسب بطريق المجاز كقوله: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً) إلى قوله: (فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ) وقوله: (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها) وأما هذه القرية في سورة النساء فينسب الظلم إلى أهلها على الحقيقة، لأن المراد بها مكة فوقرت عن نسبة الظلم إليها تشريفاً لها شرفها اللَّه تعالى.]] ؟ قلت: هو وصف للقرية إلا أنه مسند إلى أهلها، فأعطى إعراب القرية لأنه صفتها، وذكر لإسناده إلى الأهل كما تقول من هذه القرية التي ظلم أهلها، ولو أنث فقيل: الظالمة أهلها، لجاز لا لتأنيث الموصوف، ولكن لأن الأهل يذكر ويؤنث. فإن قلت: هل يجوز من هذه القرية الظالمين أهلها؟ قلت: نعم، كما تقول: التي ظلموا أهلها، على لغة من يقول أكلونى البراغيث، ومنه (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) . رغب اللَّه المؤمنين ترغيبا وشجعهم تشجيعا بإخبارهم أنهم إنما يقاتلون في سبيل اللَّه. فهو وليهم وناصرهم، وأعداؤهم يقاتلون في سبيل الشيطان فلا ولىّ لهم إلا الشيطان، وكيد الشيطان للمؤمنين إلى جنب كيد اللَّه للكافرين أضعف شيء وأوهنه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب