الباحث القرآني

هم ناس من ضعفة المسلمين [[قال محمود: «هم ناس من ضعفة المسلمين الذين لم تكن فيهم خبرة بالأحوال ... الخ» قال أحمد: وفي اجتماع الهمزة والباء على التعدية نظر، لأنهما متعاقبتان وهو الذي اقتضى عند الزمخشري قوله في الوجه الثاني: فعلوا الاذاعة ليخرجها عن الباء المعاقبة للهمزة، ثم في هذه الآية تأديب لمن يحدث بكل ما يسمع، وكفى به كذباً، وخصوصا عن مثل السرايا والمناصبين الأعداء والمقيمين في نحر العدو، وما أعظم المفسدة في لهج العامة بكل ما يسمعون من أخبارهم، خيراً أو غيره. ولقد جربنا ذلك في زماننا هذا منذ طرق العدو المخذول البلاد- طهرها اللَّه من دنسه، وصانها عن رجسه ونجسه، وعجل للمسلمين الفتح وأنزل عليهم السكينة والنصر.]] الذين لم تكن فيهم خبرة بالأحوال ولا استبطان للأمور. كانوا إذا بلغهم خبر عن سرايا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من أمن وسلامة أو خوف وخلل أَذاعُوا بِهِ وكانت إذاعتهم مفسدة، ولو ردوا ذلك الخبر إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وإلى أولى الأمر منهم- وهم كبراء الصحابة البصراء بالأمور أو الذين كانوا يؤمرون منهم- لَعَلِمَهُ لعلم تدبير ما أخبروا به الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ الذين يستخرجون تدبيره بفطنهم وتجاربهم ومعرفتهم بأمور الحرب ومكايدها. وقيل: كانوا يقفون من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأولى الأمر على أمن ووثوق بالظهور على بعض الأعداء، أو على خوف واستشعار، فيذيعونه فينتشر فيبلغ الأعداء، فتعود إذاعتهم مفسدة. ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر وفوّضوه إليهم وكانوا كأن لم يسمعوا، لعلم الذين يستنبطون تدبيره كيف يدبرونه وما يأتون ويذرون فيه. وقيل: كانوا يسمعون من أفواه المنافقين شيئاً من الخبر عن السرايا مظنونا غير معلوم الصحة فيذيعونه، فيعود ذلك وبالأعلى المؤمنين. ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر وقالوا نسكت حتى نسمعه منهم ونعلم هل هو مما يذاع أو لا يذاع، لعلمه الذين يستنبطونه منهم، لعلم صحته وهل هو مما يذاع أو لا يذاع هؤلاء المذيعون، وهم الذين يستنبطونه من الرسول وأولى الأمر، أى يتلقونه منهم ويستخرجون علمه من جهتهم. يقال: أذاع السر، وأذاع به. قال: أَذَاعَ بِهِ فِى النَّاسِ حتَّى كَأَنَّهُ ... بِعَلْيَاءَ نَارٌ أُوقِدَتْ بِثَقُوب [[أمنت على السر امرءاً غير حازم ... ولكنه في النصح غير مريب أذاع به في الناس حتى كأنه ... بعلياء نار أوقدت بثقوب لأبى الأسود الدؤلي. والحازم: السديد الرأى. ويقال: أذاعه إذا أفشاه وأظهره، ويضمن معنى التحدث أيضاً فيقال: أذاع به أى تحدث به فأظهره. والعلياء: الأرض المرتفعة. والثقوب: آلة تثقب بها النار فتشتعل. يقول: وضعت السر عند من لا يصونه، وغرني صدق نصحه فأفشاه بين الناس. حتى كأنه نار في أكمة عالية أشعلت بالثقوب، فتكون أشد ظهوراً.]] ويجوز أن يكون المعنى فعلوا به الإذاعة، وهو أبلغ من أذاعوه. وقرئ (لَعَلِمَهُ) بإسكان اللام كقوله: فَإنْ أَهْجُهُ يَضجَرْ كَمَا ضَجْرَ بَازِلٌ ... مِنَ الْأُدْمِ دَبْرَتْ صَفْحَتَاهُ وَغَارِبُهْ [[ضجر البعير: كثر رغاؤه من ثقل الحمل. والبازل البعير الذي انشق نابه، وذلك في السنة الثامنة أو التاسعة. والأدم: الشديدات البياض: جمع آدم أى شديد البياض، وربما علته صفرة، وزان حمر وأحمر، خصها لرقة جلودها. والدبر: الانجراح والانتقاب من الرحل. والغارب: العظم الناشز في الظهر. وضجر، ودبر: فعلان ماضيان من باب تعب، سكن وسطهما تخفيفا. يقول: إن أذمه يتضجر كتضجر ذلك البعير من حمله.]] والنبط: الماء يخرج من البئر أول ما تحفر، وإنباطه واستنباطه: إخراجه واستخراجه، فاستعير لما يستخرجه الرجل بفضل ذهنه من المعاني والتدابير فيما يعضل ويهم وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وهو إرسال الرسول، وإنزال الكتاب [[عاد كلامه. قال: «ومعنى ولولا فضل اللَّه عليكم ورحمته: ولولا إرسال الرسول وإنزال الكتاب ... الخ» قال أحمد: وفي تفسير الزمخشري هذا نظر، وذلك أنه جعل الاستثناء من الجملة التي وليها بناء على ظاهر الاعراب» وأغفل المعنى، وذلك أنه يلزم على ذلك جواز أن ينتفل الإنسان من الكفر إلى الايمان، ومن اتباع الشيطان إلى عصيانه وخزيه، وليس للَّه عليه في ذلك فضل. ومعاذ اللَّه أن يعتقد ذلك. وبيان لزومه أن لولا حرف امتناع لوجود، وقد أبانت امتناع اتباع المؤمنين للشيطان، فإذا جعلت الاستثناء من الجملة الأخيرة، فقد سلبت تأثير فضل اللَّه في امتناع الاتباع عن البعض المستثنى ضرورة، وجعلت هؤلاء المستثنين مستبدين بالايمان وعصيان الشيطان الداعي إلى الكفر، بأنفسهم لا بفضل اللَّه. ألا تراك إذا قلت لمن تذكره بحقك عليك: لولا مساعدتى لك لسلبت أموالك إلا قليلا، كيف لم تجعل لمساعدتك أثراً في بقاء القليل للمخاطب، وإنما مننت عليه بتأثير مساعدتك في بقاء أكثر ماله لا في كله. ومن المحال أن يعتقد موحد مسلم أنه عصم في شيء من الأشياء من اتباع الشيطان إلا بفضل اللَّه تعالى عليه. أما قواعد أهل السنة فواضح أن كل ما يعد به العبد عاصيا للشيطان من إيمان وعمل خير، مخلوق للَّه تعالى، وواقع بقدرته، ومنعم على العبد به. وأما المعتزلة فهم وإن ظنوا أن العبد يخلق لنفسه إيمانه وطاعته إلا أنهم لا يخالفون في أن فضل اللَّه منسحب عليه في ذلك، لأنه خلق له القدرة التي بها خلق العبد ذلك على زعمهم ووفقه لارادة الخير، فقد وضح لك تعذر الاستثناء من الجملة الأخيرة على تفسير الزمخشري، وما أراه إلا واهما مسترسلا على المألوف في الاعراب، وهو إعادة الاستثناء إلى ما يليه من الجمل، مهملا للنظر في المعنى. ومن ثم اتخذ القاضي أبو بكر رضى اللَّه عنه الاستثناء في هذه الآية إلى ما قبل الجملة الأخيرة فطنة منه ويقظة، ولأنه إمام مؤيد في نظره مسود في فكره، ثم اتخذ القاضي رضى اللَّه عنه هذه الآية وزره في الرد على من زعم الجزم بعود الاستثناء المتعقب للجمل إلى الأخيرة، ظنا منه أن ذلك واجب لا يسوغ سواه. ثم يقف في عوده إلى ما تقدم خاصة. وقد بينت عند قوله تعالى: (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) أن الاستثناء في هذه الآية أيضاً يتعين عوده إلى الأولى، ويتعذر رده إلى الأخيرة، لأن المعنى يأباه، وهي مؤازرة للقاضي في الرد على من حتم عود الاستثناء إلى الأخيرة، واللَّه الموفق.]] ، والتوفيق لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ لبقيتم على الكفر إِلَّا قَلِيلًا منكم. أو إلا اتباعا قليلا، لما ذكر في الآي قبلها تثبطهم عن القتال، وإظهارهم الطاعة وإضمارهم خلافها. قال: فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إن أفردوك وتركوك وحدك لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ غير نفسك وحدها أن تقدّمها إلى الجهاد، فإنّ اللَّه هو ناصرك لا الجنود، فإن شاء نصرك وحدك كما ينصرك وحولك الألوف. وقيل: دعا الناس في بدر الصغرى إلى الخروج، وكان أبو سفيان واعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اللقاء فيها، فكره بعض الناس أن يخرجوا فنزلت، فخرج وما معه إلا سبعون لم يلو على أحد، ولو لم يتبعه أحد لخرج وحده، وقرئ (لا تكلف) بالجزم على النهى. ولا نكلف: بالنون وكسر اللام، أى لا نكلف نحن إلا نفسك وحدها وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ وما عليك في شأنهم إلا التحريض فحسب، لا التعنيف بهم عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وهم قريش، وقد كف بأسهم فقد بدا لأبى سفيان وقال: هذا عام مجدب، وما كان معهم زاد إلا السويق، ولا يلقون إلا في عام مخصب فرجع بهم وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً من قريش وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا تعذيبا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب