الباحث القرآني

في السؤال معنى القول، فلذلك وقع بعده ماذا أُحِلَّ لَهُمْ كأنه قيل: يقولون لك ماذا أحلّ لهم. وإنما لم يقل: ماذا أحلّ لنا، حكاية لما قالوه لأنّ يسألونك بلفظ الغيبة، كما تقول أقسم زيد ليفعلنّ. ولو قيل: لأفعلنّ وأُحِلَّ لنا، لكان صوابا. و «ماذا» مبتدأ، و (أُحِلَّ لَهُمْ) خبره كقولك: أى شيء أحل لهم؟ ومعناه: ماذا أحل لهم من المطاعم كأنهم حين تلا عليهم ما حرّم عليهم من خبيثات المآكل سألوا عما أحلّ لهم منها، فقيل: أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ أى ما ليس بخبيث منها، وهو كل ما لم يأت تحريمه في كتاب أو سنة أو قياس مجتهد. وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ عطف على الطيبات [[قال محمود رحمه اللَّه تعالى: «وما علمتم عطفاً على الطيبات ... الخ» قال أحمد رحمه اللَّه تعالى: ولقد أحسن في التنبيه على هذا السر الخفي غير أن الحال بأصالتها منتقلة غير لازمة ومقتضى هذا التقرير جعلها من الصفات اللازمة لمعلم الجوارح الثابتة له.]] أى أحل لكم الطيبات وصيد ما علمتم فحذف المضاف. أو تجعل (ما) شرطية، وجوابها (فَكُلُوا) والجوارح: الكواسب من سباع البهائم والطير، كالكلب والفهد والنمر والعقاب والصقر والبازي والشاهين. والمكلب: مؤدّب الجوارح ومضريها بالصيد لصاحبها، ورائضها لذلك بما علم من الحيل وطرق التأديب والتثقيف، واشتقاقه من الكلب، لأن التأديب أكثر ما يكون في الكلاب فاشتقّ من لفظه لكثرته من جنسه. أو لأن السبع يسمى كلباً. ومنه قوله عليه السلام «اللهم سلط عليه كلباً من كلابك [[هو طرف من حديث أخرجه الحاكم. وسيأتى بتمامه في سورة النجم.]] » فأكله الأسد. أو من الكلب الذي هو بمعنى الضراوة. يقال: هو كلب بكذا، إذا كان ضاريا به. وانتصاب مُكَلِّبِينَ على الحال من علمتم. فإن قلت. ما فائدة هذه الحال وقد استغنى عنها بعلمتم؟ قلت: فائدتها أن يكون من يعلم الجوارح نحريراً في علمه مدرّبا فيه، موصوفا بالتكليب. وتُعَلِّمُونَهُنَّ حال ثانية أو استئناف. وفيه فائدة جليلة [[عاد كلامه قال: «وفي قوله تعلمونهن مما علمكم اللَّه فائدة جليلة ... الخ» قال أحمد: وفي الآية دليل على أن البهائم لها علم لأن تعليمها معناه لغة تحصيل العلم لها بطرقه خلافا لمنكري ذلك.]] وهي أن على كلّ آخذ علماً أن لا يأخذه إلا من أقتل أهله علماً وأنحرهم دراية وأغوصهم على لطائفه وحقائقه، وإن احتاج إلى أن يضرب إليه أكباد الإبل. فكم من آخذ عن غيره متقن، قد ضيع أيامه وعضّ عند لقاء النحارير أنامله مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ من علم التكليب، لأنه إلهام من اللَّه ومكتسب بالعقل. أو مما عرفكم أن تعلموه من اتباع الصيد بإرسال صاحبه، وانزجاره بزجره. وانصرافه بدعائه، وإمساك الصيد عليه وأن لا يأكل منه. وقرئ (مُكَلِّبِينَ) بالتخفيف. وأفعل وفعل يشتركان كثيراً. والإمساك على صاحبه أن لا يأكل منه، لقوله عليه السلام لعديّ بن حاتم «وإن أكل منه فلا تأكل إنما أمسك على نفسه» [[متفق عليه من حديث عدى بن حاتم.]] وعن على رضى اللَّه عنه: إذا أكل البازي فلا تأكل [[لم أجده.]] . وفرق العلماء، فاشترطوا في سباع البهائم ترك الأكل لأنها تؤدّب بالضرب، ولم يشترطوه في سباع الطير. ومنهم من لم يعتبر ترك الأكل أصلا ولم يفرق بين إمساك الكل والبعض. وعن سلمان، وسعد بن أبى وقاص، وأبى هريرة رضى اللَّه عنهم: إذا أكل الكلب ثلثيه وبقي ثلثه وذكرت اسم اللَّه عليه فكل [[حديث سلمان أخرجه ابن أبى شيبة وعبد الرزاق من طريق قتادة عن سعيد بن المسيب عن سلمان في الكلب يرسل على الصيد إن أكل ثلثيه فكل الثلث الباقي. وحديث أبى هريرة كذلك رواه ابن أبى شيبة من طريق الشعبي عنه قال «إذا أرسلت كلبك فأكله فكل وإن أكل ثلثه» وحديث سعد ابن أبى وقاص كذلك أخرجه ابن أبى شيبة من رواية بكر بن الأشج عن حميد بن مالك عن سعد في الصيد يرسل عليه الكلب قال: كله وإن لم يبق منه إلا بضعة منه.]] . فإن قلت: إلام رجع الضمير في قوله وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ؟ قلت. إما أن يرجع إلى ما أمسكن على معنى وسموا عليه إذا أدركتم ذكاته، أو إلى ما علمتم من الجوارح. أى سموا عليه عند إرساله.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب