الباحث القرآني

لِلسُّحْتِ كل ما لا يحل كسبه، وهو من- سحته- إذا استأصله لأنه مسحوت البركة كما قال تعالى: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا) والربا باب منه. وقرئ (لِلسُّحْتِ) بالتخفيف والتثقيل. والسحت بفتح السين على لفظ المصدر من سحته. والسحت، بفتحتين. والسحت، بكسر السين. وكانوا يأخذون الرشا على الأحكام وتحليل الحرام. وعن الحسن: كان الحاكم في بنى إسرائيل إذا أتاه أحدهم برشوة جعلها في كمه فأراها إياه وتكلم بحاجته فيسمع منه ولا ينظر إلى خصمه، فيأكل الرشوة ويسمع الكذب. وحكى أن عاملا قدم من عمله فجاءه قومه، فقدم إليهم العراضة [[قوله «فقدم إليهم العراضة» في الصحاح: العراضة- بالضم-: ما يعرض المائر، أى يطعمه من الميرة. ويقال: اشتر عراضة لأهلك، أى هدية وشيأ تحمله إليهم. (ع)]] وجعل يحدّثهم بما جرى له في عمله، فقال أعرابى من القوم: نحن كما قال اللَّه تعالى: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) وعن النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «كل لحم أنبته السحت فالنار أولى [[أخرجه الحاكم من رواية زيد بن أرقم عن أبى بكر الصديق رضى اللَّه عنه: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول «من نبت لحمه من السحت فالنار أولى به» وأخرجه ابن عدى في ترجمة عبد الواحد بن زمعة وضعف به وفي الباب عن معمر عند الطبراني وابن عدى في أثناء حديث وفيه يزيد بن عبد الملك النوفلي. وهو ضعيف. وعن حذيفة أخرجه إسحاق بن راهويه من طريق كردوس قال «خطب حذيفة بالمدائن- فذكر الخطبة. وفيها الحديث، بلفظ «ليس لحم ينبت من سحت فيدخل الجنة» وأخرجه الطبراني في الأوسط من رواية أيوب بن سويد عن الثوري عن عبد الملك بن عمير عن ربعي عن حذيفة بلفظ «لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت، النار أولى به» قال أبو حاتم في العلل: أخطأ أيوب بن سويد فيه. والصواب موقوف. وعن ابن عمر أخرجه الطبراني والحارثي في الغريب. وابن مردويه في الغريب من طريق عمر بن حمزة عنه. ورجاله ثقات إلا أن عمر لم يسمع من ابن عمر. وعن ابن عباس أخرجه الطبراني والبيهقي من وجهين ضعيفين. وروى الترمذي من حديث كعب بن عجرة في حديث طويل في آخره «يا كعب بن عجرة، إنه لا يربو لحم نبت من سحت إلا وكانت النار أولى به، وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وسألت محمدا عنه فاستغربه. وقال أبو يعلى من وجه آخر عن كعب بن عجرة، وله شاهد فيه ابن حبان من رواية عبد اللَّه بن خيثمة عن عبد الرحمن بن سابط عن جابر بن عبد اللَّه «أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: يا كعب بن عجرة- فذكر مثله سواء» وأخرجه أحمد وإسحاق والبزار وأبو يعلى والحاكم من هذا الوجه، وأخرجه الحاكم من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة. فذكر مثل حديث كعب بن عجرة «أنه صلى اللَّه عليه وسلم خاطب به عبد الرحمن» وسعيد بن بشير ضعيف.]] به» قيل: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مخيراً- إذا تحاكم إليه أهل الكتاب- بين أن يحكم بينهم وبين أن لا يحكم. وعن عطاء والنخعي والشعبي: أنهم إذا ارتفعوا إلى حكام المسلمين، فإن شاءوا حكموا وإن شاءوا أعرضوا. وقيل: هو منسوخ بقوله: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ) وعند أبى حنيفة رحمه اللَّه: إن احتكموا إلينا حملوا على حكم الإسلام، وإن زنى منهم رجل بمسلمة أو سرق من مسلم شيئا أقيم عليه الحدّ. وأما أهل الحجاز فإنهم لا يرون إقامة الحدود عليهم، يذهبون إلى أنهم قد صولحوا على شركهم وهو أعظم الحدود. ويقولون: إنّ النبي صلى اللَّه عليه وسلم رجم اليهوديين قبل نزول الجزية فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً لأنهم كانوا لا يتحاكمون إليه إلا لطلب الأيسر والأهون عليهم، كالجلد مكان الرجم. فإذا أعرض عنهم وأبى الحكومة لهم، شق عليهم وتكرهوا إعراضه عنهم وكانوا خلقاء بأن يعادوه ويضاروه، فأمن اللَّه سربه بِالْقِسْطِ بالعدل والاحتياط كما حكم بالرجم وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ تعجيب من تحكيمهم لمن لا يؤمنون به وبكتابه، مع أن الحكم منصوص في كتابهم الذي يدّعون الإيمان به ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ ثم يعرضون من بعد تحكيمك عن حكمك الموافق لما في كتابهم لا يرضون به وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ بكتابهم كما يدّعون. أو وما أولئك بالكاملين في الإيمان على سبيل التهكم بهم. فإن قلت: فِيها حُكْمُ اللَّهِ ما موضعه من الإعراب؟ قلت: إمّا أن ينتصب حالا من التوراة وهي مبتدأ خبره عندهم وإما أن يرتفع خبرا عنها كقولك: وعندهم التوراة ناطقة بحكم اللَّه وإمّا أن لا يكون له محل وتكون جملة مبينة، لأنّ عندهم ما يغنيهم عن التحكيم، كما تقول: عندك زيد ينصحك ويشير عليك بالصواب، فما تصنع بغيره؟ فإن قلت: لم أنثت التوراة؟ قلت: لكونها نظيرة لموماة ودوداة ونحوها في كلام العرب. فإن قلت: علام عطف ثم يتولون؟ قلت: على يحكمونك.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب