الباحث القرآني

الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ يريد: الماء العذب الصالح للشرب. والْمُزْنِ السحاب: الواحدة مزنة. وقيل: هو السحاب الأبيض خاصة، وهو أعذب ماء أُجاجاً ملحا زعاقا [[قوله «ملحا زعاقا» في الصحاح «الماء الزعاق» : الملح. وطعام مزعوق: إذا كثر ملحه. (ع)]] لا يقدر على شربه. فإن قلت: لم أدخلت اللام على جواب لَوْ في قوله لَجَعَلْناهُ حُطاماً ونزعت منه هاهنا؟ قلت: إنّ «لو» لما كانت داخلة على جملتين معلقة ثانيتهما بالأولى تعلق الجزاء بالشرط، ولم تكن مخلصة للشرط كإن ولا عاملة مثلها، وإنما سرى فيها معنى الشرط اتفاقا من حيث إفادتها في مضمونى جملتيها أنّ الثاني امتنع لامتناع الأوّل: افتقرت في جوابها إلى ما ينصب علما على هذا التعلق، فزيدت هذه اللام لتكون علما على ذلك، فإذا حذفت بعد ما صارت علما مشهورا مكانه، فلأن الشيء إذا علم وشهر موقعه وصار مألوفا ومأنوسا به: لم يبال بإسقاطه عن اللفظ، استغناء بمعرفة السامع. ألا ترى إلى ما يحكى عن رؤبة أنه كان يقول: خير، لمن قال له: كيف أصبحت؟ فحذف الجار لعلم كل أحد بمكانه. وتساوى حالى حذفه وإثباته لشهرة أمره. وناهيك بقول أوس: حتى إذا الكلّاب قال لها ... كاليوم مطلوبا ولا طلبا [[تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الثاني صفحة 288 فراجعه إن شئت اه مصححه.]] وحذفه «لم أر» فإذن حذفها اختصار لفظي وهي ثابتة في المعنى، فاستوى الموضعان بلا فرق بينهما، على أن تقدّم ذكرها والمسافة قصيرة مغن عن ذكرها ثانية ونائب عنه. ويجوز أن يقال: إنّ هذه اللام مفيدة معنى التوكيد لا محالة، فأدخلت في آية المطعوم دون آية المشروب، للدلالة على أن أمر المطعوم مقدّم على أمر المشروب، وأن الوعيد بفقده أشد وأصعب، من قبل أن المشروب إنما يحتاج إليه تبعا للمطعوم. ألا ترى أنك إنما تسقى ضيفك بعد أن تطعمه، ولو عكست قعدت تحت قول أبى العلاء: إذا سقيت ضيوف النّاس محضا ... سقوا أضيافهم شبما زلالا [[لأبى العلاء يمدح سعد الدولة أبا الفضائل، وعيب عليه حيث مدح بسقى الضيوف الماء قبل ذكر الطعام. والمخض- بمعجمتين-: اللبن المنزوع زبده، فهو بمعنى الممخوض. ويروى: محضا، بالحاء المهملة، أى: خالصا حلوا أو حامضا. والشبم- كحذر-: البارد. والزلال: العقب. هذا وحيث جعل علماء البلاغة للمقام مدخلا في الدلالة على المراد فنقول: إن معنى البيت: إذا عجلت الناس اللبن لأضيافهم واكتفوا به عن الاسراع بالطعام: عجلوا هم بالطعام لضيوفهم لاستعدادهم للضيفان، فيحتاجون لشرب الماء، فيسقونهم ماء قبل إطعام غيرهم الضيفان، فسقيهم الماء يفيد تعجيل الطعام قبله بمعونة المقام، لأنه يلزمه عادة فلا عيب فيه.]] وسقى بعض العرب فقال: أنا لا أشرب إلا على ثميلة، ولهذا قدّمت آية المطعوم على آية المشروب.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب