الباحث القرآني

الْإِصْباحِ مصدر سمى به الصبح. وقرأ الحسن بفتح الهمزة جمع صبح وأنشد قوله: أفنى رباحا وبنى رباح ... تناسخ الإمساء والإصباح [[«رباح» أبو حى من ير نوع، ثم صار اسما للحي. وروى بالتحتية بدل الموحدة. والإمساء والإصباح: يرويان بكسر الهمزة على أنهما مصدران، وبفتحهما جمع مساء وصباح. وظلام الليل ينسخ نور النهار ويزيله وبالعكس. وإسناد الافناء إلى التناسخ مجاز عقلى، من باب الاسناد الزمان، أو هو على اعتقاد الجاهلية فيكون حقيقة عندهم.]] بالكسر والفتح مصدرين، وجمع مساء وصبح. فإن قلت: فما معنى فلق الصبح، والظلمة [[عاد كلامه. قال: «فان قلت ما معنى فلق الصبح والظلمة وهي التي تنفلق ... الخ» ؟ قال أحمد: وقيل الخالق والفالق بمعنى، فيكون المراد خالق الإصباح. والأظهر ما فسره عليه المصنف، والله أعلم.]] هي التي تنفلق عن الصبح، كما قال: تردّت به ثمّ انفرى عن أديمها ... تفرّى ليل عن بياض نهار [[كأن بقايا ما عفا من حبابها ... تفاريق شيب في سواد عذار تردت به ثم انفرى عن أديمها ... تفرى ليل عن بياض نهار لأبى نواس يصف الخمرة. يقول: كأن بقايا الذي هلك وذهب من فقاقعها شيب أبيض متفرق في عذار أسود، لأن كلا منهما أبيض منتشر فيما يخالف لونه، ولا يلزم من ذلك أنها سوداء كما يدل عليه ما بعده، ثم قال: تردت، أى استترت بالحباب، فالتردى: استعارة التستر، ثم انفرى: انشق وزال عن أديمها أى وجهها كتفرى الليل وانشقاق ظلامه عن بياض النهار، والجامع استتار كل بغيرها، ثم ظهوره بتفرق ذلك الغير فهو مركب. ولا يلزم من ذلك أن الحباب أسود كالليل، والخمرة بيضاء كالنهار، وانظر كيف خيل أنه في الأول أبيض وفي الثاني أسود وهي بالعكس. وهذا من العجب الداعي للطرب. وفيه أنه يرى في الأول أبيض معجبا، ثم تعرض عنه النفس وتريد الخمرة، فيتخيل أنه مظلم، ثم ينكشف وتظهر هي بيضاء ترهقها صفرة، كالسماء وقت الاسفار.]] قلت: فيه وجهان، أحدهما: أن يراد فالق ظلمة الإصباح، وهي الغبش في آخر الليل، ومنقضاه الذي يلي الصبح. والثاني: أن يراد فالق الإصباح الذي هو عمود الفجر عن بياض النهار وإسفاره. وقالوا: انشق عمود الفجر. وانصدع الفجر. وسموا الفجر فلقا بمعنى مفلوق. وقال الطائي: وأزرق الفجر يبدو قبل أبيضه ... وأوّل الغيث قطر ثمّ ينسكب [[هذى مخايل برق خلفه مطر ... جود وروى زناد خلفه لهب وأزرق الفجر يبدو قبل أبيضه ... وأول الغيث قطر ثم ينسكب لأبى تمام. وقيل للبحترى. و «مخايل» أضواء تتخيلها، أو تخيل إلينا المطر بعدها. والجود- في الأصل- جمع جائد، كصحب وصاحب، وهو الكثير النافع. والورى: قدح الزند، والزناد جمعه، ككلب وكلاب، وقد يكون مفرداً ككتاب. يقول: إن أوائل الأمور تبدو قليلة ثم تكثر، فينبغي الحرص من أول الأمر قبل بلوغه غايته فيكثر الضرر ويعسر درؤه، أو المعنى أنه ينبغي التأنى إلى بلوغ المراد، فالكلام كله من باب التمثيل. وروى وكاذب العمر يبدو قبل صادقه وروى بعد هذا البيت: ومثل ذلك وجد العاشقين هوى ... بالمزح يبدو وبالادمان ينتهب ونسبا لابن الرومي، أى الوجد في أوله هوى وفي آخره نار، والإدمان: الادامة.]] وقرئ: فالق الإصباح، وجاعل الليل سكناً، بالنصب على المدح. وقرأ النخعي: فلق الإصباح وجعل الليل. والسكن: ما يسكن إليه الرجل ويطمئن استئناسا به واسترواحاً إليه، من زوج أو حبيب. ومنه قيل للنار: سكن، لأنه يستأنس بها. ألا تراهم سموها المؤنسة، والليل يطمئن إليه التعب بالنهار لاستراحته فيه وجمامه [[قوله «وجمامه» أى راحته من التعب. وفي الصحاح «الجمام» بالفتح-: الراحة. (ع)]] . ويجوز أن يراد: وجعل الليل مسكوناً فيه من قوله لتسكنوا فيه وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ قرئا بالحركات الثلاث، فالنصب على إضمار فعل دل عليه جاعل الليل، أى وجعل الشمس والقمر حسباناً. أو يعطفان على محل الليل. فإن قلت كيف يكون لليل محل والإضافة حقيقية، لأنّ اسم الفاعل المضاف إليه في معنى المضىّ، ولا تقول: زيد ضارب عمرا أمس؟ قلت: ما هو في معنى المضىّ، وإنما هو دال على جعل مستمرّ في الأزمنة المختلفة، وكذلك فالق الحب، وفالق الإصباح، كما تقول: الله قادر عالم، فلا تقصد زماناً دون زمان، والجر عطف على لفظ الليل، والرفع على الابتداء، والخبر محذوف تقديره: والشمس والقمر مجعولان حسباناً، أو محسوبان حسباناً. ومعنى جعل الشمس والقمر حسباناً: جعلهما على حسبان، لأنّ حساب الأوقات يعلم بدورهما وسيرهما. والحسبان- بالضم-: مصدر حسب، كما أنّ الحسبان- بالكسر- مصدر حسب. ونظيره الكفران والشكران ذلِكَ إشارة إلى جعلهما حسبانا، أى ذلك التسيير بالحساب المعلوم تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الذي قهرهما وسخرهما الْعَلِيمِ بتدبيرهما وتدويرهما.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب