الباحث القرآني

مدنية، وهي ثلاث عشرة آية [[قوله «مدنية وهي ثلاث عشرة آية» لفظ مكية ومدنية ساقط من النسخة المنقول منها، ولعله من سهو الناسخ. وفي المصاحف وفي كتب التفسير: أنها مدنية، ولذا وضعناه في هذه النسخة كما ترى، ثم رأيت في بعض المصاحف أنها مكية، لكن آياتها وسبب نزولها يفيدان أنها مدنية، فليحرر. (ع)]] [نزلت بعد الأحزاب] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ روى أن مولاة لأبى عمرو بن صيفي بن هاشم يقال لها سارة أتت رسول الله ﷺ بالمدينة وهو يتجهز للفتح، فقال لها: أمسلمة جئت؟ قالت: لا. قال: أفمهاجرة جئت؟ قالت: لا. قال: فما جاء بك؟ قالت: كنتم الأهل والموالي والعشيرة، وقد ذهبت الموالي، تعنى: قتلوا يوم بدر، فاحتجت حاجة شديدة [[هكذا ذكره الثعلبي والبغوي والواحدي بغير إسناد. وفيه مخالفة شديدة لما في الصحيحين وهو مخرج فيهما من طريق عبد الله بن أبى رافع عن على ومن طريق أبى عبد الرحمن السلمي عن على. وفي رواية لابن حبان عن على خرجت أنا والزبير وطلحة والمقداد، وأخرجه ابن إسحاق في السيرة قال: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير وغيره من علمائنا. قال «لما أجمع رسول الله ﷺ السير إلى مكة كتب حاطب ابن أبى بلتعة إلى قريش كتابا يخبرهم فيه بأمره، ثم أعطاه امرأة زعم محمد بن جعفر أنها من مزينة. وجعل لها جعلا على أن تبلغه قريشا. فجعلته في رأسها. ثم فتلت عليه قرونها ثم خرجت به. وأتى رسول الله ﷺ الخبر من السماء بما فعل حاطب» فذكر القصة، وذكر الواقدي من طريق يزيد بن رومان، وسماها كنود وذكر أن الجعل كان عشرة دنانير. وروى الطبري وابن أبى حاتم وأبو يعلى من طريق أبى البختري عن الحرث عن على قال «لما أراد رسول الله ﷺ أن يأتى مكة أسر إلى أناس من أصحابه أنه يريد مكة، فيهم حاطب ابن أبى بلتعة: وأفشى في الناس أنه يريد خيبر- فكتب حاطب- فذكره» وفيه فأخرجته من قبلها.]] فحث عليها بنى عبد المطلب فكسوها وحملوها وزوّدوها، فأناها حاطب بن أبى بلتعة وأعطاها عشرة دنانير وكساها بردا، واستحملها كتابا إلى أهل مكة نسخته: من حاطب بن أبى بلتعة إلى أهل مكة، اعلموا أنّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يريدكم فخذوا حذركم، فخرجت سارة ونزل جبريل بالخبر، فبعث رسول الله ﷺ عليا وعمارا وعمر وطلحة والزبير والمقداد وأبا مرثد- وكانوا فرسانا- وقال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب من حاطب إلى أهل مكة، فخذوه منها وخلوها، فإن أبت فاضربوا عنقها، فأدركوها فجحدت وحلفت، فهموا بالرجوع فقال على رضى الله عنه: والله ما كذبنا ولا كذب رسول الله، وسل سيفه، وقال: أخرجى الكتاب أو تضعي رأسك، فأخرجته من عقاص شعرها. وروى أن رسول الله ﷺ أمّن جميع الناس يوم الفتح إلا أربعة: هي أحدهم [[هكذا رواه البيهقي في الدلائل وابن مردويه من طريق الحاكم بن عبد الملك عن قتادة عن أنس. وسماهم: عبد العزيز بن حنظل، ومقيس بن صبابة، وعبد الله بن سعد بن أبى سرح، وأم سارة مولاة لقريش ولفظه قريب من لفظ الكتاب وفي الدارقطني من طريق عمر بن عثمان بن عبد الرحمن بن سعيد المخزومي عن أبيه عن جده قال «أمن رسول الله ﷺ الناس إلا أربعة وسماهم، إلا أنه قال «الحويرث بن نقيذ وسارة» وذكره ابن إسحاق بغير إسناد فذكر الخمسة، وقال فيه: وسارة مولاة لبعض بنى عبد المطلب» ورواه الدارقطني أيضا والحاكم من طريق مصعب بن سعد عن أبيه، وجعل عوض سارة عكرمة بن أبى جهل. وقال الواقدي في المغازي، وتبعه ابن سعد «أمر النبي ﷺ يوم الفتح بقتل ستة نفر وأربع نسوة: عكرمة وهبار بن الأسود، وعبد الله بن حنظل وابن أبى سرح، ومصعب بن صبابة. والحويرث بن نفيل، وهند بنت عتبة، وسارة مولاة عمر بن هاشم ومرينا ومرينة «فقتل منهم ابن حنظل ومقيسا والحويرث» .]] ، فاستحضر رسول الله حاطبا وقال: ما حملك عليه؟ فقال: يا رسول الله ما كفرت منذ أسلمت، ولا غششتك منذ نصحتك. ولا أحببتهم منذ فارقتهم، ولكنى كنت امرأ ملصقا في قريش. وروى: عزيزا فيهم، أى: غريبا، ولم أكن من أنفسها، وكل من معكم من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون أهاليهم وأموالهم غيرى، فخشيت على أهلى، فأردت أن أتخذ عندهم يدا، وقد علمت أن الله تعالى ينزل عليهم بأسه. وأن كتابي لا يغنى عنهم شيئا، فصدّقه وقبل عذره، فقال عمر: دعى يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق فقال: «وما يدريك يا عمر، لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال لهم: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» ففاضت عينا عمر وقال. الله ورسوله أعلم، فنزلت. عدى «اتخذ» إلى مفعوليه، وهما عدوى، أولياء. والعدوّ: فعول، من عدا، كعفوّ من عفا ولكونه على زنه المصدر أوقع على الجمع إيقاعه على الواحد. فإن قلت: تُلْقُونَ بم يتعلق؟ قلت: يجوز أن يتعلق بلا تتخذوا حالا من ضميره وبأولياء صفة له. ويجوز أن يكون استئنافا. فإن قلت: إذا جعلته صفة لأولياء وقد جرى على غير من هوله، فأين الضمير البارز وهو قولك: تلقون إليهم أنتم بالمودّة؟ قلت: ذلك إنما اشترطوه في الأسماء دون الأفعال، لو قيل: أولياء ملقين إليهم بالمودّة على الوصف. لما كان بد من الضمير البارز، والإلقاء عبارة عن إيصال المودّة والإفضاء بها إليهم: يقال ألقى إليه خراشى صدره [[قوله «يقال ألقى اليه خراشى صدره» في الصحاح «الخرشاء» مثل الحرباء: جلد الحية وقشرة البيضة بعد أن يخرج ما قبلها، ثم يشبه به كل شيء فيه انتفاخ وتعتق كالرغوة، وقد يسمى البلغم خراشاء. يقال: ألقى خراشى صدره، اه. (ع)]] ، وأفضى إليه بقشوره. والباء في بِالْمَوَدَّةِ إما زائدة مؤكدة للتعدى مثلها في وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وإما ثابتة على أن مفعول تلقون محذوف، معناه: تلقون إليهم أخبار رسول الله بسبب المودّة الى بينكم وبينهم. وكذلك قوله تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ أى: تفضون إليهم بمودتكم سرا. أو تسرون إليهم إسرار رسول الله بسبب المودّة. فإن قلت: وَقَدْ كَفَرُوا حال مماذا؟ قلت: إما من لا تَتَّخِذُوا وإما من تُلْقُونَ أى: لا تتولوهم أو توادّونهم وهذه حالهم. ويُخْرِجُونَ استئناف كالتفسير لكفرهم وعتوّهم. أو حال من كفروا. وأَنْ تُؤْمِنُوا تعليل ليخرجون، أى يخرجونكم لإيمانكم. وإِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ متعلق بلا تتخذوا، يعنى: لا تتولوا أعدائى إن كنتم أوليائى. وقول النحويين في مثله: هو شرط جوابه محذوف لدلالة ما قبله عليه. وتُسِرُّونَ استئناف، ومعناه: أىّ طائل لكم في إسراركم وقد علمتم أن الإخفاء والإعلان سيان في علمى لا تفاوت بينهما، وأنا مطلع رسولي على ما تسرون وَمَنْ يَفْعَلْهُ ومن يفعل هذا الإسرار فقد أخطأ طريق الحق والصواب. وقرأ الجحدري: لما جاءكم، أى: كفروا لأجل ما جاءكم، بمعنى: أن ما كان يجب أن يكون سبب إيمانهم جعلوه سببا لكفرهم. إِنْ يَثْقَفُوكُمْ إن يظفروا بكم ويتمكنوا منكم يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً خالصي العداوة، ولا يكونوا لكم أولياء كما أنتم وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ بالقتال والشتم، وتمنوا لو ترتدون عن دينكم، فإذن مودة أمثالهم ومناصحتهم خطأ عظيم منكم ومغالطة لأنفسكم ونحوه قوله تعالى لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا فإن قلت: كيف أورد جواب الشرط مضارعا مثله ثم قال وَوَدُّوا بلفظ الماضي؟ قلت: الماضي وإن كان يجرى في باب الشرط مجرى المضارع في علم الإعراب، فإن فيه نكتة، كأنه قيل: وودّوا قبل كل شيء كفركم وارتدادكم، يعنى: أنهم يريدون أن يلحقوا بكم مضار الدنيا والدين جميعا: من قتل الأنفس، وتمزيق الأعراض، وردّكم كفارا، وردكم كفارا أسبق المضارّ عندهم وأوّلها، لعلمهم أن الدين أعز عليكم من أرواحكم، لأنكم بذّالون لها دونه، والعدوّ أهم شيء عنده أن يقصد أعز شيء عند صاحبه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب