الباحث القرآني

تُنْجِيكُمْ قرئ مخففا ومثقلا. وتُؤْمِنُونَ استئناف، كأنهم قالوا: كيف: نعمل؟ فقال: تؤمنون [[قال محمود: قوله تُؤْمِنُونَ استئناف كلام كأنه لما قال الكلام الأول قيل: كيف نفعل؟ فقيل: تؤمنون ... الخ» قال أحمد: إنما وجه إعراب الفراء بما ذكر، لأنه لو جعله جوابا لقوله هَلْ أَدُلُّكُمْ فإنكم إن أدلكم على كذا وكذا أغفر لكم، فتكون المغفرة حينئذ مترتبة على مجرد دلالته إياهم على الخير، وليس كذلك، إنما تترتب المغفرة على فعلهم لما دلهم عليه لا على نفس الدلالة، فلذلك أول هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ بتأويل: هل تتجرون بالايمان والجهاد حتى تكون المغفرة مترتبة على فعل الايمان والجهاد لا على الدلالة، وهذا التأويل غير محتاج إليه، فان حاصل الكلام إذا صار إلى: هل أدلكم أغفر لكم، التحق ذلك بأمثال قوله تعالى قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ فانه رتب فعل الصلاة على الأمر بها، حتى كأنه قال، فإنك إن تقل لهم أقيموا يقيموها. وللقائل أن يقول: قد قيل لبعضهم: أقم الصلاة فتركها؟ فالجواب عنه: أن الأمر الموجه على المؤمن الراسخ في الايمان لما كان مظنة لحصول الامتثال، جعل كالمحقق وقوعه مرتبا عليه، وكذلك هاهنا لما كانت دلالة الذين آمنوا على فعل الخير مظنة لامتثالهم. وامتثالهم سببا في المغفرة محققا: عومل معاملة تحقق الامتثال والمغفرة مرتبين على الدلالة، والله أعلم.]] ، وهو خبر في معنى الأمر، ولهذا أجيب بقوله يَغْفِرْ لَكُمْ وتدل عليه قراءة ابن مسعود: آمنوا بالله ورسوله وجاهدوا. فإن قلت: لم جيء به على لفظ الخبر؟ قلت: للإيذان بوجوب الامتثال، وكأنه امتثل فهو يخبر عن إيمان وجهاد موجودين. ونظيره قول الداعي: غفر الله لك، ويغفر الله لك: جعلت المغفرة لقوّة الرجاء، كأنها كانت ووجدت. فإن قلت: هل لقول الفراء أنه جواب هَلْ أَدُلُّكُمْ وجه؟ قلت: وجهه أن متعلق الدلالة هو التجارة، والتجارة مفسرة بالإيمان والجهاد، فكأنه قيل: هل تتجرون بالإيمان والجهاد يغفر لكم؟ فإن قلت: فما وجه قراءة زيد بن على رضى الله عنهما تُؤْمِنُونَ ... وَتُجاهِدُونَ؟ قلت: وجهها أن تكون على إضمار لام الأمر، كقوله: محمّد تفد نفسك كلّ نفس ... إذا ما خفت من أمر تبالا [[لأبى طالب. وقيل: للأعشى، يقول: يا رسول الله، تفد، أى لتفد، فحذف لام الدعاء الجازمة للفعل لضرورة الشعر، وسوغ حذفها قرينة مقام الطلب، وإلا فحروف الجزم كحروف الجر لا تعمل وهي محذوفة إلا شذوذا، كما صرح به السكاكي. هذا والحذف في نحو قوله تعالى قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ أسهل لأن قرينته لفظية، وهي لفظ قُلْ الدال على الطلب. وقيل: هو خبر بمعنى الدعاء، وخفف بحذف الياء، وقيل: إن ذلك في غير الفواصل والقوا في غير سديد، أى: فدى الله نفسك بكل نفس إذا خفت تبالا من شيء. والتبال: هو الوبال، قلبت واوه تاء. ويروى بالجر، على أنه صفة أمر وليس بجيد.]] وعن ابن عباس أنهم قالوا: لو نعلم أحب الأعمال إلى الله لعملناه، فنزلت هذه الآية، فمكثوا ما شاء الله يقولون: ليتنا نعلم ما هي، فدلهم الله عليها بقوله تُؤْمِنُونَ وهذا دليل على أن تُؤْمِنُونَ كلام مستأنف، وعلى أنّ الأمر الوارد على النفوس بعد تشوّف وتطلع منها إليه: أوقع فيها وأقرب من قبولها له مما فوجئت به ذلِكُمْ يعنى ما ذكر من الإيمان والجهاد خَيْرٌ لَكُمْ من أموالكم وأنفسكم. فإن قلت: ما معنى قوله إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ؟ قلت: معناه إن كنتم تعلمون أنه خير لكم كان خيرا لكم [[قال محمود: «معناه: إن كنتم تعلمون أنه خير لكم كان خيرا لكم ... الخ» قال أحمد: كأنه يجرى الشرط على حقيقته وليس بالظاهر، لأن علمهم لذلك محقق. إذ الخطاب مع المؤمنين، والظاهر أنه من وادى قوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ والمقصود بهذا الشرط: التنبيه على المعنى الذي يقتضى الامتثال وإلهاب الحمية للطاعة، كما تقول لمن تأمره بالانتصاف من عدوه: إن كنت حرا فانتصر، تريد أن تثير منه حمية الانتصار لا غير، والله أعلم.]] حينئذ، لأنكم إذا علمتم ذلك واعتقدتموه أحببتم الإيمان والجهاد فوق ما تحبون أنفسكم وأموالكم، فتخلصون وتفلحون وَأُخْرى تُحِبُّونَها ولكم إلى هذه النعمة المذكورة من المغفرة والثواب في الآجلة نعمة أخرى عاجلة محبوبة إليكم، ثم فسرها بقوله نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ أى عاجل وهو فتح مكة. وقال الحسن: فتح فارس والروم. وفي تُحِبُّونَها شيء من التوبيخ على محبة العاجل. فإن قلت: علام عطف قوله وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ؟ قلت: على تُؤْمِنُونَ لأنه في معنى الأمر، كأنه قيل: آمنوا وجاهدوا يثبكم الله وينصركم، وبشر يا رسول الله المؤمنين بذلك. فإن قلت: لم نصب من قرأ نصرا من الله وفتحا قريبا؟ قلت: يجوز أن ينصب على الاختصاص. أو على تنصرون نصرا، ويفتح لكم فتحا. أو على: يغفر لكم ويدخلكم جنات، ويؤتكم أخرى نصرا من الله وفتحا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب