الباحث القرآني

مختلف فيها، وهي ثمان عشرة آية [نزلت بعد التحريم] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قدم الظرفان ليدل بتقديمهما على معنى اختصاص الملك والحمد بالله عز وجل، وذلك لأنّ الملك على الحقيقة له، لأنه مبدئ كل شيء ومبدعه، والقائم به، والمهيمن عليه، وكذلك الحمد، لأنّ أصول النعم وفروعها منه. وأما ملك غيره فتسليط منه واسترعاء، وحمده اعتداد بأن نعمة الله جرت على يده هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ يعنى: فمنكم آت بالكفر وفاعل له [[قوله «فمنكم آت بالكفر وفاعل له» قد أول الآية بمذهب المعتزلة: من أن العبد هو الخالق لفعله الاختياري، ومذهب أهل السنة: أن العبد ليس له في فعله إلا الكسب، وخالقه في الحقيقة هو الله عز وجل، بدليل قوله تعالى وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ خيرا كان أو شرا، وكما أن خلق الكافر لا يستوجب الذم كما سيقول فخلق كفره لا يستوجب الذم لأنه لحكمة وإن خفيت علينا. (ع)]] ومنكم آت بالإيمان [[قال محمود: «معناه: فمنكم آت بالكفر وفاعل له ومنكم آت بالايمان ... الخ» قال أحمد: لقه ركب عمياء وخبط خبط عشواء، واقتحم وعرا: السالك فيه هالك، والغابر فيه عاثر، وإنما ينصب إلى مهاوي الأراك، ويحوم حول مراتع الاشراك، ويبحث ولكن على حتفه بظلفه، ويتحذق وما هو إلا يتشدق، ويتحقق وما هو إلا يتفسق، وهب أنه أعرض عن الأدلة العقلية والنصوص النقلية المتظافرة على أن الله تعالى خالق كل شيء، واطرد له في الشاهد ما ادعاه. ومن مذهبه قياس الغائب على الشاهد، قد التجأ إلى الاعتراف بأن الله خالق العبد الفاعل للقبيح، وأن خلق العبد الفاعل للقبيح بمثابة إعطاء السيف الباتر للرجل الفاجر، وأن هذا قبيح شاهدا، ولا يلزم أن يكون مثله قبيحا في خلق الله تعالى، أفلا يجوز أن يكون منطويا على حكمة استأثر الله تعالى بعلمها، فما يؤمنه من دعوى أن أفعال العبد وإن استقبحها العقلاء مخلوقة لله تعالى، وفي خلقها حكمة استأثر الله بعلمها، وهل الفرق إذا إلا عين التحكم، ونفس اتباع الهوى. هذا ودون تمكنه من اتباع هذه القواعد: أن يمكن من القتاد اختراط، ومن الجمل أن يلج في سم الخياط.]] وفاعل له، كقوله تعالى وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ، فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ والدليل عليه قوله تعالى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ أى عالم بكفركم وإيمانكم اللذين هما من عملكم. والمعنى: هو الذي تفضل عليكم بأصل النعم الذي هو الخلق والإيجاد عن العدم، فكان يجب أن تنظروا النظر الصحيح، وتكونوا بأجمعكم عبادا شاكرين، فما فعلتم مع تمكنكم، بل تشعبتم شعبا، وتفرقتم أمما، فمنكم كافر ومنكم مؤمن، وقدم الكفر لأنه الأغلب عليهم والأكثر فيهم. وقيل: هو الذي خلقكم فمنكم كافر بالخلق وهم الدهرية، ومنكم مؤمن به. فإن قلت: نعم، إن العباد هم الفاعلون للكفر، ولكن قد سبق في علم الحكيم أنه إذا خلقهم لم يفعلوا إلا الكفر ولم يختاروا غيره، فما دعاه إلى خلقهم مع علمه بما يكون منهم؟ وهل خلق القبيح وخلق فاعل القبيح إلا واحد؟ وهل مثله إلا مثل من وهب سيفا باترا لمن شهر بقطع السبيل وقتل النفس المحرّمة فقتل به مؤمنا؟ أما يطبق العقلاء على ذم الواهب وتعنيفه والدق في فروته [[قوله «والدق في فروته» في الصحاح «الفروة» : جلدة الرأس. والفروة: قطعة نبات مجتمعة يابسة اه. (ع)]] كما يذمون القاتل؟ بل إنحاؤهم باللوائم على الواهب أشد؟ قلت: قد علمنا أنّ الله حكيم عالم بقبح القبيح عالم بغناه عنه، فقد علمنا أن أفعاله كلها حسنة، وخلق فاعل القبيح فعله، فوجب أن يكون حسنا، وأن يكون له وجه حسن، وخفاء وجه الحسن علينا لا يقدح في حسنه، كما لا يقدح في حسن أكثر مخلوقاته جهلنا بداعي الحكمة إلى خلقها بِالْحَقِّ بالغرض الصحيح والحكمة البالغة، وهو أن جعلها مقارّ المكلفين ليعملوا فيجازيهم وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وقرئ: صوركم بالكسر، لتشكروا. وإليه مصيركم فجزاؤكم على الشكر والتفريط فيه. فإن قلت. كيف أحسن صورهم؟ قلت: جعلهم أحسن الحيوان كله وأبهاه، بدليل أن الإنسان لا يتمنى أن تكون صورته على خلاف ما يرى من سائر الصور. ومن حسن صورته أنه خلق منتصبا غير منكب، كما قال عز وجل فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ. فإن قلت: فكم من دميم مشوّه الصورة سمج الخلقة تقتحمه العيون؟ قلت: لا سماجة ثم ولكن الحسن كغيره من المعاني على طبقات ومراتب، فلانحطاط بعض الصور عن مراتب ما فوقها انحطاطا بينا وإضافتها إلى الموفى [[قوله «وإضافتها إلى الموفى عليها» يعنى إلى المتفوق عليها من الصور. (ع)]] عليها لا تستملح، وإلا فهي داخلة في حيز الحسن غير خارجة عن حدّه. ألا ترى أنك قد تعجب بصورة وتستملحها ولا ترى الدنيا بها، ثم ترى أملح وأعلى في مراتب الحسن منها فينبو عن الأولى طرفك، وتستثقل النظر إليها بعد افتتانك بها وتهالكك عليها. وقالت الحكماء: شيئان لا غاية لهما: الجمال، والبيان. نبه بعلمه ما في السماوات والأرض، ثم بعلمه ما يسره العباد ويعلنونه، ثم بعلمه ذوات الصدور: أنّ شيئا من الكليات والجزئيات غير خاف عليه ولا عازب عنه، فحقه أن يتقى ويحذر ولا يجترأ على شيء مما يخالف رضاه. وتكرير العلم في معنى تكرير الوعيد، وكل ما ذكره بعد قوله تعالى فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ كما ترى في معنى الوعيد على الكفر، وإنكار أن يعصى الخالق ولا تشكر نعمته فما أجهل من يمزج الكفر بالخلق [[قوله «فما أجهل من يمزج الكفر بالخلق» يريد أهل السنة، حيث يقولون أنه تعالى هو الخالق لأعمال العباد حتى الكفر وغيره من المعاصي، ولا وجه لتجهيلهم مع استنادهم إلى قوله تعالى «والله خلقكم وما تعملون. (ع)]] ويجعله من جملته، والخلق: أعظم نعمة من الله على عباده، والكفر: أعظم كفران من العباد لربهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب