الباحث القرآني

وَاتْلُ عَلَيْهِمْ على اليهود نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها هو عالم من علماء بنى إسرائيل. وقيل: من الكنعانيين، اسمه بلعم بن باعوراء أوتى علم بعض كتب الله فَانْسَلَخَ مِنْها من الآيات، بأن كفر بها ونبذها وراء ظهره فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فلحقه الشيطان وأدركه وصار قرينا له. أو فأتبعه خطواته. وقرئ: فاتبعه، بمعنى فتبعه فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ فصار من الضالين الكافرين. روى أن قومه طلبوا إليه أن يدعو على موسى ومن معه فأبى وقال: كيف أدعو على من معه الملائكة، فألحوا عليه ولم يزالوا به حتى فعل وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها لعظمناه ورفعناه إلى منازل الأبرار من العلماء بتلك الآيات وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ مال إلى الدنيا ورغب فيها. وقيل: مال إلى السفالة. فإن قلت: كيف علق رفعه بمشيئة الله تعالى ولم يعلق بفعله الذي يستحق به الرفع؟ قلت: المعنى: ولو لزم العمل بالآيات ولم ينسلخ منها لرفعناه بها. وذلك أن مشيئة الله تعالى رفعه تابعة للزومه الآيات فذكرت المشيئة. والمراد: ما هي تابعة له ومسببة عنه، كأنه قيل: ولو لزمها لرفعناه بها. ألا ترى إلى قوله وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ فاستدرك المشيئة بإخلاده الذي هو فعله، فوجب أن يكون وَلَوْ شِئْنا في معنى ما هو فعله، ولو كان الكلام على ظاهره لوجب أن يقال: ولو شئنا لرفعناه ولكنا لم نشأ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ فصفته التي هي مثل في الخسة والضعة كصفة الكلب في أخس أحواله وأذلها وهي حال دوام اللهث [[قوله «دوام اللهث به» في الصحاح لهث الكلب إذا خرج لسانه من التعب أو العطش. وقوله تعالى إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ لأنك إذا حملت على الكلب نبح وولى هاربا. وإن تتركه شد عليك ونبح، فيتعب نفسه في الحالين فيعتريه عند ذلك ما يعتريه عند العطش من إخراج اللسان. (ع)]] به واتصاله، سواء حمل عليه- أى شدّ عليه وهيج فطرد- أو ترك غير متعرّض له بالحمل عليه. وذلك أنّ سائر الحيوان لا يكون منه اللهث إلا إذا هيج منه وحرّك، وإلا لم يلهث، والكلب يتصل لهثه في الحالتين جميعاً، وكان حق الكلام أن يقال: ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض فحططناه ووضعنا منزلته، فوضع قوله فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ موضع حططناه أبلغ حط، لأنّ تمثيله بالكلب في أخس أحواله وأذلها في معنى ذلك. وعن ابن عباس رضى الله عنه، الكلب منقطع الفؤاد، يلهث إن حمل عليه أو لم يجمل عليه. وقيل: معناه إن وعظته فهو ضال وإن لم تعظه فهو ضال، كالكلب إن طردته فسعى لهث، وإن تركته على حاله لهث. فإن قلت: ما محل الجملة الشرطية؟ قلت: النصب على الحال، كأنه قيل: كمثل الكلب ذليلا دائم الذلة لاهثاً في الحالتين. وقيل: لما دعا بلعم على موسى عليه السلام خرج لسانه فوقع على صدره، وجعل يلهث كما يلهث الكلب ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا من اليهود بعد ما قرءوا نعت رسول الله ﷺ في التوراة، وذكر القرآن المعجز وما فيه، وبشروا الناس باقتراب مبعثه، وكانوا يستفتحون به فَاقْصُصِ قصص بلعم الذي هو نحو قصصهم لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ فيحذرون مثل عاقبته، إذ ساروا نحو سيرته، وزاغوا شبه زيغه، ويعلمون أنك علمته من جهة الوحى فيزدادوا إيقاناً بك وتزداد الحجة لزوماً لهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب