الباحث القرآني

مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وهي نفس آدم عليه السلام وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها وهي حواء، خلقها من جسد آدم من ضلع من أضلاعه. أو من جنسها كقوله جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً. لِيَسْكُنَ إِلَيْها ليطمئن إليها ويميل ولا ينفر، لأن الجنس إلى الجنس أميل وبه آنس، وإذا كانت بعضا منه كان السكون والمحبة أبلغ، كما يسكن الإنسان إلى ولده ويحبه محبة نفسه لكونه بضعة منه. وقال لِيَسْكُنَ فذكر بعد ما أنث في قوله: واحدة. منها زوجها، ذهابا إلى معنى النفس ليبين أن المراد بها آدم. ولأن الذكر هو الذي يسكن إلى الأنثى ويتغشاها، فكان التذكير أحسن طباقا للمعنى. والتغسى: كناية عن الجماع، وكذلك الغشيان والإتيان حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً خف عليها، ولم تلق منه ما يلقى بعض الحبالى من حملهن من الكرب والأذى، ولم تستثقله كما يستثقلنه، وقد تسمع بعضهن تقول في ولدها: ما كان أخفه على كبدي حين حملته فَمَرَّتْ بِهِ فمضت به إلى وقت ميلاده من غير إخداج ولا إزلاق [[قوله «من غير إخداج ولا إزلاق» إخداج: أى نقصان. ولا إزلاق: أى إسقاط. (ع)]] وقيل حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً يعنى النطفة فَمَرَّتْ بِهِ فقامت به وقعدت. وقرأ ابن عباس رضى الله عنه: فاستمرت به، وقرأ يحيى بن يعمر: فمرت به، بالتخفيف. وقرأ غيره: فمارت به، من المرية، كقوله أَفَتُمارُونَهُ وأ فتمرونه. ومعناه: فوقع في نفسها ظن الحمل، فارتابت به فَلَمَّا أَثْقَلَتْ حان وقت ثقل حملها كقولك: أقربت [[قوله «كقولك أقربت» أى قرب ولادها. (ع)]] . وقرئ: أثقلت، على البناء المفعول: أى أثقلها الحمل دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما دعا آدم وحواء ربهما ومالك أمرهما الذي هو الحقيقي بأن يدعى ويلتجأ إليه فقالا لَئِنْ آتَيْتَنا لئن وهبت لنا صالِحاً ولداً سوياً قد صلح بدنه وبريء [[قوله «وبريء» لعله: وبريء من الآفات. (ع)]] . وقيل. ولداً ذكراً، لأن الذكورة من الصلاح والجودة. والضمير في آتَيْتَنا ولَنَكُونَنَّ. لهما ولكل من يتناسل من ذرّيتهما [[قال محمود: «الضمير في آتَيْتَنا ولَنَكُونَنَّ لهما ولكل من يتناسل من ذريتهما ... الخ» قال أحمد وأسلم من هذين التفسيرين وأقرب- والله أعلم- أن يكون المراد جنسى الذكر والأنثى، لا يقصد فيه إلى معين، وكان المعنى- والله أعلم- خلقكم جنسا واحدا، وجعل أزواجكم منكم أيضا لتسكنوا إليهن، فلما تغشى الجنس الذي هو الذكر الجنس الآخر الذي هو الأنثى جرّى من هذين الجنسين كيت وكيت. وإنما نسب هذه المقالة إلى الجنس وإن كان فيهم الموحدون، لأن المشركين منهم أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا وقُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ، إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ كما أنه كذلك على التفسير الأول أضاف الشرك إلى أولاد آدم وحواء وهو واقع من بعضهم وعلى التفسير الثاني أضافه إلى قصى وعقبه، والمراد البعض، فهذا السؤال وارد على التأويلات الثلاثة، وجوابه واحد ويسلم هذا الثالث من حذف المضاف المضطر إليه في التأويل الأول. ومما ينصرف إلى التأويل الثاني من استبعاد تخصيص قصى بهذا الأمر المشترك في الجنس، وهو جعل زوجته منه وكون المراد بذلك أن يسكن إليها لأن ذلك عام في الجنس، والله أعلم.]] فَلَمَّا آتاهُما ما طلباه من الولد الصالح السوىّ جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ أى جعل أولادهما له شركاء، على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وكذلك فِيما آتاهُما أى آتى أولادهما، وقد دلّ على ذلك بقوله فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ حيث جمع الضمير. وآدم وحواء بريئان من الشرك. ومعنى إشراكهم فيما آتاهم الله: تسميتهم أولادهم بعبد العزى وعبد مناة [[قوله «وعبد مناة» في النسفي: وعبد مناف (ع)]] وعبد شمس وما أشبه ذلك، مكان عبد الله وعبد الرحمن وعبد الرحيم. ووجه آخر وهو أن يكون الخطاب لقريش الذين كانوا في عهد رسول الله ﷺ، وهم آل قصى ألا ترى إلى قوله في قصة أم معبد [[هذا طرف من حديث أم معبد في هجرة النبي ﷺ. وقد أخرجه الحاكم مطولا. من حديثها وحديث أخيها حبيس بن خالد. ومن حديث زوجها أبى معبد، وطريق أم معبد رويناها في الغيلانيات. وفي الطبراني وفي الدلائل لأبى نعيم والبيهقي.]] : فَيَا لَقُصَىّ مَا زَوَى اللَّهُ عَنْكُمُ ... بِهِ مِنْ فَخَارٍ لَا يُبَارَى وَسُودَدِ [[جزى الله رب الناس خير جزائه ... رفيقين حلا خيمتي أم معبد هما نزلا بالبر ثم ترحلا ... فيا فوز من أمسى رفيق محمد فيالقصى ما زوى الله عنكم ... به من فخار لا يبارى وسؤدد ليهن بنى سعد مقام فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد لرجل من الجن، سمعوا صوته بمكة ولم يروا شخصه، حين خرج رسول الله ﷺ من مكة مع أبى بكر مهاجراً وجهل أهلها خبرهما بعد خروجهما من الغار. ويروى «جزاية» بالتاء كهداية. ويروى «قالا» بدل «حلا» والمعنى متقارب، إلا أن الثاني خاص بالاستراحة في منتصف النهار. و «خيمتي» نصب على التوسع بحذف حرف الجر و «أم معبد» امرأة من بنى سعد نزلا عندها بالبر والخير. ذكر بعضهم أن اسمها عاتكة بنت خالد الخزاعية و «يالقصى» أصله «يا آل قصى» فخفف وقد اختلف فيها، فقيل: أصلها يا آل قصى أيضاً. وقيل: هي حرف جر، فقيل زائد. وقيل أصلى متعلق بيا عند سيبويه، وبالفعل الذي نابت عنه عند ابن جنى «وما» استفهامية، والمعنى: يا آل قصى، أتدرون ما قبضه الله ومنعه بخروج رسول الله من بينكم من فخار لا يضاهي ومن شرف عظيم؟ وفي هذا الاستفهام معنى التعجب والاستعظام، حتى كأن المستفهم عنه لا يعرف كنهه. ويجوز أن اللام للتعجب، و «ما» موصول بدل من «قصى» . ويجوز أن اللام للاستغاثة، كأنه استغاث بهم لعلهم يتداركون ما فاتهم. وساد في قومه: شرف، ومصدره السؤدد، بالهمز وضم الدال، وبالواو فتفتح داله كما هنا. والأصل: السود- بالضم- كالحسن، فزيدت الدال للإلحاق بيرفع وجندب. «وليهن» مجزوم بلام الأمر، والمقصود الدعاء. و «مقام» فاعل، و «بنى» مفعول. يقال: هنأه الطعام ونحوه، بالهمز: إذا نفعه وحمدت عاقبته عنده، وهو من بابى نفع وضرب، ويبدل همزه بما يناسب ما قبله، وقد يحذف البدل كما هنا، كأنه أصلى، لكن الحذف عامي. والمرصد والمرصاد: الطريق يرصد فيه الرصد. وقوله «للمؤمنين» فيه حث على الهجرة.]] ويراد هو الذي خلقكم من نفس قصىّ، وجعل من جنسها زوجها عربية قرشية ليسكن إليها، فلما آتاهما ما طلبا من الولد الصالح السوىّ جعلا له شركاء فيما آتاهما، حيث سميا أولادهما الأربعة بعبد مناف وعبد العزى وعبد قصىّ وعبد الدار، وجعل الضمير في يُشْرِكُونَ لهما ولأعقابهما الذين اقتدوا بهما في الشرك، وهذا تفسير حسن لا إشكال فيه. وقرئ: شركاء أى ذوى شرك وهم الشركاء، أو أحدثا الله شركا في الولد.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب