الباحث القرآني

أى ليكوننّ أحد الأمرين: إمّا إخراجكم، وإمّا عودكم في الكفر. فإن قلت: كيف خاطبوا شعيباً عليه السلام بالعود [[قال محمود: «إن قلت كيف خاطبوا شعيباً بصيغة العود ... الخ» قال أحمد: والزمخشري بنى هذا الكلام على أن صيغة العود تستدعى رجوع العائد إلى حال كان عليها قبل. والتحقيق في الجواب عن السؤال المذكور مع اقتضاء العود لذلك: أن هذا الفعل وإن استعمل كذلك، إلا أنه كثيراً ما يرد بمعنى صار. وحينئذ يجوز أن يكون أخا لكان ولا يستدعى الرجوع إلى حالة سابقة، بل عكس ذلك وهو الانتقال من حال سابقة إلى حالة مؤتنفة مثل صار، وكأنهم قالوا- والله أعلم-: لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتصيرن كفاراً مثلنا، وحينئذ يندفع السؤال. أو يسلم استعمال العود بمعنى الرجوع إلى أمر سابق. ويجاب عن ذلك بمثل الجواب عن قوله تعالى اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ والإخراج يستدعى دخولا سابقا فيما وقع الإخراج منه، ونحن نعلم أن المؤمن الناشئ في الايمان لم يدخل قط في ظلمة الكفر ولا كان فيها وكذلك الكافر الأصلى لم يدخل قط في نور الايمان ولا كان فيه، ولكن لما كان الايمان والكفر من الأفعال الاختيارية التي خلق الله العبد متيسراً لكل واحد منهما متمكنا منه لو أراده، فعبر عن تمكن المؤمن من الكفر ثم عدوله عنه إلى الايمان إخباراً بالإخراج من الظلمات إلى النور. توفيقاً من الله له ولطفا به. وبالعكس في حق الكافر، وقد مضى نظير هذا النظر عند قوله تعالى أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وهو من المجاز المعبر فيه عن السبب بالمسبب. وفائدة اختياره في هذه المواضع تحقيق التمكن والاختيار لاقامة حجة الله على عباده، والله أعلم.]] في الكفر في قولهم أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا وكيف أجابهم بقوله إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها والأنبياء عليهم السلام لا يجوز عليهم من الصغائر إلا ما ليس فيه تنفير، فضلا عن الكبائر، فضلا عن الكفر؟ قلت: لما قالوا لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك، فعطفوا على ضميره الذين دخلوا في الإيمان منهم بعد كفرهم قالوا: لتعودنّ، فغلبوا الجماعة على الواحد، فجعلوهم عائدين جميعا، إجراء للكلام على حكم التغليب. وعلى ذلك أجرى شعيب عليه السلام جوابه فقال: إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها، وهو يريد عود قومه، إلا أنه نظم نفسه في جملتهم وإن كان بريئا من ذلك إجراء لكلامه على حكم التغليب، فإن قلت: فما معنى قوله وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ والله تعالى متعال أن يشاء ردّة المؤمنين [[قوله «والله تعالى متعال أن يشاء ردة المؤمنين» أى تنزه عن أن يشاء ... الخ، على مذهب المعتزلة أنه تعالى لا يريد الشر. أما عند أهل السنة فيريده كالخير. (ع)]] وعودهم في الكفر [[قال محمود: «إن قلت الله تعالى مقدس عن أن يشاء ردة المؤمنين وعودهم إلى الكفر ... الخ» . قال أحمد: وهذا السؤال كما ترى مفرع على القاعدة الفاسدة، في اعتقاد وجوب رعاية الصلاح والأصلح، وهو غير موجه على قاعدة السنة، فظاهر الآية هو المعول عليه لا يجوز تأويله ولا تبديله. وأما استدلال الزمخشري على صحة تأويله بقوله وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً فمن احتيالاته في التأويلات الباطلة، يعضدها ويتبع الشبه ويلفقها. وموقع قوله وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً الاعتراف بالقصور عن علم العاقبة والاطلاع على الأمور الغائبة، فان العود إلى الكفر جائز في قدرة الله أن يقع من العبد، ولو وقع فبقدرة الله ومشيئته المغيبة عن خلقه، فالحذر قائم والخوف لازم، ولكن لمن وفقه الله تعالى للعقيدة الصحيحة والايمان السالم، والله الموفق. ونظيره قول إبراهيم عليه السلام وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً لما رد الأمر إلى المشيئة وهي مغيبة بحد الله تعالى بالانفراد بعلم الغائبات، والله أعلم.]] ؟ قلت: معناه إلا أن يشاء الله خذلاننا ومنعنا الألطاف، لعلمه انها لا تنفع فينا وتكون عبثاً. والعبث قبيح لا يفعله الحكيم، والدليل عليه قوله وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أى هو عالم بكل شيء مما كان وما يكون، فهو يعلم أحوال عباده كيف تتحوّل، وقلوبهم كيف تتقلب، وكيف تقسو بعد الرقة، وتمرض بعد الصحة، وترجع إلى الكفر بعد الإيمان عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا في أن يثبتنا على الإيمان ويوفقنا لازدياد الإيقان. ويجوز أن يكون قوله إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ حسما لطمعهم [[عاد كلامه. قال: ويجوز أن يكون المراد حسم طمعهم ... الخ» قال أحمد: وهذا من الطراز الأول، فألحقه به، وسحقا سحقا.]] في العود، لأن مشيئة الله لعودهم في الكفر محال خارج عن الحكمة [[قوله «محال خارج عن الحكمة» مبنى على مذهب المعتزلة أيضا. (ع)]] أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ الهمزة للاستفهام، والواو واو الحال، تقديره: أتعيدوننا في ملتكم في حال كراهتنا، ومع كوننا كارهين. وما يكون لنا، وما ينبغي لنا، وما يصح لنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا احكم بيننا. والفتاحة، الحكومة، أو أظهر أمرنا حتى يتفتح ما بيننا وَبَيْنَ قَوْمِنا وينكشف بأن تنزل عليهم عذاباً يتبين معه أنهم على الباطل وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ كقوله وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ. فإن قلت: كيف أسلوب قوله قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ؟ قلت: هو إخبار مقيد بالشرط، وفيه وجهان، أحدهما: أن يكون كلاما مستأنفاً فيه معنى التعجب، كأنهم قالوا: ما أكذبنا على الله إن عدنا في الكفر بعد الإسلام، لأنّ المرتد أبلغ في الافتراء من الكافر، لأنّ الكافر مفتر على الله الكذب، حيث يزعم أنّ لله نداً ولا ندّ له. والمرتدّ مثله في ذلك وزائد عليه، حيث يزعم أنه قد تبين له ما خفى عليه من التمييز بين الحق والباطل. والثاني أن يكون قسما على تقدير حذف اللام، بمعنى: والله لقد افترينا على الله كذبا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب