الباحث القرآني

مكية [إلا الآيات 10 و 11 و 20 فمدنية] وآياتها 19 وقيل 20 [نزلت بعد القلم] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْمُزَّمِّلُ المتزمّل، وهو الذي تزمّل في ثيابه: أى تلفف بها، بإدغام التاء في الزاى: ونحوه: المدثر في المتدثر. وقرئ: المتزمّل على الأصل والمزمل بتخفيف الزاى وفتح الميم وكسرها. على أنه اسم فاعل أو مفعول، من زمله، وهو الذي زمله غيره أو زمل نفسه وكان رسول الله ﷺ نائما بالليل متزمّلا في قطيفة، فنبه ونودي بما يهجن إليه [[قال محمود: «هو المتلفف في ثيابه كالمدثر ونودي بما يهجن إليه ... الخ» قال أحمد: أما قوله الأول أن نداءه بذلك تهجين للحالة التي ذكر أنه كان عليها واستشهاده بالأبيات المذكورة. فخطأ وسوء أدب. ومن اعتبر عادة خطاب الله تعالى له في الإكرام والاحترام: علم بطلان ما تخيله الزمخشري، فقد قال العلماء: أنه لم يخاطب باسمه نداء، وأن ذلك من خصائصه دون سائر الرسل إكراما له وتشريفا، فأين تداؤه بصيغة مهجنة من نسائه، باسمه، واستشهاده على ذلك بأبيات قيلت ذما في جفاة حفاة من الرعاء، فأنا أبرأ إلى الله من ذلك وأربأ به ﷺ، ولقد ذكرت بقوله: أوردها سعد وسعد مشتمل ما وقعت عليه من كلام ابن خروف النحوي يرد على الزمخشري ويخطئ رأيه في تصنيفه المفصل، وإجحامه في الاختصار بمعاني كلام سيبويه، حتى سماه ابن خروف: البرنامج، وأنشد عليه: أوردها سعد وسعد مشتمل ... ما هكذا تورد يا سعد الإبل وأما ما نقله أن ذلك كان في مرط عائشة رضى الله عنها فبعيد، فان السورة مكية، وبنى النبي ﷺ على عائشة رضى الله عنها بالمدينة. والصحيح في الآية ما ذكره آخرا، لأن ذلك كان في بيت خديجة عند ما لقبه جبريل أول مرة، فبذلك وردت الأحاديث الصحيحة، والله أعلم.]] الحالة التي كان عليها من التزمل في قطيفته واستعداده للاستثقال في النوم، كما يفعل من لا يهمه أمر ولا يعنيه شأن. ألا ترى إلى قول ذى الرمّة: وكائن تخطّت ناقتي من مفازة ... ومن نائم عن ليلها متزمّل [[لذي الرمة. وكائن: بمعنى كم الخيرية، والأكثر استعمالها مع «من» كقول: وكائن من كذا. والمتزمل المتلفف في ثيابه عند كثرة النوم، يقول: كثيرا من المفاوز تخطته ناقتي وسارته، وكثيرا من نائم وغافل عن ليلها- أى: المفازة أو الناقة- متكاسل عما فيه من عظائم الأمور، فالمتزمل كناية عن ذلك.]] يريد: الكسلان المتقاعس الذي لا ينهض في معاظم الأمور وكفايات الخطوب، ولا يحمل نفسه المشاق والمتاعب، ونحوه: فأنت به حوش الفؤاد سبطّنا ... سهدا إذا ما نام ليل الهوجل [[ولقد سربت على الظلام بمغشم ... جلد من الفتيان غير مثقل ممن حملن به وهن عواقد ... حبك النطاق فشب غير مهبل ومبرأ من كل غير حيضة ... وفساد مرضعة وداء مغيل حملت به في ليلة مزؤدة ... كرها وعقد نطاقها لم يحلل فأتت به حوش الفؤاد مبطنا ... سهدا إذا ما نام ليل الهوجل لأبى كبير الهذلي يصف مأبط شرا، واسمه: جابر بن ثابت، تزوج الهذلي بأمه بعد جابر فخاف منه، فأغرته على قتله فخرج به متحيلا لذلك فلم يقدر، فمدحه بالشجاعة والفطنة: يقول: سرت ليلا في الظلمة بمغشم، أى مع فتى يقدم على الأمر بلا مبالاة ولا تدبير ولا خوف عاقبة، مع جراءة، جلد، أى: صلب صبور غير مثقل، أى: خفيف في السير منزه عن كل ما يوجب الضعف والثباطؤ، وبينه بقوله: ممن حملن. أى: هو ممن حملن، أى جنس النسوة به، أو هو بعض الفتيان الذين حملت بهم النسوة، وأفرد ضمير «به» مراعاة للفظ «من» وضمن العمل معنى العلوق، فعداه بالباء، وإلا فهو يتعدى بنفسه. والحبك: جمع حباك كخزام. أو جمع حبيك أو حبيكة، وهو الخيوط التي يحبك بها النطاق. والمهبل: المدعو عليه بالهبل، أى، الثكل والفقد. والغبر- بالضم فالتشديد-: بقية الحيض وغيره، وكذلك الغبر- بالضم وبالفتح مع السكون. والغابر: الباقي والذاهب. ويجوز أن غبر: جمع غابر، وغبر يغبر غبورا- كدخل-: بقي وذهب، أى: لم تحمل به أمه في زمن بقية الحيض. ومرضع: من الصفات المختصة بالمؤنث، والغالب تجريدها من التاء، فما هنا على خلاف الغالب. والغيلة: إحبال الرجل امرأته وهي ترضع ولدها: فيمرض، فالمغيل: الممرض بالغيلة. وفي حديث مسلم: لقد هممت أن أنهى عن الغيلة حتى ذكرت أن الروم وفارس يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم، وكان القياس في مغيل إعلاله كمقيم ومبين ومعين، لكن جاء على الأصل شذوذا للضرورة، وروى معضل، أى معى ومعجز للأطباء. وزأده- كذعره: إذا خوفه، فهو مزؤود ومذعور فالمزءودة: المخوفة، وتخويف الليلة مجاز عقلى: كشربت الكوز. والخوف في الحقيقة المرأة. ويروى بالنصب على الحال، لكن يضيع ذكر ليلة، إلا أن يقدر وصفها بمظلمة، والنطاق: ما يشد به الوسط. وحوش الفؤاد بالضم وحشى القلب لحدته وتوقده ونفوره عن الناس. والرجل الحوش والحوشى: الذي يجانب الناس مبطنا خميص البطن منضمره: سهدا- بضمتين-: كثير السهاد أى السهر: وإسناد النوم إلى الليل مجاز عقلى، وإنما النائم الهوجل: وهو الرجل الطويل الأحمق، ومن تجربة العرب: أن المرأة إذا حملت بولدها كارهة غير مستعدة للوطء: جاء ولدها نجيبا، حكى عن أم تأبط شرا أنها قالت فيه: والله إنه الشيطان، ما رأيته ضاحكا قط، ولا هم بشيء في صباء إلا فعله، ولقد حملت به في ليلة ظلماء، وإن نطاقى لمشدود، وذلك يدل على نجابته وشجاعته.]] وفي أمثالهم: أوردها سعد وسعد مشتمل ... ما هكذا تورد يا سعد الإبل [[لمالك بن زيد مناة يخاطب أخاه، وكان قد بنى على امرأته فلم يحسن سعد القيام بأمر الإبل، فقال: أوردها سعد إلى الماء والحال أنه مشتمل متلفف بثيابه لا متشمر. وذكر الظاهر مكان المضمر: فيه نوع من التوبيخ. ما هكذا تورد، أى: تساق إلى الماء، وكان معرضا عنه فالتفت إليه ونداؤه نداء البعيد: دلالة على أنه بليد. وحق هاء التنبيه: الدخول على اسم الاشارة، لكن قدمت على كاف التشبيه مبادرة واهتماما بالتنبيه. ويروى بدل الشطر الثاني: يا سعد ما تروى بهذا كالإبل. وهذاك اسم إشارة، وصار هذا البيت يضرب مثلا لكل من لم يحسن القيام بشأن ما تولاه.]] فذمه بالاشتمال بكسائه، وجعل ذلك خلاف الجلد والكبس، وأمر بأن يختار على الهجود التهجد، وعلى التزمل التشمر، والتخفف للعبادة والمجاهدة في الله، لا جرم أنّ رسول الله ﷺ قد تشمر لذلك مع أصحابه حق التشمر، وأقبلوا على إحياء لياليهم، ورفضوا له الرقاد والدعة، وتجاهدوا فيه حتى انتفخت أقدامهم واصفرت ألوانهم، وظهرت السيمى في وجوههم وترامى أمرهم إلى حد رحمهم له ربهم، فخفف عنهم. وقيل: كان متزملا في مرط لعائشة [[قوله «وقيل كان متزملا في مرط لعائشة» كيف والسورة مكية. (ع)]] يصلى، فهو على هذا ليس بتهجين، بل هو ثناء عليه وتحسين لحاله التي كان عليها، وأمر بأن يدوم على ذلك ويواظب عليه. وعن عائشة رضى الله عنها: أنها سئلت ما كان تزميله؟ قالت: كان مرطا طوله أربع عشرة ذراعا نصفه علىّ وأنا نائمة ونصفه عليه وهو يصلى، فسئلت: ما كان؟ قالت: والله ما كان خزا ولا قزا ولا مرعزى [[قوله «ولا مرعزى» المرعزى الزغب الذي تحت شعر العنز اه صحاح. (ع)]] ولا إبريسما ولا صوفا: كان سداه شعرا ولحمته وبرا [[لم أره هكذا ومن قوله «ما كان خزا» رواه البيهقي في الدعوات من حديثها في ليلة النصف من شعبان «انسل النبي ﷺ من مرطى. ثم قالت: والله ما كان مرطى من حرير ولا قز. ولا كتان ولا كرسف ولا صوف. فقلنا: من أى شيء كان؟ قالت: إن كان سداه لمن شعر وإن كانت لحمته لمن وبر» .]] . وقيل: دخل على خديجة، وقد جئث فرقا [[«قوله وقد جئث فرقا» أى أفزع، فهو مجؤوث: أى مذعور، كذا في الصحاح. وفيه البوادر من الإنسان وغيره: اللحمة التي بين المنكب والعنق. (ع)]] أول ما أتاه جبريل وبوادره ترعد، فقال: زملوني زملوني، وحسب أنه عرض له، فبينا هو على ذلك إذ ناداه جبريل: يا أيها المزمل [[لم أره هكذا. وأصله في الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها.]] . وعن عكرمة: أنّ المعنى: يا أيها الذي زمل أمرا عظيما، أى: حمله. والزمل: الحمل. وازدمله: احتمله. وقرئ: قم الليل بضم الميم وفتحها. قال عثمان بن جنى: الغرض بهذه الحركة التبلغ بها هربا من التقاء الساكنين، فبأى الحركات تحرّك فقد وقع الغرض نِصْفَهُ بدل من الليل. وإلا قليلا: استثناء من النصف، كأنه قال: قم أقل من نصف الليل. والضمير في منه وعليه للنصف، والمعنى: التخيير بين أمرين، بين أن يقوم أقل من نصف الليل على البت، وبين أن يختار أحد الأمرين وهما النقصان من النصف والزيادة عليه. وإن شئت جعلت نصفه بدلا من قليلا، وكان تخييرا بين ثلاث: بين قيام النصف بتمامه، وبين قيام الناقص منه وبين قيام الزائد عليه، وإنما وصف النصف بالقلة بالنسبة إلى الكل، وإن شئت قلت: لما كان معنى قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ إذا أبدلت النصف من الليل، قم أقل من نصف الليل، رجع الضمير في منه وعليه إلى الأقل من النصف، فكأنه قيل: قم أقل من نصف الليل. أو: قم أنقص من ذلك الأقل أو أزيد منه قليلا، فيكون التخيير فيما وراء النصف بينه وبين الثلث. ويجوز إذا أبدلت نصفه من قليلا وفسرته به أن تجعل قليلا الثاني بمعنى نصف النصف: وهو الربع، كأنه قيل. أو انقص منه قليلا نصفه. وتجعل المزيد على هذا القليل، أعنى الربع، نصف الربع كأنه قيل: أو زد عليه قليلا نصفه. ويجوز أن تجعل الزيادة لكونها مطلقة تتمة الثلث، فيكون تخييرا بين النصف والثلث والربع. فإن قلت: أكان القيام فرضا أم نفلا؟ قلت: عن عائشة رضى الله عنها أنّ الله جعله تطوّعا بعد أن كان فريضة. وقيل: كان فرضا قبل أن تفرض الصلوات الخمس، ثم نسخ بهنّ إلا ما تطوّعوا به. وعن الحسن: كان قيام ثلث الليل فريضة، وكانوا على ذلك سنة. وقيل: كان واجبا، وإنما وقع التخيير في المقدار، ثم نسخ بعد عشر سنين. وعن الكلبي: كان يقوم الرجل حتى يصبح مخافة أن لا يحفظ ما بين النصف والثلث والثلثين، ومنهم من قال: كان نفلا بدليل التخيير في المقدار، ولقوله تعالى وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ. ترتيل القرآن: قراءته على ترسل وتؤدة بتبيين الحروف وإشباع الحركات، حتى يجيء المتلوّ منه شبيها بالثغر المرتل: وهو المفلج المشبه بنور الأقحوان، وألا يهذه هذا ولا يسرده سردا [[قوله «وأن لا يهذّه هذّا ولا يسرده» الهذ: الاسراع. والسرد: التتابع. والحقحقة: شدة السير. والألص: متقارب الأسنان. أفاده الصحاح. وفيه «الهذرمة» سرعة القراءة. (ع)]] ، كما قال عمر رضى الله عنه: شر السير الحقحقة. وشر القراءة الهذرمة، حتى يشبه المتلو في تتابعه الثغر الألص [[لم أره عنه من رواية منصور، وإنما قال أبو عبيد بن قتيبة في الغريب قال عمر «شر القراءة الهزرمة» وأخرجه الخطيب في الجامع من رواية منصور بن جعفر قال: قرأت على أبى محمد بن درستويه. قال: قرأنا على ابن قتيبة بهذا وروى ابن المبارك في الزهد من رواية الحسن قال «كان يقال: شر السير الجعجعة» ورواه ابن عدى مرفوعا من رواية الحسن بن دينار عن الحسن بن أبى هريرة. والحسن بن دينار ضعيف.]] . وسئلت عائشة رضى الله عنها عن قراءة رسول الله ﷺ؟ فقالت: لا كسردكم هذا، لو أراد السامع أن يعد حروفه لعدها. وتَرْتِيلًا تأكيد في إيجاب الأمر به، وأنه ما لا بد منه للقارئ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب