الباحث القرآني

فإن قلت: كيف اتصل به قوله أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً [[قال محمود: «فان قلت: كيف اتصال قوله أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً بما قبله ... الخ» قال أحمد: جوابه الأول سديد، وأما الثاني فغير مستقيم، فانه مقرع على المذهب الأعوج في وجوب مراعاة الصلاح والأصلح، واعتقاد أن الجزاء واجب على الله تعالى عقلا ثوابا وعقابا بمقتضى إيجاب الحكمة. وقد فرغ من إبطال هذه القاعدة]] قلت: لما أنكروا البعث قيل لهم: ألم يخلق من يضاف إليه البعث هذه الخلائق العجيبة الدالة على كمال القدرة، فما وجه إنكار قدرته على البعث، وما هو إلا اختراع كهذه الاختراعات. أو قيل لهم: ألم يفعل هذه الأفعال المتكاثرة. والحكيم لا يفعل فعلا عبثا، وما تنكرونه من البعث والجزاء مؤدّ إلى أنه عابث في كل ما فعل مِهاداً فراشا. وقرئ: مهدا. ومعناه: أنها لهم كالمهد للصبي: وهو ما يمهد له فينوّم عليه، تسمية للممهود بالمصدر، كضرب الأمير. أو وصفت بالمصدر. أو بمعنى: ذات مهد، أى: أرسيناها بالجبال كما يرسى البيت بالأوتاد سُباتاً موتا. والمسبوت: الميت، من السبت وهو القطع، لأنه مقطوع عن الحركة. والنوم: أحد التوفيين، وهو على بناء الأدواء. ولما جعل النوم موتا، جعل اليقظة معاشا، أى: حياة في قوله وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً أى: وقت معاش تستيقظون فيه وتتقلبون في حوائجكم ومكاسبكم. وقيل: السبات الراحة لِباساً يستركم عن العيون إذا أردتم هربا من عدوّ، أو بياتا له. أو إخفاء مالا تحبون الاطلاع عليه من كثير من الأمور. وكم لظلام اللّيل عندك من يد ... تخبّر أنّ المانويّة تكذب [[وكم لظلام الليل عندك من يد ... تخبر أن المانوية تكذب ووقاك ردى الأعداء تسرى إليهم ... وزارك فيه ذو الدلال المحجب لأبى الطيب. وكم خبرية للتكثير. واليد: النعمة. وتخبر: تدل مجازا مرسلا. والمانوية طائفة تنسب الخير للنور والشر للظلام، فكذبهم في البيت الأول، واستدل على ذلك، وبنى اليد في الثاني. والدلال: تمنع المحجوب مع رضاه. وتسرى: حال، والمحجب: نعت ذى الدلال، وإيضاح مسألة المانوية. أنه لم يخالف في أن الله واحد إلا الثنوية. قالوا: تجد في العالم خيرا كثيرا وشرا كثيرا، والواحد لا يكون خيرا شريرا، فلكل من الخير والشر فاعل مستقل، فالمانوية والديصانية عن الثنوية قالوا: فاعل الخير هو النور، وفاعل الشر هو الظلمة، واعتقموا أنهما جسمان قديمان حساسان سميعان بصيران. والمجوس من الثنوية أيضا قالوا: إن فاعل الخير هو: يزوان. وفاعل الشر هو: أهرمن، يعنون به الشيطان، وكل ذلك ظاهر البطلان.]] سَبْعاً سبع سماوات شِداداً جمع شديدة، يعنى: محكمة قوية الخلق لا يؤثر فيها مرور الأزمان وَهَّاجاً متلألئا وقادا، يعنى: الشمس: وتوهجت النار: إذا تلمظت [[قوله «وتوهجت النار إذا تلمظت» في الصحاح «توهجت النار» توقدت. وتوهج الجوهر: تلألأ، فقوله: فتوهجت ... الخ: يعنى جمعت بين التلألؤ بضوئها، والتوقد بحرها، فتدير. (ع)]] فتوهجت بضوئها وحرها. المعصرات: السحائب إذا أعصرت، أى: شارفت أن تعصرها الرياح فتمطر، كقولك: أجز الزرع، إذا حان له أن يجز. ومنه: أعصرت الجارية إذا دنت أن تحيض. وقرأ عكرمة: بالمعصرات، وفيه وجهان: أن تراد الرياح التي حان لها أن تعصر السحاب، وأن تراد السحائب، لأنه إذا كان الإنزال منها فهو بها، كما تقول: أعطى من يده درهما، وأعطى بيده. وعن مجاهد: المعصرات الرياح ذوات الأعاصير. وعن الحسن وقتادة: هي السماوات. وتأويله: أن الماء ينزل من السماء إلى السحاب، فكأنّ السماوات يعصرن، أى: يحملن على العصر ويمكنّ منه. فإن قلت: فما وجه من قرأ مِنَ الْمُعْصِراتِ وفسرها بالرياح ذوات الأعاصير، والمطر لا ينزل من الرياح؟ قلت: الرياح هي التي تنشئ السحاب وتدرّ أخلافه [[قوله «وتدر أخلافه» واحدها خلف: وهو ثدي الناقة، كما يفيده الصحاح. (ع)]] ، فصحّ أن تجعل مبدأ للإنزال وقد جاء أنّ الله تعالى يبعث الرياح فتحمل الماء من السماء إلى السحاب، فإن صحّ ذلك فالإنزال منها ظاهر. فإن قلت: ذكر ابن كيسان [[قوله «فان قلت ذكر ابن كيسان» لعله «ذكر عن ابن كيسان» . (ع)]] أنه جعل المعصرات بمعنى المغيثات، والعاصر هو المغيث لا المعصر. يقال: عصره فاعتصر. قلت: وجهه أن يريد اللاتي أعصرن، أى حان لها أن تعصر، أى: تغيث ثَجَّاجاً منصبا بكثرة. يقال: ثجه وثج نفسه وفي الحديث: «أفضل الحج: العجّ والثجّ» [[أخرجه الترمذي من حديث ابن عمر بمعناه. وضعفه إبراهيم بن يزيد الخرزي. وأخرجه هو وابن ماجة من روآية محمد بن المنكدر، عن عبد الرحمن ابن يربوع عن أبى بكر الصديق رضى الله عنه مرفوعا نحوه. وقال لم يسمع ابن المنكدر عن عبد الرحمن بن يربوع.]] أى رفع الصوت بالتلبية، وصب دماء الهدى. وكان ابن عباس مثجا يسبل غربا، يعنى يثج الكلام ثجا في خطبته. وقرأ الأعرج: ثجاجا. ومثاجج الماء: مصابه، والماء ينثجج في الوادي حَبًّا وَنَباتاً يريد ما يتقوّت من الحنطة والشعير وما يعتلف من التبن والحشيش، كما قال كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ، وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ. أَلْفافاً ملتفة ولا واحد له، كالأوزاع والأخياف [[قوله كالأوزاع والأضياف» في الصحاح «أوزاع من الناس» أى: جماعات. والأوزاع: بطن من همدان. وفيه «الناس أضياف» أى: مختلفون. وإخوة أضياف، إذا كانت أمهم واحدة، والآباء شتى. (ع)]] . وقيل: الواحد لف. وقال صاحب الإقليد: أنشدنى الحسن بن على الطوسي: جنّة لفّ وعيش مغدق ... وندامى كلّهم بيض زهر [[للحسن بن على الطوسي. واللف- بالكسر: - الملتف أريد به الملتفة لتكاثف أشجارها وأوراقها. والمغدق الكثير الواسع. والبيض: مجاز عن الأخبار. ويجوز أنه على ظاهره. ورجل أزهر: مشرق الوجه، فالزهر: المشرقو الوجوه، كأحمر وحمر، يعنى: أن ندماءه خبار حسان الخصال. أو بيض حسان الوجوه. والمطرد في جمع أفعل وفعلاء على فعل: سكون العين. ويجوز في الشعر ضمها فيما صحت عينه ولامه ولم يضعف كما هنا، وكما في قوله: وأنكرتنى ذوات الأعين النجل على أنه يجوز للشاعر تحريك الساكن بحركة ما قبله للوزن، ويجوز تحريكه بحركة ما بعده إذا سكن للوقف، فيكون بفتح الهاء، كغرفة وغرف.]] وزعم ابن قتيبة أنه لفاء ولف، ثم ألفاف: وما أظنه واجدا له نظيرا من نحو خضر وأخضار وحمر وأحمار، ولو قيل: هو جمع ملتفة بتقدير حذف الزوائد، لكان قولا وجيها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب