الباحث القرآني

لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا نفاجة منهم وصلف [[قوله «نفاجة منهم وصلف الخ» «نفاجة» أى تكبر. و «الصلة» مجاوزة الحد كيرا. «والراعدة» السحابة. وهذا مثل يضرب للرجل يتوعد ثم لا يقوم به. والقدح المعلى: أحد سهام الميسر يخرج للغالب اه صحاح (ع)]] تحت الراعدة، فإنهم لم يتوانوا في مشيئتهم لو ساعدتهم الاستطاعة، وإلا فما منعهم إن كانوا مستطيعين أن يشاءوا غلبة من تحدّاهم وقرعهم بالعجز، حتى يفوزوا بالقدح المعلى دونه، مع فرط أنفتهم واستنكافهم أن يغلبوا في باب البيان خاصة، وأن يماتنهم واحد، فيتعللوا بامتناع المشيئة، ومع ما علم وظهر ظهور الشمس، من حرصهم على أن يقهروا رسول الله ﷺ، وتهالكهم على أن يغمروه [[قوله «على أن يغمروه» يقال للرجل: غمره القوم، إذا علوه شرفا، كذا في الصحاح. (ع)]] . وقيل: قائله النضر بن الحرث المقتول صبراً، حين سمع اقتصاص الله أحاديث القرون: لو شئت لقلت مثل هذا. وهو الذي جاء من بلاد فارس بنسخة حديث رستم وإسفنديار فزعم أن هذا مثل ذاك، وأنه من جملة تلك الأساطير، وهو القائل إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ وهذا أسلوب من الجحود بليغ، يعنى إن كان القرآن هو الحق فعاقبنا على إنكاره بالسجيل، كما فعلت بأصحاب الفيل، أو بعذاب آخر. ومراده نفى كونه حقاً، وإذا انتفى كونه حقا لم يستوجب منكره عذاباً فكان تعليق العذاب بكونه حقا مع اعتقاد أنه ليس بحق، كتعليقه بالمحال في قولك: إن كان الباطل حقا، فأمطر علينا حجارة. وقوله: هُوَ الْحَقَّ تهكم بمن يقول على سبيل التخصيص والتعيين: هذا هو الحق. وقرأ الأعمش «هو الحق» بالرفع، على أن هو مبتدأ غير فصل. وهو في القراءة الأولى فصل. ويقال: أمطرت السماء، كقولك أنجمت وأسبلت [[قوله «أنجمت وأسبلت الخ» أنجمت: أى انكشفت نجومها. وأسبلت: أمطرت. وهتنت وهتلت: تتابع مطرها. اه صحاح (ع)]] ومطرت، كقولك: هتنت وهتلت. وقد كثر الأمطار في معنى العذاب. فإن قلت: ما فائدة قوله مِنَ السَّماءِ؟ والأمطار لا تكون إلا منها. قلت: كأنه يريد أن يقال: فأمطر علينا السجيل وهي الحجارة المسوّمة للعذاب، فوضع حِجارَةً مِنَ السَّماءِ موضع السجيل، كما تقول: صب عليه مسرودة من حديد، تريد درعاً بِعَذابٍ أَلِيمٍ أى بنوع آخر من جنس العذاب الأليم، يعنى أن أمطار السجيل بعض العذاب الأليم، فعذبنا به أو بنوع آخر من أنواعه. وعن معاوية أنه قال لرجل من سبإ ما أجهل قومك حين ملكوا عليهم امرأة! قال: أجهل من قومي قومك قالوا لرسول الله ﷺ حين دعاهم إلى الحق إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً ولم يقولوا: إن كان هذا هو الحق فاهدنا له. اللام لتأكيد النفي، والدلالة على أنّ تعذيبهم وأنت بين أظهرهم غير مستقيم في الحكمة، لأن عادة الله وقضية حكمته أن لا يعذب قوما عذاب استئصال ما دام نبيهم بين أظهرهم وفيه إشعار بأنهم مرصدون بالعذاب إذا هاجر عنهم. والدليل على هذا الإشعار قوله وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وإنما يصح هذا بعد إثبات التعذيب، كأنه قال: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم، وهو معذبهم إذا فارقتهم، وما لهم أن لا يعذبهم وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ في موضع الحال. ومعناه نفى الاستغفار عنهم: أى ولو كانوا ممن يؤمن ويستغفر من الكفر لما عذبهم، كقوله: وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون، ولكنهم لا يؤمنون ولا يستغفرون، ولا يتوقع ذلك منهم. وقيل: معناه وما كان الله معذبهم وفيهم من يستغفر، وهم المسلمون بين أظهرّهم ممن تخلف عن رسول الله ﷺ من المستضعفين، وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وأى شيء لهم في انتفاء العذاب عنهم، يعنى: لاحظّ لهم في ذلك وهم معذبون لا محالة. وكيف لا يعذبون وحالهم أنهم يصدّون عن المسجد الحرام كما صدّوا رسول الله ﷺ عام الحديبية، وإخراجهم رسول الله ﷺ والمؤمنين من الصدّ، وكانوا يقولون: نحن ولاة البيت والحرم فنصدّ من نشاء وندخل من نشاء وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ وما استحقوا مع إشراكهم وعداوتهم للدين أن يكونوا ولاة أمره وأربابه إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ من المسلمين ليس كل مسلم أيضاً ممن يصلح لأن يلي أمره، إنما يستأهل ولايته من كان برا تقياً، فكيف بالكفرة عبدة الأصنام وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ كأنه استثنى من كان يعلم وهو يعاند ويطلب الرياسة. أو أراد بالأكثر: الجميع، كما يراد بالقلة: العدم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب