الباحث القرآني

وقرئ: للنبي، على التعريف. وأسارى. ويثخن، بالتشديد. ومعنى الإثخان: كثرة القتل والمبالغة فيه، من قولهم: أثخنته الجراحات إذا أثبتته حتى تثقل عليه الحركة. وأثخنه المرض إذا أثقله من الثخانة التي هي الغلظ والكثافة، يعنى حتى يذل الكفر ويضعفه بإشاعة القتل في أهله، ويعز الإسلام ويقويه بالاستيلاء والقهر. ثم الأسر بعد ذلك. ومعنى ما كانَ ما صح له وما استقام، وكان هذا يوم بدر، فلما كثر المسلمون نزل فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً وروى أنّ رسول الله ﷺ، أتى بسبعين أسيراً فيهم العباس عمه وعقيل بن أبى طالب، فاستشار أبا بكر رضى الله عنه فيهم [[أخرجه مسلم عن ابن عباس عن عمر في حديث طويل، وقد تقدم طرف منه في أوائل السورة، وفي الباب عن أبى عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه كما سيأتى قريبا.]] فقال: قومك وأهلك استبقهم لعلّ الله أن يتوب عليهم، وخذ منهم فدية تقوى بها أصحابك. وقال عمر رضى الله عنه: كذبوك وأخرجوك فقدّمهم واضرب أعناقهم، فإنّ هؤلاء أئمة الكفر، وإن الله أغناك عن الفداء: مكن علياً من عقيل، وحمزة من العباس، ومكنى من فلان لنسيب له، فلنضرب أعناقهم. فقال ﷺ: إنّ الله ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشدّد قلوب رجال حتى تكون أشدّ من الحجارة، وإنّ مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم، قال فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ومثلك يا عمر مثل نوح، قال رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً ثم قال لأصحابه: أنتم اليوم عالة فلا يفلتن أحد منكم إلا بفداء أو ضرب عنق. وروى أنه قال لهم: إن شئتم قتلتموهم، وإن شئتم فاديتموهم، واستشهد منكم بعدّتهم، فقالوا: بل نأخذ الفداء، فاستشهدوا [[قوله «وروى أنه قال لهم: إن شئتم قتلتم وإن شئتم فاديتموهم واستشهد منكم بعدتهم: فقالوا: بلى. نأخذ الفداء فاستشهدوا بأحد» أخرجه الطبري من طريق أشعث بن سوار عن محمد بن سيرين عن عبيدة هو ابن عمرو قال «أسر المسلمون من المشركين سبعين وقتلوا سبعين، فقال رسول الله ﷺ اختاروا أن تأخذوا منهم الفداء، فتتقووا به على عدوكم ويقتل منكم سبعين، أو تقتلوهم، فقالوا: بل نأخذ الفدية منهم ويقتل منا سبعون، قال فأخذوا منهم الفدية، وقتل سبعون ورواه ابن مردويه موصولا من طريق ابن عون. عن ابن سيرين عن عبيدة عن على وزاد فيه: قال «وكان آخر السبعين ثابت بن قيس بن شماس» وروى الواقدي في المغازي من طريق يحيى ابن أبى كثير. عن على. قال «أتى جبريل النبي ﷺ يوم بدر فخيره في الأسرى. أن يضرب أعناقهم. أو يأخذ منهم الفداء ويستشهد منكم في قابل عدتهم. الحديث مع ضعفه وهو منقطع.]] بأحد: وكان فداء الأسارى عشرين أوقية، وفداء العباس أربعين أوقية. وعن محمد بن سيرين: كان فداؤهم مائة أوقية، والأوقية أربعون درهما وستة دنانير [[قوله «وكان فداء الأسارى عشرين أوقية وفداء العباس أربعين أوقية والأوقية أربعون درهما وستة دنانير» أما كون الفداء كان عشرين أوقية. فروى الطبري من طريق عبيدة بن عمر قال «كان فداء أسارى بدر مائة أوقية والأوقية أربعون درهما ومن الدنانير ستة دنانير. وأما فداء العباس رضى الله عنه. فروى ابن مردويه من طريق على وابن عباس، قال كان العباس يوم بدر أسيرا فافتدى نفسه بأربعين أوقية ذهب» وروى ابن مردويه. من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال «لما كان يوم بدر أسر سبعون فجعل عليهم رسول الله ﷺ أربعين أوقية ذهبا وجعل على عمه العباس مائة أوقية: وعلى عقيل ثمانين، فقال القرابة صنعت هذا. الحديث.]] . وروى أنهم لما أخذوا الفداء نزلت الآية، فدخل عمر على رسول الله ﷺ فإذا هو وأبو بكر يبكيان [[أخرجه أحمد والطبري. من رواية الأعمش عن عمر بن سمرة عن أبى عبيدة عن عبد الله فذكره مطولا.]] فقال: يا رسول الله أخبرنى، فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت، فقال: أبكى على أصحابك في أخذهم الفداء، ولقد عرض علىّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة- لشجرة قريبة منه- وروى أنه قال: لو نزل عذاب من السماء لما نجا منه غير عمرو سعد بن معاذ، رضى الله عنهما، لقوله كان الإثخان في القتل أحب إلىّ [[أخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق قال «لم يكن أحد من المؤمنين ممن حضر بدراً إلا أحب الغنائم غير عمر بن الخطاب فانه جعل لا يلقى أسيرا إلا ضرب عنقه وقال سعد بن معاذ: يا رسول الله الإثخان في القتل أحب إلى من استبقاء الرجال فقال رسول الله ﷺ «لو نزل من السماء عذاب لما نجا منه غير عمر بن الخطاب وسعد بن معاذ» ورواه الواقدي في المغازي من وجه آخر منقطع بمعناه. وروى ابن مردويه من حديث ابن عمر رفعه «لو نزل العذاب. ما أفلت منه إلا ابن الخطاب» .]] عَرَضَ الدُّنْيا حطامها، سمى بذلك لأنه حدث قليل اللبث، يريد الفداء وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ يعنى ما هو سبب الجنة من إعزاز الإسلام بالإثخان في القتل. وقرئ: يريدون، بالياء. وقرأ بعضهم والله يريد الآخرة، بجرّ الآخرة على حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه على حاله، كقوله: أَكُلَّ امْرِىءٍ تَحْسَبِينَ امْرَأً ... وَنَارٍ تَوَقَّدُ بِالَّليْلِ نَارَا [[لأبى دواد. وقيل لحارثة بن حمران الأيادي، وهو من أبيات الكتاب. والهمزة للاستفهام الإنكاري، يخاطب امرأة، أو نفسه، أى: لا تحسبي أن كل رجل رجل كامل، ولا تحسبي أن كل نار تتوقد في الليل نار متوقدة لقرى الضيفان، يعنى أن الرجل هو الكريم الشجاع، والنار هي نار القرى لا غير. وحذف المضاف مع بقاء المضاف إليه على حالة الاضافة مطرد، إذا عطف على مثله ليدل عليه كما هنا، وإلا فهو سماعي، بل مطرد عند الكوفيين ولو بغير عطف. ونار مجرور بمضاف محذوف، ولا يصح عطفه على امرئ. وعطف المنصوب على المنصوب لئلا يلزم العطف على معمولى عاملين مختلفين، وهما «كل» و «تحسبين» وهو ممنوع عند سيبويه ومن وافقه.]] ومعناه والله يريد عرض الآخرة. على التقابل، يعنى ثوابها وَاللَّهُ عَزِيزٌ يغلب أولياءه على أعدائه ويتكنون منهم قتلا وأسراً ويطلق لهم الفداء، ولكنه حَكِيمٌ يؤخر ذلك إلى أن يكثروا ويعزوا وهم يعجلون لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لولا حكم منه سبق إثباته في اللوح وهو أنه لا يعاقب أحد بخطإ، وكان هذا خطأ في الاجتهاد، لأنهم نظروا في أن استبقاءهم ربما كان سبباً في إسلامهم وتوبتهم، وأنّ فداءهم يتقوّى به على الجهاد في سبيل الله، وخفى عليهم أن قتلهم أعز للإسلام وأهيب لمن وراءهم وأفل لشوكتهم. وقيل كتابه أنه سيحل لهم الفدية التي أخذوها. وقيل: إن أهل بدر مغفور لهم. وقيل: إنه لا يعذب قوماً إلا بعد تأكيد الحجة وتقديم النهى، ولم يتقدم نهى عن ذلك فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ روى أنهم أمسكوا عن الغنائم ولم يمدّوا أيديهم إليها، فنزلت. وقيل: هو إباحة للفداء، لأنه من جملة الغنائم وَاتَّقُوا اللَّهَ فلا تقدموا على شيء لم يعهد إليكم فيه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب