الباحث القرآني

الثَّلاثَةِ كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية. ومعنى خُلِّفُوا خلفوا عن الغزو. وقيل: عن أبى لبابة وأصحابه حيث تيب عليهم بعدهم. وقرئ خُلِّفُوا أى خلفوا الغازين بالمدينة، أو فسدوا من الخالفة وخلوف الفم [[قوله «أو فسدوا من الخالفة وخلوف الفم» الخالفة: الذي لا خير فيه. وخلوف الفم: تغيره: اه من الصحاح. (ع)]] . وقرأ جعفر الصادق رضى الله عنه: خالفوا. وقرأ الأعمش: وعلى الثلاثة المخلفين بِما رَحُبَتْ برحبها، أى: مع سعتها، وهو مثل للحيرة في أمرهم، كأنهم لا يجدون فيها مكاناً يقرّون فيه قلقاً وجزعا مما هم فيه وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ أى قلوبهم، لا يسعها أنس ولا سرور، لأنها حرجت من فرط الوحشة والغمّ وَظَنُّوا وعلموا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ سخط اللَّهِ إِلَّا إلى استغفاره ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ثم رجع عليهم بالقبول والرحمة كرّة بعد أخرى، ليستقيموا على توبتهم ويثبتوا، وليتوبوا أيضاً فيما يستقبل إن فرطت منهم خطيئة، علماً منهم أن الله تواب على من تاب ولو عاد في اليوم مائة مرة. روى أن ناساً من المؤمنين تخلفوا عن رسول الله ﷺ. منهم من بدا له وكره مكانه فلحق به. عن الحسن: بلغني أنه كان لأحدهم حائط كان خيراً من مائة ألف درهم فقال: يا حائطاه، ما خلفنى إلا ظلك وانتظار ثمرك، اذهب فأنت في سبيل الله. ولم يكن لآخر إلا أهله فقال: يا أهلاه ما بطأنى ولا خلفنى إلا الضنّ بك لا جرم، والله لأكابدنّ المفاوز حتى ألحق برسول الله، فركب ولحق به. ولم يكن لآخر إلا نفسه لا أهل ولا مال، فقال يا نفس ما خلفنى إلا حب الحياة لك والله لأكابدنّ الشدائد حتى ألحق برسول الله، فتأبط زاده ولحق به. قال الحسن: كذلك والله المؤمن يتوب من ذنوبه ولا يصر عليها. وعن أبى ذرّ الغفاري: أن بعيره أبطأ به فحمل متاعه على ظهره واتبع أثر رسول الله ﷺ ماشياً، فقال رسول الله ﷺ لما رأى سواده: كن أبا ذرّ، فقال الناس: هو ذاك، فقال: «رحم الله أبا ذرّ، يمشى وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده» [[أخرجه ابن إسحاق في المغازي والحاكم والبيهقي في الدلائل، قال: حدثني بريدة بن سفيان عن محمد بن كعب القرظي عن عبد الله بن مسعود قال «لما سار رسول الله ﷺ إلى تبوك جعل لا يزال الرجل يتخلف- فذكره مطولا»]] وعن أبى خيثمة [[أخرجه ابن سعد بهذا بغير سند. وذكره الواقدي في المغازي حدثنا محمد بن رفاعة بن ثعلبة بن أبى مالك عن أبيه عن جده قال سألت زيد بن ثابت عن غزوة تبوك. فذكر القصة الطويلة وفيه وكان أبو خيثمة ويسمى عبد الله ابن خيثمة- السالمى رجع بعد أن سار رسول الله ﷺ عشرة أيام، حتى دخل على امرأتين له في يوم حار- فذكره وأخرجه ابن إسحاق في المغازي والحاكم والبيهقي من طريقه قال حدثني عبد الله بن أبى بكر بن عمرو بن حزم «أن أبا خيثمة سالم- فذكره. وله طريق أخرى عند الطبراني من طريق إبراهيم بن سعد بن خيثمة حدثنا أبى عن أبيه قال: تخلفت عن رسول الله ﷺ في غزوة تبوك، حتى مضى رسول الله ﷺ فدخلت حائطا- فذكر الحديث نحوه» وفي الصحيحين في حديث كعب بن مالك الطويل «فلما بلغ تبوك قال النبي ﷺ: ما فعل كعب بن مالك فذكر الحديث وفيه: فبينما هم كذلك إذا هم برجل يزول به السراب. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم كن أبا خيثمة فإذا هو أبو خيثمة.]] أنه بلغ بستانه وكانت له امرأة حسناء، فرشت له في الظل، وبسطت له الحصير، وقربت إليه الرطب والماء البارد، فنظر فقال: ظل ظليل، ورطب يانع، وماء بارد، وامرأة حسناء، ورسول الله ﷺ في الضحّ والريح [[قوله «في الضح والريح» الضح الشمس. ويزهاه السراب: يرفعه اه من الصحاح. (ع)]] : ما هذا بخير، فقام فرحل ناقته وأخذ سيفه ورمحه ومرّ كالريح، فمدّ رسول الله ﷺ طرفه إلى الطريق، فإذا براكب يزهاه السراب فقال: كن أبا خثيمة فكأنه. ففرح به رسول الله ﷺ واستغفر له. ومنهم من بقي لم يلحق به، منهم الثلاثة قال كعب: لما قفل رسول الله ﷺ سلمت عليه فردّ علىّ كالمغضب بعد ما ذكرني وقال: ليت شعري ما خلف كعباً؟ فقيل له: ما خلفه إلا حسن برديه والنظر في عطفيه. فقال: معاذ الله ما أعلم إلا فضلا وإسلاماً [[متفق عليه من حديث عبد الله بن كعب بن مالك عن كعب بن مالك مطولا، وقال فيه فقال رجل من بنى سلمة حبسه برداه فقال معاذ بن جبل: بئسما قلت- الحديث» قال المخرج: الوهم فيه من المصنف. وأخرجه أحمد وفيه: فقال رجل من قومي يا رسول الله خلفه برداه والنظر في عطفيه» وأفاد الواقدي في المغازي: أن الذي قال ذلك عبد الله بن قيس.]] ونهى عن كلامنا أيها الثلاثة، فتنكر لنا الناس ولم يكلمنا أحد من قريب ولا بعيد، فلما مضت أربعون ليلة أمرنا أن نعتزل نساءنا ولا نقربهنّ، فلما تمت خمسون ليلة إذا أنا بنداء من ذروة سلع [[قوله «من ذروة سلع» سلع هو جبل بالمدينة، اه من الصحاح. (ع)]] : أبشر يا كعب بن مالك، فخررت ساجداً وكنت كما وصفني ربى ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وتتابعت البشارة، فلبست ثوبي وانطلقت إلى رسول الله ﷺ فإذا هو جالس في المسجد وحوله المسلمين، فقام إلىّ طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحنى وقال: لتهنك توبة الله عليك، فلن أنساها لطلحة، وقال رسول الله ﷺ وهو يستنير استنارة القمر: «أبشر يا كعب بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمّك» ثم تلا علينا الآية. وعن أبى بكر الورّاق أنه سئل عن التوبة النصوح فقال: إن تضيق على التائب الأرض بما رحبت، وتضيق عليه نفسه، كتوبة كعب بن مالك وصاحبيه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب