الباحث القرآني

مواطن الحرب: مقاماتها ومواقفها [[قال محمود: «مواطن الحرب مقاماتها ومواقفها ... الخ» قال أحمد: لا مانع- والله أعلم- من عطف الظرفين المكاني والزمانى أحدهما على الآخر، كعطف أحد المفعولين على الآخر والفعل واحد، إذ يجوز أن تقول ضرب زيد عمرا في المسجد ويوم الجمعة، كما تقول: ضربت زيداً وعمرا، ولا يحتاج إلى إضمار فعل جديد غير الأول، هذا مع أنه لا بد من تغاير الفعلين الواقعين بالمفعولين في الحقيقة، فإنك إذا قلت: أضرب زيدا اليوم وعمراً غداً، لم يشك في أن الضربين متغايران بتغاير الظرفين، ومع ذلك الفعل واحد في الصناعة. فعلى هذا يجوز في الآية- والله أعلم- بقاء كل واحد من الظرفين على حاله غير مؤول إلى الآخر، على أن الزمخشري أوجب تعدد الفعل وتقدير ناصب لظرف الزمان غير الفعل الأول. وإن كانا عنده جميعاً زمانين، لعلة أن كثرتهم لم تكن ثابتة في جميع المواطن. يريد: ولو ذهبت إلى اتحاد الناصب للزم ذلك، وهذا غير لازم. ألا تراك لو قلت: أضرب زيداً حين يقوم وحين يقعد، لكان الناصب للظرفين واحداً وهما متغايران، وإنما يمتنع عمل الفعل الواحد في ظرفى زمان مختلفين عند عدم العطف المتوسط بينهما، والله أعلم.]] قال:. وَكَمْ مَوْطِنٍ لَوْلَاىَ طُحْتَ كَمَا هَوَي ... بِأَجْرَامِهِ مِنْ قُلَّةِ النِّيقِ مُنْهَوِى [[تكاشرنى كرها كأنك ناصح ... وعينك تبدى أن صدرك لي دوى لسانك ماذي وعينك علقم ... وشرك مبسوط وخيرك منطوى فليت كفافاً كان خيرك كله ... وشرك عنى ما ارتوى الماء مرتوى وكم موطن لولاى طحت كما هوى ... بأجرامه من قلة النيق منهوى جمعت وفحشا غيبة ونميمة ... ثلاث خصال لست عنها بمرعوى ليزيد بن الحكم بن أبى العاص الثقفى. والمكاشرة: المضاحكة، واختارها في التعبير إشارة إلى أنها ليست مضاحكة حقيقة يوافقها القلب، وإنما هي إظهار الأسنان فقط أمامه ليريه أنه ناصح الرجل كمرض فسد قلبه، ودوى أى خالص المودة. ودوى صدر «أيضاً حقد، فهو دوى بالتخفيف كعمي، أو التشديد كغنى، على فعل أو فعيل، وعلى التشديد فتخفيفه للوزن. و «الماذي» عسل النحل لأنه يمذى منها، وتسمى الخمرة ماذية لسهولتها. و «العلقم» الحنظل وكل شجر مر وكل شيء مر، أى لسانك كالعسل في حلاوة الكلام. وعينك كالعلقم في كراهية النفس ونفرتها عن كل، حيث تنظر لي نظر الحسود المغتاظ، وشبه الشر والخير ببساطين على سبيل المكنية، والبسط والطى تخييل. واسم ليت ضمير الشأن أو ضمير المخاطب محذوفا، وخيرك اسم كان، وكفافا خبرها. وشرك عطف على خيرك. ويجوز أنه من باب التنازع عن من أجازه في الحروف، لأن «ليت» مقتضية للعمل في خيرك، و «كان» مقتضية للعمل فيه، فأعمل فيه الثاني وحذف ضميره من الأول، لأنه وإن كان عمدة، مشبهة للفضلة في نصبه، وكما أجاز حذفه الكوفيون في باب كان وباب ظن، نعلمه من مفسره، أى: فليت الحال والشأن كان خيرك كله وشرك، كفافا: بالفتح، أى مغنيا كافياً لك عنى، ولو كسر «كفافا» على أنه مفاعلة من الكف لجاز، ويكون المصدر بمعنى اسم الفاعل، مبالغة: أى كافا لك، أو منكفا عنى ما دام «مرتو» يرتوى الماء، أى: يستقيه، يعنى دائما، وكم: خبرية للتكثير، أى كثير من مواطن الحرب لولا وجودى لطحت بكسر الطاء وضمها من باب باع، وقال: أى هلكت فيها كما هوى منهو، أى سقط ساقط من قلة النيق. ويروى: قنة النيق، والمعنى واحد، أى: من رأس الجبل العالي، ومذهب سيبويه أن «لولا» حرف جر إذا وليها ضمير نصب، ومذهب الأخفش أنه وضع ضمير النصب موضع ضمير الرفع على الابتداء، وأنكر المبرد وروده، وهو محجوج بهذا. وقال أبو على الفارسي: الفعل ومطاوعه قد يكونان لازمين معا، كهوى وانهوى، وغوى وانغوى، بدليل نحو هذا البيت. وحمله الجمهور على الضرورة. والقياس: هاو وغاو. وبعضهم على أنهما مطاوعان لأهديته وأغويته، لكن مطاوعه: انفعل لا فعل شاذة، ولو قيل: انهوى مطاوع لهوى به لجاز. لكنه ليس قياسياً، ثم قال له: جمعت غيبة ونميمة وفحشا، فقدم المعطوف للضرورة. وجعله ابن جنى مفعولا معه، وأجاز تقديمه على مصاحبه ممسكا بذلك، ويمكن أن يكون ضرورة أيضاً. وفيه إشارة من أول وهلة إلى إرادة التعدد والتكثير وثلاث خصال بدل مما قبله، ولست عنها: أى لست بمنزجر عنها، فقدم المعمول للاهتمام، والياء في القافية للإطلاق.]] وامتناعه من الصرف لأنه جمع، وعلى صيغة لم يأت عليها واحد، والمواطن الكثيرة: وقعات بدر، وقريظة، والنضير، والحديبية، وخيبر، وفتح مكة. فإن قلت: كيف عطف الزمان والمكان وهو يَوْمَ حُنَيْنٍ على المواطن؟ قلت: معناه وموطن يوم حنين. أو في أيام مواطن كثيرة ويوم حنين. ويجوز أن يراد بالموطن الوقت كمقتل الحسين، على أنّ الواجب أن يكون يوم حنين منصوباً بفعل مضمر لا بهذا الظاهر. وموجب ذلك أنّ قوله إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ بدل من يوم حنين، فلو جعلت ناصبه هذا الظاهر لم يصح، لأنّ كثرتهم لم تعجبهم في جميع تلك المواطن [[قوله «لم تعجبهم في جميع تلك المواطن» إنما يلزم كون كثرتهم أعجبتهم في جميعها، مع أنه خلاف الواقع لو جعل إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ بدلا من المواطن أيضاً، فتدبر. (ع)]] ولم يكونوا كثيراً في جميعها، فبقى أن يكون ناصبه فعلا خاصاً به، إلا إذا نصبت «إذ» بإضمار «اذكر» وحنين: واد بين مكة والطائف، كانت فيه الوقعة بين المسلمين وهم اثنا عشر ألفاً الذين حضروا فتح مكة، منضما إليهم ألفان من الطلقاء، وبين هوازن وثقيف وهم أربعة آلاف فيمن ضامّهم من إمداد سائر العرب فكان الجمّ الغفير، فلما التقوا قال رجل من المسلمين: لن نغلب اليوم من قلة، فساءت رسول الله ﷺ. وقيل قائلها رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم. وقيل أبو بكر رضى الله عنه [[لم أجده بهذا السياق وقوله: إن رسول الله ﷺ قالها: قد ورد أنه قال «لن تغلب اثنا عشر ألفا عن قلة» في حديث غير هذا. وأما هذا فان كان المصنف وقع على شيء من ذلك فما كان قوله «وأدركتهم كلمة الاعجاب بالكثرة ونزل عنهم إلى آخره بلائق. وأما قوله «وقيل قالها أبو بكر» فلم أقف عليه وقوله «ومن هوازن وثقيف وفي أربعة آلاف غلام مسح» والصواب أن هوازن وثقيفا كانوا من المشركين والذي في مسلم من حديث العباس «شهدت مع رسول الله ﷺ يوم حنين- فذكرت القصة، وفيها تغير ونقص عما ساقه المصنف وليس فيها «فخذا فخذا» وإنما فيه «أن عباسا نادى أصحاب السمرة ونادى أصحاب الشجرة. قال فعطوا عطف البقرة على أولادها، وروى يونس بن بكر في زيادة المغازي عن أبى جعفر الرازي بن الربيع يعنى ابن أنس «أن رجلا قال يوم حنين: لن نغلب اليوم من قلة. فشق ذلك على رسول الله ﷺ فأنزل الله- وذكر الآية قال الربيع وكانوا اثنى عشر ألفا منهم ألفان من أهل مكة.]] وذلك قوله إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فاقتتلوا قتالا شديداً وأدركت المسلمين كلمة الإعجاب بالكثرة، وزلّ عنهم أن الله هو الناصر لا كثرة الجنود فانهزموا حتى بلغ فلهم مكة، وبقي رسول الله ﷺ وحده وهو ثابت في مركزه لا يتحلحل، ليس معه إلا عمه العباس رضى الله تعالى عنه آخذ بلجام دابته وأبو سفيان بن الحرث ابن عمه، وناهيك بهذه الوحدة شهادة صدق على تناهى شجاعته ورباطة جأشه [[قوله «ورباطة جأشه» الجأش: رواع القلب عند الفزع. ورابط الجأش: من يربط نفسه عن الفرار لشجاعته. (ع)]] ﷺ، وما هي إلا من آيات النبوّة، وقال: يا رب ائتني بما وعدتني. وقال ﷺ للعباس- وكان صيتا: صيح بالناس، فنادى الأنصار فخذاً فخذاً، ثم نادى: يا أصحاب الشجرة، يا أصحاب البقرة، فكرّوا عنقاً واحداً [[قوله «عنقا واحدا» ويقال هم عنق إليك أى مائلون إليك كذا في الصحاح. (ع)]] وهم يقولون: لبيك لبيك، ونزلت الملائكة عليهم البياض على خيول بلق، فنظر رسول الله ﷺ إلى قتال المسلمين فقال: هذا حين حمى الوطيس، ثم أخذ كفا من تراب فرماهم به ثم قال: انهزموا ورب الكعبة فانهزموا، قال العباس: لكأنى أنظر إلى رسول الله ﷺ يركض. خلفهم على بغلته بِما رَحُبَتْ ما مصدرية، والباء بمعنى مع، أى مع رحبها [[قوله «مع رحبها» في الصحاح «الرحب» بالضم: السعة. (ع)]] وحقيقته ملتبسة برحبها، على أنّ الجارّ والمجرور في موضع الحال، كقولك: دخلت عليه بثياب السفر، أى ملتبسا بها لم أحلها، تعنى مع ثياب السفر. والمعنى: لا تجدون موضعا تستصلحونه لهربكم إليه ونجاتكم لفرط الرعب، فكأنها ضاقت عليكم ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ثم انهزمتم سَكِينَتَهُ رحمته التي سكنوا بها وآمنوا وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ الذين انهزموا. وقيل: هم الذين ثبتوا مع رسول الله ﷺ حين وقع الهرب وَأَنْزَلَ جُنُوداً يعنى الملائكة، وكانوا ثمانية آلاف، وقيل خمسة آلاف، وقيل ستة عشر ألفا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا بالقتل والأسر، وسبى النساء والذراري ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ أى يسلم بعد ذلك ناس منهم. وروى أنّ ناسا منهم جاءوا فبايعوا رسول الله ﷺ على الإسلام وقالوا: يا رسول الله، أنت خير الناس وأبرّ الناس وقد سبى أهلونا وأولادنا وأخذت أموالنا. قيل: سى يومئذ ستة آلاف نفس، وأخذ من الإبل والغنم مالا يحصى، فقال: إنّ عندي ما ترون، إنّ خير القول أصدقه، اختاروا: إما ذراريكم ونساءكم، وإما أموالكم. قالوا: ما كنا نعدل بالأحساب شيئا. فقام رسول الله ﷺ فقال: إن هؤلاء جاءوا مسلمين، وإنا خيرناهم بين الذراري والأموال فلم يعدلوا بالأحساب شيئا، فمن كان بيده شيء وطابت نفسه أن يردّه فشأنه، ومن لا فليعطنا وليكن قرضا علينا حتى نصيب شيئا فنعطيه مكانه. قالوا: رضينا وسلمنا، فقال: إنى لا أدرى لعل فيكم من لا يرضى، فمروا عرفاءكم فليرفعوا ذلك إلينا، فرفعت إليه العرفاء أن قد رضوا [[ذكره الثعلبي بغير سند وهذه القصة قد ذكرها ابن إسحاق في المغازي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بطوله، وذكرها البخاري من رواية الزهري عن عروة عن المسور ومروان، ورواها الطبري وغيره من رواية زهير ابن حرد، وفيه الشعر الذي أنشده زهير.]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب