الباحث القرآني

إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ يعنى المنافقين، وكانوا تسعة وثلاثين رجلا يَتَرَدَّدُونَ عبارة عن التحير، لأن التردّد ديدن المتحير، كما أنّ الثبات والاستقرار ديدن المستبصر. قرئ: عدّه، بمعنى عدّته، فعل بالعدّة ما فعل بالعدة من قال: وَأَخْلَفُوكَ عِدَ الأَمْرِ الَّذِى وَعَدُوا [[مر شرح هذا الشاهد بالجزء الأول صفحة 323 فراجعه إن شئت اه مصححه]] من حذف تاء التأنيث، وتعويض المضاف إليه منها. وقرئ: عدّة، بكسر العين بغير إضافة، وعدّه بإضافة. فإن قلت: كيف موقع حرف الاستدراك؟ قلت: لما كان قوله وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ معطياً معنى نفى خروجهم واستعدادهم للغزو. قيل وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ كأنه قيل: ما خرجوا ولكن تثبطوا عن الخروج لكراهة انبعاثهم، كما تقول: ما أحسن إلىّ زيد، ولكن أساء إلىّ فَثَبَّطَهُمْ فكسلهم وخذلهم وضعف رغبتهم في الانبعاث وَقِيلَ اقْعُدُوا جعل إلقاء الله في قلوبهم كراهة الخروج أمراً بالقعود. وقيل: هو قول الشيطان بالوسوسة. وقيل: هو قولهم لأنفسهم. وقيل: هو إذن رسول الله ﷺ لهم في القعود. فإن قلت: كيف جاز أن يوقع الله تعالى في نفوسهم كراهة الخروج إلى الغزو وهي قبيحة، وتعالى الله عن إلهام القبيح [[قال محمود: «إن قلت كيف جاز أن يوقع الله في نفوسهم كراهة الخروج للغزو ... الخ» قال أحمد: وهذا الفصل من كلامه مبنى على قاعدتين فاسدتين: إيجاب مراعاة المصالح على الله تعالى، والتحسين والتقبيح. وقد تكرر بطلان ذلك فاحذره. واعلم أن معتقد أهل السنة أن الله تعالى ألقى كراهة الخروج في قلوبهم، لأنه أراد شقاوتهم، وانضاف إلى ذلك إرادة راحة المخلصين من مرافقتهم، إذ الأمر ليس شرطا في نفوذ المشيئة، والله الموفق.]] ؟ قلت: خروجهم كان مفسدة، لقوله لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا فكان إيقاع كراهة ذلك الخروج في نفوسهم حسناً ومصلحة. فإن قلت: فلم خطأ رسول الله ﷺ في الإذن لهم فيما هو مصلحة؟ قلت: لأنّ إذن رسول الله ﷺ لهم لم يكن للنظر في هذه المصلحة ولا علمها إلا بعد القفول بإعلام الله تعالى، ولكن لأنهم استأذنوه في ذلك واعتذروا إليه، فكان عليه أن يتفحص عن كنه معاذيرهم ولا يتجوّز في قبولها، فمن ثم أتاه العتاب. ويجوز أن يكون في ترك رسول الله ﷺ الإذن لهم مع تثبيط الله إياهم مصلحة أخرى، فبإذنه لهم فقدت تلك المصلحة، وذلك أنهم إذا ثبطهم الله فلم ينبعثوا وكان قعودهم بغير إذن من رسول الله ﷺ قامت عليهم الحجة ولم تبق لهم معذرة. ولقد تدارك الله ذلك حيث هتك أستارهم وكشف أسرارهم وشهد عليهم بالنفاق، وأنهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر. فإن قلت: ما معنى قوله مَعَ الْقاعِدِينَ؟ [[عاد كلامه. قال: «فان قلت فما معنى قوله مع القاعدين ... الخ» قال أحمد: وهذا من تنبيهاته الحسنة، ونزيده بسطاً فنقول: لو قيل اقعدوا مقتصراً عليه، لم يفد سوى أمرهم بالقعود، وكذلك: كونوا مع القاعدين، ولا تحصل هذه الفائدة مع إلحاقهم بهؤلاء الأصناف الموصوفين عند الناس بالتخلف والتقاعد، الموسومين بهذه السمة، إلا من عبارة الآية، ولعن الله فرعون: لقد بالغ في توعد موسى عليه السلام بقوله: لأجعلنك من المسجونين، ولم يقل: لأجعلنك مسجونا، لمثل هذه النكتة من المبالغة]] قلت: هو ذمّ لهم وتعجيز، وإلحاق بالنساء والصبيان والزمنى الذين شأنهم القعود والجثوم في البيوت، وهم القاعدون والخالفون والخوالف، ويبينه قوله تعالى رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ. إِلَّا خَبالًا ليس من الاستثناء المنقطع في شيء كما يقولون لأن الاستثناء المنقطع هو أن يكون المستثنى من غير جنس المستثنى منه، كقولك: ما زادوكم خيراً إلا خبالا، والمستثنى منه في هذا الكلام غير مذكور، وإذا لم يذكر وقع الاستثناء من أعم العام الذي هو الشيء، فكان استثناء متصلا، لأنّ الخبال بعض أعمّ العام، كأنه قيل: ما زادوكم شيئاً إلا خبالا. والخبال، الفساد والشرّ وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ ولسعوا بينكم بالتضريب [[قوله «بالتضريب» أى بالإغراء. (ع)]] والنمائم وإفساد ذات البين. يقال: وضع البعير وضعاً إذا أسرع وأوضعته أنا. والمعنى: ولأوضع ركائبهم بينكم، والمراد الإسراع بالنمائم، لأنّ الراكب أسرع من الماشي. وقرأ ابن الزبير رضى الله عنه: ولأرقصوا، من رقصت الناقة رقصاً إذا أسرعت وأرقصتها. قال: وَالرَّاقِصَات إلَى مِنْى فَالغَبْغَبِ وقرئ: ولأوفضوا. فإن قلت: كيف خطّ في المصحف: ولا أوضعوا، بزيادة ألف؟ قلت: كانت الفتحة تكتب ألفاً قبل الخط العربي، والخط العربي اخترع قريباً من نزول القرآن، وقد بقي من ذلك الألف أثر في الطباع، فكتبوا صورة الهمزة ألفاً، وفتحتها ألفاً أخرى، ونحو: أو لا أذبحنه. يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ يحاولون أن يفتنوكم. بأن يوقعوا الخلاف فيما بينكم ويفسدوا نياتكم في مغزاكم وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ أى نمامون يسماعون حديثكم فينقلونه إليهم. أو فيكم قوم يسماعون للمنافقين ويطيعونهم لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ أى العنت ونصب الغوائل والسعى في تشتيت شملك وتفريق أصحابك عنك، كما فعل عبد الله بن أبىّ يوم أحد حين انصرف بمن معه وعن ابن جريج رضى الله عنه: وقفوا لرسول الله ﷺ على الثنية ليلة العقبة وهم اثنا عشر رجلا ليفتكوا به مِنْ قَبْلُ من قبل غزوة تبوك وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ ودبروا لك الحيل والمكايد، ودوّروا الآراء في إبطال أمرك. وقرئ: وقلبوا بالتخفيف حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وهو تأييدك ونصرك وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وغلب دينه وعلا شرعه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب