قوله تعالى: ﴿وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ﴾ كقوله: ﴿كَيْفَ تُحْيِي الموتى﴾ [البقرة: 260] وقد تقدم.
[قولُه:] «وعنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ» «الواوُ» للحالِ، و «التوراة» يجوزُ أن تكون مُبْتدأ والظرفُ خَبَرُه، ويجوزُ أنْ يكونَ الظرفُ حالاً، و «التوراةُ» فاعلٌ بِهِ لاعتمادِهِ على ذِي الحالِ.
والجملةُ الاسميَّةُ أو الفعليَّةُ في محلِّ نَصْبٍ على الحالِ.
وقوله: ﴿فِيهَا حُكْمُ الله﴾ ، «فيها» خَبَرٌ مقدمٌ، و «حُكْمُ» مبتدأ، أو فاعِلٌ كما تقدم في «التوراةِ» ، والجملةُ حالٌ من «التوراةِ» ، أو الجار وحدَهُ، و «حُكْمُ» مصدرٌ مضافٌ لفاعلِهِ.
وأجاز الزمخشريُّ: ألاَّ يكون لها مَحَل من الإعراب، بل هي مُبَيِّنةٌ؛ لأنَّ عندَهُم ما يُغنيهم عن التحكيمِ، كما تقولُ: «عندك زيدٌ يَنْصَحُك، ويُشيرُ عليك بالصَّوابِ، فما تصنعُ بِغَيْره؟» .
وقولُه تعالى: «ثُمَّ يَتولّونَ» معطوفٌ على «يُحَكِّمونَكَ» ، فهو في سياقِ التعجُّب المفهُومِ مِن «كَيْفَ» وذلك إشارةٌ إلى حُكْمِ الله الذي في التوراة، ويجوزُ أن يَعُودَ إلى التحكيم والله أعلم.
فصل
هذا تعجُّبٌ من اللَّهِ لنبيه [عليه الصلاةُ والسلامُ] مِنْ تحكيمِ اليهُودِ إياهُ بعد علمهم بما في التوراةِ مِنْ حدِّ الزَّانِي، ثُم تركِهِمْ قبولَ ذلك الحُكْم فيتعدلُونَ عما يعتَقدُونَه حُكْماً [حقاً] إلى ما يعتقدُونه باطِلاً طلباً للرخْصةِ فظهر جهلهم وعنادهُم من وُجُوه:
أحدُها: عُدُولُهُمْ عن حُكْمِ كتابِهِم.
والثاني: رجوعُهم إلى حكمِ مَنْ كانوا يعتقدون أنه مُبطلٌ.
والثالث: إعراضُهم عن حكمه بعد أن حكَّموه، فبينَ الله تعالى حال جهلهم وعنادهم؛ لَئِلا يَغْتَرَّ مُغْترٌّ أنهم أهلُ كتابِ الله ومن المحافظِينَ على أمْر الله.
ثُمَّ قال تعالى: ﴿وَمَآ أولئك بالمؤمنين﴾ أيْ بالتوراةِ وإنْ كانوا يُظْهِرُون الإيمانَ بها، وقِيلَ: هذا إخبارٌ بأنهم لا يُؤمنونَ أبَداً، وهو خَبَرٌ عن المستأنفِ لا عَنِ الماضِي.
وقِيلَ: إنَّهمَ وَإنْ طلبُوا الحكمَ مِنْك فما هُم بمؤمِنينَ بِكَ، ولا بالمعتقدينَ في صِحّةِ حُكْمكَ.
{"ayah":"وَكَیۡفَ یُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ ٱلتَّوۡرَىٰةُ فِیهَا حُكۡمُ ٱللَّهِ ثُمَّ یَتَوَلَّوۡنَ مِنۢ بَعۡدِ ذَ ٰلِكَۚ وَمَاۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ"}