الباحث القرآني

اختلف النحويون في "إياك وإياه وإياي"؛ فللبصريين فيها قولان: - أحدهما: أن "إيا" اسم مضمر أضيف إلى ما بعده للبيان لا للتعريف. ولا يعرف في كلام العرب اسم مضمر مضاف إلى ما بعده غير هذا. وحكى الخليل عن العرب: "إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب". فأضاف "إيا" إلى الشواب للبيان. - والقول الثاني: مروي عن المبرد قال: "إن "إيا" اسم مبهم أضيف للتخصيص لا للتعريف، ولا يعرف في كلام العرب اسم مبهم أضيف إلى ما بعده غير هذا". وللكوفيين في هذا أيضاً ثلاثة أقوال. - حكى ابن كيسان وغيره. عنهم أن "إياك" بكماله اسم مضمر، ولا يعرف اسم مضمر يتغير آخره غيره، فتقول: "إياه وإياك وإياي". - والقول الثاني: إن الكاف والهاء والياء، هن الاسم المضمر في "إياك وإياه وإياي"، لكنه اسم لا يقوم بنفسه ولا ينفرد ولا يكون إلا متصلاً بما قبله من الأفعال، فلما تقدم على الفعل لم يقم بنفسه فجعل "إيا" عماداً له ليتصل به، ولو أخرت لا تصل المضمر بالفعل واستغنيت عن "إيا" فقلت: "نعبده" و "نعبدك". وهو اختيار ابن كيسان. - والقول الثالث: حكاه أيضاً ابن كيسان؛ وهو أن "إيا" اسم مبهم يكنى به عن المنصوب وزيدت إليه الكاف والهاء والياء في: إياك وإياه وإياي". "ليعلم المخاطب من الغائب من المُخْبِر عن نفسه ولا موضع للكاف والهاء والياء من الإعراب، فهي كالكاف في "ذلك" وأرأيتك زيداً ما صنع". ذكر معنى جميع ذلك ابن كيسان في كتابه في تفسير القرآن وإعرابه ومعانيه. والعبادة في اللغة التذلل بالطاعة والخضوع. فمعنى ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾: نذل لك ونخضع بالعبادة لك ونستعين بك على ذلك. وإنما قدم ﴿نَعْبُدُ﴾ على ﴿نَسْتَعِينُ﴾ وقد علم أن الاستعانة قبل العبادة، والعمل لا يقوم إلا بعون الله، لأن العبادة لا سبيل إليها إلا بالمعونة، والمعان على العبادة لا يكون إلا عابداً. فكل واحد مرتبط بالآخر: لا عمل إلا بمعونة ولا معونة إلا تتبعها عبادة، فلم يكن أحدهما أولى بالتقديم من الآخر، وأيضاً فإن الواو لا توجب ترتيباً عند أكثر النحويين. وأما علة تكرير ﴿إِيَّاكَ﴾ فمن أجل اختلاف الفعلين إذ أحدهما عبادة والآخر استعانة. وقيل: كرر للتأكيد كما تقول: "المال بين زيد وعمرو، بين زيد وبين عمرو"، فتعيد "بين" للتأكيد. * * * قوله: ﴿نَسْتَعِينُ﴾. أصله "نَسْتَعْوِنُ" على وزن "نَسْتَفْعِلُ" من العون. والمصدر منه استعانة، وأصله استعواناً، فقلبت حركة الواو على العين، فلما انفتح ما قبل الواو - وهي في نية حركة - انقلبت ألفاً، فالتقى ألفان، فحذفت إحداهما لالتقاء الساكنين. فقيل: المحذوفة الثانية لأنها زائدة، والأولى أصلية. وقيل: بل المحذوفة الأولى لأن الثانية تدل على معنى ولزمته الهاء عوضاً من الألف المحذوفة. والنون الأولى في ﴿نَسْتَعِينُ﴾ يجوز فيها الكسر لغة مشهورة وكذلك التاء والهمزة في قولك: "أنْتَ تَسْتَعِين وأنا أسْتَعينُ". وإنما ذلك في كل فعل سمي فاعله فيه زوائد أو مما يأتي من الثلاثي على "فَعِلَ، يَفْعَلُ" بفتح العين في المستقبل، وكسرها في الماضي نحو: "أنت تعلم وأنا أعلم".
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب