الباحث القرآني

قوله: ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ﴾ إلى قوله ﴿خَالِدُونَ﴾ والمعنى: للذين أحسنوا عبادة الله عز وجل في الدنيا الحسنى وهي الجنة، (وزيادة)، يعني: النظر إلى وجهه جل ذكره، روي ذلك (عن) عامر بن سعد عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وروى صهيب أن رسول الله قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار نادى منادٍ: يا أهل الجنة إنَّ لكم عند الله موعداً، يريد أن يُنْجِزَكُمُوهُ، فيقولون: ما هو؟ ألم يثقل الله موازيننا، ويبيّض وجوهنا، ويدخلنا الجنة، وينجنا من النار. فَيُكْشَفُ الحجاب، وينظرون إليه جلَّ ذكره. قال: فوالله ما أعطاهم الله شيئاً أحب إليهم من ذلك). وهذا القول قول أبي موسى الأشعري، وحذيفة، قاله ابن أبي ليلى، وغيرهم: (إن الزيادة): النظر إلى وجه الله تعالى، وذكر كل واحد حديثاً (مثل) معنى الحديث المذكور عن النبي عليه السلام. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب، وقاله النخعي. وقال ابن عباس: الحسنى واحدة من الحسنات بواحدة، والزيادة: التضعيف إلى تمام العشرة على الواحدة. وهو مثل قوله: ﴿وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾ [ق: ٣٥] : أي: يزيده من فضله. وقال الحسن: الزيادة هو المجازاة بالحسنة عشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف. وقال مجاهد: الحسنة بحسنة، وزيادة مغفرة من الله ورضوان. وقيل: الزيادة: ما أعطاهم الله عز وجل في الدنيا لا يحاسبهم به يوم القيامة. وقال ابن سيرين في قوله تعالى: ﴿فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ [السجدة: ١٧]: إنه النظر إلى الله جلَّ ذكره. وعن ابن عباس أيضاً: ﴿أَحْسَنُواْ﴾ قالوا: لا إله إلا الله، ﴿ٱلْحُسْنَىٰ﴾: الجنة. (وروى أبو موسى الأشعري أن النبي عليه السلام قال: إن الله عز وجل يبعث يوم القيامة منادياً ينادي أهل الجنة بصوت يسمع به أولهم وآخرهم: إن الله وعدكم الحسنى وزيادة. فالحسنى الجنة، والزيادة: النظر إلى وجه الله. * * * وقوله: ﴿وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ﴾: أي لا تغشى وجوههم كآبة والقتر: الغبار وهو جمع قترة. وقيل: هو الغبار الذي معه سواد، روي ذلك عن ابن عباس. وقال ابن أبي ليلى: ولا يغشاهم ذلك بعد نظرهم إلى الله سبحانه: فهؤلاء الذين هذه صفتهم هم أصحاب الجنة، ماكثون فيها أبداً. وقيل: الهاء في "فيها" للحسنى، وقيل: للزيادة، وقيل: للحسنى، والزيادة، والجنة. * * * ثم قال: ﴿وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا﴾: (أي والذين عملوا السيئات في الدنيا جزاؤهم في الآخرة سيئة بمثلها) أي: عقاب من الله عز وجل على ذلك. وقيل: المعنى: فله جزاء سيئة بمثلها كما قال: ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ﴾: أي: جزاء حسنة بحسنة. * * * ثم قال: ﴿وَزِيَادَةٌ﴾ يريد تمام العشر(ة) على الواحدة. ﴿وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ﴾: أي: تغشاهم، ﴿مَّا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ﴾ أي: من مانع من عقابه. ومن قرأ "قطَعاً" - بفتح الطاء - فهو جمع قِطْعَة. وٱخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدُ لأن المعنى: كأنما غشي وجه (كل إنسان منهم قطعة). ثم جمع ذلك لأنه قد جمع الوجه، فعلى كل وجه قطعة و "مظلماً" على هذا نصب على الحال من "الليل"، ولو كان نعتاً للقطع لقال مظلمةٌ. ومن قرأ "قِطْعاً" بإسكان الطاء فهو يجوز أن تكون جمع قطعة أيضاً، إلا أنه بقي السكون على حاله كما يقال: سِدْرَةٌ، وسِدْرٌ، وبُسْرَةٌ وَبُسْرٌ. فيكون "مظلماً" أيضاً على هذا حالاً من الليل. ويجوز أن يكون "قطعاً واحداً" يريد به ظلمة من الليل، فيكون "مظلماً" نعتاً له، وإن شئت حالاً من الليل أيضاً. وقيل معناه: بقية من الليل كما قال: ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلْلَّيْلِ﴾ [هود: ٨١، الحجر: ٦٥]: أي: ببقية منه، وهو اسم ما قطع من الليل وفي قراءة أُبَيْ: "كأنما يغشى وجوههم قِطْعٌ من الليل مظلمٌ". ومعنى ذلك: كأنما ألبست وجوه هؤلاء الذين كسبوا السيئات ذلك. * * * وقوله: ﴿جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا﴾: الباء زائدة، و ﴿جَزَآءُ﴾ مبتدأ، و ﴿بِمِثْلِهَا﴾: الخبر. وقيل: "الباء" غير زائدة. وفي الكلام معنى الشرط، والمعنى: فله جزاء السيئة بمثلها. فالباء صلة للجزاء.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب