الباحث القرآني

قوله: ﴿قَالُواْ يٰأَبَانَا ٱسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَآ﴾ إلى قوله: ﴿ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ﴾ المعنى: قال له ولده: يا أبانا! استغفر لنا ذنوبنا، أي: اسأل الله يستر علينا (ذنوبنا). ﴿إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ﴾: أي: في فعلنا. قال لهم يعقوب: ﴿سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيۤ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ﴾، قيل: إنما أخر الاستغفار (لهم) إلى السحر. وقيل: أخره إلى صلاة الليل، (و) قيل: أخر ذلك إلى ليلة الجمعة. روي ذلك عن ابن عباس، عن النبي عليه السلام. * * * ومعنى ﴿إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ﴾: هو الساتر ذنوب من تاب إليه، الرحيم بهم أن يعذبهم عليها بعد توبتهم منها إليه. روي عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، أنه قال: إن الله (عز وجل) لما جمع ليعقوب شمله، وأقر عينه، تذكر إخوة يوسف ما صنعوا بأخيهم، وبأبيهم (و) قالوا: إن كنا قد غفر لنا ما صنعنا، فكيف (لنا) بعفو ربنا؟ فاجتمعوا، وأتوا الشيخ. ويوسف إلى جنب أبيه، وقالوا: يا أبانا! أتيناك في أمر لم نَأْتِكَ في مثله قط. فرحمهم الشيخ، والأنبياء أرحم البرية، فقال: ما بكم يا بني؟ قالوا له: قد علمت ما كان منا إليك، وإلى أخينا يوسف، وقد غفرت مالنا، وعفوكما لا يغني عنا شيئاً إن كان الله (عز وجل) لم يعف عنا. ونريد أن تَدْعُوَ الله (لنا). فإذا جاءك الوحي بأنه قد عفا عنا قرت أعيننا, وإلا فلا قرت لنا عين في الدنيا. فقام الشيخ، واستقبل القبلة، وقام يوسف خلف أبيه، وقاموا خلفهما أذلة خاشعين. فدعا، وأمّنَ يوسف، فلم يُجَب فيهم إلى عشرين سنة. فلما كان رأس العشرين سنة نزل جبريل على يعقوب، فقال له: إن الله عز وجل، بعثني إليك، (أبشرك) بأنه قد (أ)جاب دعوتك في ولدك، وإنه عفا عما صنعوا. * * * وقوله: ﴿ٱدْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ﴾ إنما قال لهم يوسف ذلك بعد أن دخلوا عليه، وآوى يوسف إليه أبويه. فمعنى ذلك أن يوسف تلقى أباه، تكرمة له، قبل دخوله مصر، فآوى يوسف إليه أبويه: أي: ضمهما وقال لأبيه ومن معه: ﴿ٱدْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ﴾. "كما ورد (أنهم) قاموا عشرين سنة، لا يقبل ذلك منهم، حتى لقي جبريل يعقوب، عليهما السلام. فعلّمه هذا الدعاء: يا رجاء المؤمنين! لا تخيب رجائي، يا غوث المؤمنين أغثني، يا حبيب التائبين تب عَلَيَّ، فاستجيب لهم. قال لهم يوسف ذلك بعد أن دخلوها عليهم، لأنهم (فيما) ذكر السدي: تحملوا إلى يوسف بأهليهم وعيالهم، لأنه قال لهم: ﴿وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [يوسف: ٩٣] فلما قربوا من مصر كلم يوسف الملك الذي فوقه، أن يخرج هو والملـ(ـو)ك معه يتلقونهم. فلما دنا يوسف من يعقوب، ويعقوب يتمشى، وهو يتكئ على يهوذا ولده. بدأه يعقوب بالسلام، وقال: السلام عليك يا ذاهباً بالأحزان عني. وقيل: إن قوله إن شاء الله إنما هو استثناء من قول يعقوب لبنيه: ﴿سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيۤ﴾ ﴿إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ﴾، ففي التلاوة تقديم وتأخير. وهو قول ابن جريج. فأما قوله: ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ﴾ فإن السدي، قال: هما أبوه وخالته، وذلك أن أم يوسف ماتت، فتزوج يعقوب [بعدها] أختها، وهي خالة يوسف. وقال ابن إسحاق: هما أبوه وأمه، ولم تكن أمه ماتت. وهذا القول اختيار الطبري. ومعنى: ﴿آمِنِينَ﴾: أي آمنين مما كنتم فيه في باديتكم من الجدب والقحط. والعرش: السرير في قول السدي، ومجاهد، والضحاك وقتادة، وابن عباس. وقال ابن زيد: هو مجلسه. * * * وقوله: ﴿وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً﴾: قيل: المعنى إن أبا يوسف وأمه (وإخوته) خروا سجّداً ليوسف. وكان تحية القوم في ذلك الوقت السجود، قاله سفيان، وابن جريج، والضحاك، وقتادة، وهو مثل: "السلام عليكم" في هذه الأمة. جعل لهم عوضاً من السجود الذي كان تحية من قبلهم. وقيل: كان ذلك انحناء، ولم يكن سقوطاً على الأرض. جعل الله منه السلام، والمصافحة عوضاً، كرامة من الله عز وجل لهذه الأمة، وهي تحية أهل الجَنَّة. وقال ابن سحاق: الهاء في "له" لله، والمعنى: خرُّوا لله سجداً. وقوله: ﴿هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ﴾: أي: قال يوسف لأبيه: يا أبت! هذا السجود الذي سجدتموه لي الساعة، (هو) تأويل ما رأيته، وأنا صبي: إذ رأيت أحد عشر كوكباً، والشمس والقمر ساجدين لي: فالأحد عشر (كوكباً) إخوته، والشمس أمه، والقمر أبوه. ﴿قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً﴾: وكان بين رؤيا يوسف، وتأويلها أربعون سنة. وقيل: ثمانون سنة، قاله الحسن، قال: كان بين أن فارَقَ يعقوب يوسف (إلى أن اجتمعا ثمانون سنة)، لم يفارق الحزن قلب يعقوب، ولا الدمع خديه، ولم يكن على وجه الأرض يومئذ عبدٌ أحبَّ إلى الله عز وجل، من يعقوب. وألقي يوسف في الجب، وهو ابن سبع عشر[ة] سنة، ومات بعد التقائه بيعقوب بثلاثة وعشرين سنة. ومات يوسف، وهو ابن مائة واثنتين وعشرين سنة. وقال ابن إسحاق: كان بين افتراق يوسف، ويعقوب إلى أن اجتمعا، ثماني عشرة سنة، وأهل الكتاب يزعمون أن مدة الافتراق بينهما أربعون سنة. وأن يعقوب بقي مع يوسف بعد أن اجتمع به سبع عشر[ة] سنة، ثم قبضه الله عز وجل إليه. * * * قوله: ﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بَيۤ﴾: معناه: أحسن الله بي، إذ أخرجني من السجن، وفي مجيئه بكم من البدو. وكان مسكن يعقوب وولده في قول قتادة بأرض كنعان: أهل مواش وبرية والبدو مصدر: بدا فلان، إذا صار بالبادية. وروى أهل التواريخ أن يعقوب عليه السلام دخل مصر يوم دخلها هو، وأولاده، وأهلوهم، وبنوهم في أقل من مائة، وخرجوا منها يوم خرجوا، إذ أخرجهم فرعون، وهم أكثر من ستمائة ألف، فقال فرعون: ﴿إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ﴾ [الشعراء: ٥٤]. وقال ابن مسعود: "دخل بنو إسرائيل مصر، وهم ثلاثة وستون إنساناً، وخرجوا منها وهم ستمائة ألف". وحكى الطبري، وغيره أن يعقوب إنما سمي إسرائيل، لأن أخاه العَيْصُ تواعد(ه) بالقتل، فخرج فراراً منه، فسرى الليل، وكمن النهار. فسمي إسرائيل، لسريه بالليل. وقيل: إن إسرائيل اسم عبراني تفسيره: عبد الله. وروى عاصم العمري أن يعقوب (على نبينا) عليه السلام، قال: يا رب! أذهبت بصري، وأذهبت ولدي، فما ترحمني؟ قال: بلى، وعزتي! إني لأرحمك، ولأردَّنَّ عليك بصرك، ولو كنت أمت ولدك، لأردنه عليك. إنما ابتليتك بهذه البلية أنك ذبحت جملاً، فوجد جارك ريحه فلم تطعمه منه. فكان منادي آل يعقوب إذا أصبح نادى في الناس: من كان مفطراً فليتغد عند آل يعقوب، ومن كان منكم صائماً فليفطر عند آل يعقوب.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب