الباحث القرآني

قوله: ﴿إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ﴾ إلى قوله: ﴿رَشَداً﴾. أي: كانوا من آياتنا عجباً، حين أوى الفتية إلى الكهف هرباً بدينهم إلى الله [عز وجل] فقالوا: إذ أووه. * * * ﴿فَقَالُواْ رَبَّنَآ آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً﴾. أي: ارحمنا ونجنا من هؤلاء الكفار. * * * ﴿وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً﴾. أي: دلنا على ما ننجو به. وكان هؤلاء الفتية على دين عيسى ﷺ. فدعاهم ملكهم إلى عبادة الأوثان والأصنام فهربوا بدينهم منه خشية أن يفتنهم عنه أو يقتلهم فاستخفوا منه في الكهف. وروي أنهم لما أمرهم الملك بعبادة صنمه قالوا ﴿رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلـٰهاً لَّقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً﴾ [الكهف: ١٤] فاعتزلوا عن قومهم لعبادة الله [سبحانه]. فقال: أحدهم: إنه كان لأبي كهف يأوي فيه غنمه. فانطلقوا بنا نكن فيه. فدخلوا فيه، ثم فقدوا في ذلك الزمان، فطلبوا، فقيل: إنهم دخلوا هذا الكهف. فقال: قومهم: لا نريد لهم عقوبة، ولا عذاباً أشد من أن يردم عليهم هذا الكهف فبنوه عليهم فردموه، ثم أقاموا ما شاء الله، يدبرهم الله [عز وجل] بلطفه وهم نيام، ثم بعث الله [عز وجل] ملكاً على دين عيسى ﷺ. ووقع ذلك البناء الذي كان ردم عليهم. وقاموا من نومتهم تلك. فقال: بعضهم لبعض كم لبثتم؟ قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم. فأرسلوا أحدهم ليأتيهم بطعام وشراب مستخفياً أن لا يعرف. فلما خرج من باب الكهف رأى ما أنكره، فأراد أن يرجع، ثم مضى حتى دخل المدينة فأنكر ما رأى، ثم أخرج درهماً فنظروا إليه، فأنكروه وأنكروا الدرهم. فقالوا من أين لك هذا؟ [هذا] من ورق غير هذا الزمان. واجتمعوا عليه، ولم يفارقوه حتى حملوه إلى ملكهم. وكان لقومهم لوح يكتبون فيه ما يكون. فنظروا في ذلك اللوح. وسأله الملك، فأخبره بأمره، ونظروا في الكتاب متى فقدوا، فاستبشروا به وبأصحابه وقيل له: انطلق بنا فأرنا أصحابك فانطلق، وانطلقوا معه، ليريهم أصحابه فدخل قبل القوم فضرب على آذانهم. ﴿قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً﴾ [الكهف: ٢١]. قال: ابن عباس: كانوا ثمانية. وروى: أنه لما بني عليهم باب الكهف كتب رجلان مؤمنان - ممن يسر الإيمان - خبرهم، ووقت البناء عليهم، وأسماءهم، وأنسابهم، وأسماء آبائهم في لوحين من رصاص ثم صنعا تابوتاً من نحاس، وجعلا اللوحين فيه. ثم كتبا عليه، في فم الكهف، من بين ظهراني البنيان، وختما على التابوت بخاتمهما وقالا: لعل الله أن يظهر على هؤلاء الفتية قوماً مؤمنين قبل [يوم] القيامة، فيعلم من فتح عليهم حين يقرأ هذا الكتاب خبرهم. قال: مجاهد: فلبثوا في الكهف ثلاثة مائة سنين وازدادوا تسعاً نياماً. وقيل: إنهم كانوا شباناً ملوكاً مطوقين، مسورين ذوي ذوائب وكان معهم كلب صيدهم. فخرجوا في عيد [لهم] عظيم في زي ومواكب. وأخرجوا معهم آلهتهم التي يعبدون. وقذف الله [في] قلوب الفتية الإيمان فآمنوا، وأخفى كل واحد منهم الإيمان عن صاحبه، فقال: كل واحد في نفسه نخرج من بين أظهر هؤلاء القوم، لا يصيبنا عقاب بجرمهم. فخرج شاب منهم حتى انتهى إلى ظل شجرة، ثم خرج آخر فرآه جالساً وحده فرجا أن يكون على مثل أمره، فجلس إليه، وخرج الآخرون فجاءوا وجلسوا إليهما. فاجتمعوا، فقال: بعضهم: ما جمعكم؟ فقال: آخر: بل ما جمعكم؟ وكل يكتم إيمانه عن صاحبه مخافة على نفسه وقالوا: ليخرج منكم فتيان، فيخلوان، فيتوثقا ألاّ يفشي واحد منهما على صاحبه. ثم يفشي كل واحد منهما لصاحبه أمره. فإنا نرجو أن نكون على أمر واحد. ففعلوا ذلك، فعلموا أن جميعهم على أمر واحد وهو الإيمان. وإذا كهف في الجبل [قريب] منهم، فقال: بعضهم لبعض: آووا إلى هذا الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقاً. فدخلوا الكهف ومعهم كلب صيدهم. فناموا. فجعل الله جل وعز رقدة واحدة ثلاث مائة سنة وتسع سنين. وطلبهم قومهم ففقدوهم. وبعثوا البرد في طلبهم. فعمى الله [عز وجل] عليهم آثارهم. فلما لم يقدروا عليهم، كتبوا أسماءهم وأنسابهم في لوح: فلان بن فلان، وفلان بن فلان: ملوك فقدناهم في عيد كذا، من شهر كذا، من سنة كذا، في مملكة فلان، ورفعوا اللوح في الخزانة، ثم مات ذلك الملك. وأتى قرن بعد قرن فأظهرهم الله [عز وجل] وأنبههم، فوجهوا رسولهم ليأتيهم بما يأكلون ولا علم عندهم بما مضى من الزمان فأطلع عليهم. وقال: وهب بن منبه: جاء حواري عيسى بن مريم إلى مدينة أصحاب الكهف، فأراد أن يدخلها، فقيل له: إن على بابها صنماً لا يدخلها أحد إلا سجد له. فكره أن يدخلها فأتى حماماً، فكان فيه قريباً من تلك المدينة. فكان يعمل فيه، يؤاجر نفسه من صاحب الحمام. فرأى صاحب الحمام في حمامه البركة، ودر عليه الرزق وجعل يعرض عليه [الإسلام] ويسترسل إليه. وعلقه فتية من أهل المدينة. وجعل يخبرهم خبر السماء والأرض وخبر الآخرة حتى أنسوا به، وصدقوه. وكانوا على مثل حاله في أحسن الهيئة وكان يشترط على صاحب الحمام أن الليل لي، فلا تحولن بيني وبين الصلاة إذا حضرت. وكان على ذلك حتى جاء ابن الملك بامراة فدخل بها الحمام. فعيره الحواري فقال: أنت ابن الملك تدخل معك بهذه الكذا، فاستحيي فذهب، ورجع مرة أخرى، فقال: له مثل ذلك، فسبه وانتهره، ولم يلبث حتى دخل ودخلت المرأة معه فماتا في الحمام جميعاً، فأتى الملك فقيل له: إن صاحب الحمام قتل ابنك. فالتمس فلم يقدر عليه هرباً. فقال: من كان يصحبه؟ فسموا الفتية، فالتمسوا، فخرجوا من المدينة، فمروا بصاحب لهم في زرع له، وهو على مثل أمرهم، فذكروا أنهم التمسوا، فانطلق معه الكلب، حتى أواهم الليل إلى الكهف فدخلوه. فقالوا نبيت هنا الليلة ثم نصبح إن شاء الله فترون رأيكم. فضرب على آذانهم. فخرج الملك في أصحابه يتبعونهم حتى وجدوهم قد دخلوا في الكهف، فلما أراد رجل أن يدخل أرعب، فلم يطق أحد أن يدخله، فقال: قائل: ألست لو كنت قدرت عليهم قتلتهم قال: بلى. قال: ابن عليهم باب الكهف ودعهم يموتون عطشاً وجوعاً، ففعل.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب