الباحث القرآني

قوله: ﴿كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ﴾. هو مثل لما أظهروا من الإيمان الذي حقن دماءهم ومنع من أموالهم. ﴿وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ﴾: أي ثبتوا على ما أبطنوا من كفرهم. وقال ابن مسعود: "كان رجلان من المنافقين هربا من النبي ﷺ إلى المشركين فأصابهما هذا المطر الذي ذكر الله، واشتد عليهم البرق والصواعق وأيقنا بالهلاك، فقالا: ليتنا قد أصبحنا فنأتي محمداً ﷺ، نضع بأيدينا في يده، فأصبحا فأتياه، وحسن إسلامَهُما. فضرب الله شأنهما وما نزل بهما مثلاً للمنافقين الذين كانوا بالمدينة. وكان المنافقون إذا حضروا مجلس النبي ﷺ جعلوا أصابعهم في آذانهم فرقاً مما ينزل على النبي ﷺ فيهم من نفي أو قتل كما فعل الرجلان خوفاً من صوت الصواعق". ودل على ذلك قوله تعالى: ﴿يَحْذَرُ ٱلْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ﴾ [التوبة: ٦٤]. وعن ابن مسعود أيضاً في الآية أن قوله: ﴿كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ﴾ معناه: إذا كثرت أموالهم وغنموا ودامت سلامتهم قالوا: إن دين محمد ﷺ دين صدق وتمادوا على إظهار الإيمان وهو قوله: ﴿كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ﴾ أي تمادَوْا على حالهم، فإذا أحربوا وهلكت أموالهم، قالوا: هذا من أجل دين محمد ﷺ، وهو قوله: ﴿وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ﴾ أي رجعوا إلى كفرهم ونفاقهم. وقال الحسن: "معنى المثل الأول في قوله: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً﴾ أنه تعالى مثل المنافقين كمثل رجل يمشي في ليلة مظلمة وفي يده شعلة من نار فهو يبصر بها موضع قدميه، فبينا هو كذلك أحوج ما كان إلى الضياء طُفئت ناره فلم يبصر كيف يمشي. وإن المنافق تكلم بـ "لا إله إلا الله" فناكح بها المسلمين وحقن دمه وأحرز ماله. فلما كان عند الموت والحاجة إليها سلبه الله إياها إذ لم تكن حقيقة، فبقي لا شيء معه كما بقي ذلك الرجل في ظلمة لا ضوء معه". وقيل: هي مثل في اليهود إذ في كتابهم ذكر محمد [عليه السلام] وصفته، فرأوه وعلموه فلم ينفعهم ذلك وكفروا به على علم منهم أنه نبي حق". وعلى أن الأمثال ضربها الله في المنافقين أكثر أهل التفسير. قال الربيع بن أنس: معنى ذلك مثلهم كمثل قوم صاروا في ليلة مظلمة فيها رعد ومطر وبرق على جادة ظلماء، فإذا [أبرق أبصروا] ومشوا، وإذا أظلم تحيروا وشكوا في الجادة. وكذلك المنافق؛ إذا تكلم بكلمة الإخلاص أضاء له الأمر، وإذا شك تحيَّر وانتكس فصار في ظلمة من أمره". * * * قوله: ﴿وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ﴾ الآية. خص الله جل ذكره ذكر السمع والبصر [لتقدم ذكرهما] قبل ذلك، ووحَّد السمع لأنه مصدر يدل على القليل والكثير من جنسه. وقيل: معنى الآية: "لو شاء الله لأطلع نبيه ﷺ على نفاقهم وكفرهم فيستحلَّ دماءهم وأموالهم وأولادهم، وفيه تهديد ووعيد. واختلف في البرق؛ فروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: "هو مخاريق الملائكة". وعنه أنه قال: "يحدث من ضرب الملك السحاب بمخراق من حديد" وقال "الرعد صوت الملك". وعن ابن عباس: "أن البرق سوط من نور يزجي به الملك السحاب" يريد أن البرق نور السوط إذا ضرب به. وقال مجاهد: "البرق مصع الملك" والمصع الضرب، والمصاع عند العرب المجالدة بالسيوف والمخاريق السياط، واحدها مخراق وهو السوط. وروى مجاهد عن ابن عباس "أن البرق ملك يتراءى". وفي يَخْطَفُ "أوجه وقراءات أفصحها "يخطف" بفتح الطاء مخففاً. ولغة أخرى بكسر الطاء مخففاً، وبه قرأ علي بن الحسين وابن وثاب، فدل ذلك على أنه يقال: خَطَفَ، يَخْطَفُ، وَخَطِفَ يَخْطِف لغتان فيه. - ووجه ثالث: قرأ به الحسين وقتادة وعاصم الجحدري وهو كسر الخاء والطاء والتشديد، وأصله، "يَخِطِّفُ"، فأدغم التاء في الطاء بعد أن أسكنها وكسر الخاء لالتقاء الساكنين. - ووجه رابع: وهو فتح الخاء وكسر الطاء مشدداً وأصله أيضاً "يَخْتَطِفُ"، ثم ألقى حركة التاء [على الخاء]، وأدغم التاء في الطاء، وهو مروي أيضاً عن الحسن. وحكى الفراء إسكان الخاء، والتشديد عن بعض أهل المدينة. كأنه أدغم التاء في الطاء، وترك الخاء على سكونها في "يختطف"، وهو بعيد، لأنه جمع بين ساكنين ليس أحدهما حرف لين. - ووجه سادس: ذكره الأخفش والكسائي والفراء، وهو كسر الياء والخاء والتشديد، وهو كالوجه الثالث إلا أنه كسر الياء للاتباع. - ووجه سابع: قرأ به أُبَيٌّ، وهو "يَتَخَطَّفُ "على "يَتَفَعَّلُ" مثل "يَتَغَسَّلُ". ومعنى يخطف يأخذ بسرعة. وفي "أضاء" لغتان: ضاء وأضاء بمعنى حكاهما الفراء.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب