الباحث القرآني

قوله تعالى ذكره: ﴿إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ إلى قوله: ﴿عَلِيمُ﴾، آخر السورة، أي إنما المؤمنون حق الإيمان: الذين صدقوا الله ورسوله وإذا كانوا مع رسوله على أمر يجتمع إليه الجميع من حرب، أو صلاة، أو تشاور في رأي يعم نفعه لم يذهبوا عنه حتى يستأذنوه. * * * ثم قال: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ أي إن الذين يستأذنونك يا محمد في الانصراف، ولا يمضون عنك بغير رأيك أولئك هم المؤمنون بالله ورسوله حقاً. ثم قال تعالى لنبيه: ﴿فَإِذَا ٱسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ﴾ أي: لبعض حاجاتهم ﴿فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ﴾، في الانصراف عنك ﴿وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمُ ٱللَّهَ﴾، أي: وادع لهم الله أن يتفضل عليهم بالمغفرة، إن الله غفور لذنوب عباده التائبين، رحيم بهم أن يعاقبهم عليها بعد توبتهم منها. وقيل: المعنى: واستغفر لهم الله لخروجهم عن الجماعة إن رأيت لهم عذراً. ويروى: أن هذه الآية نزلت في عمر بن الخطاب رضي الله عنه: استأذن النبي ﷺ في العمرة فأذن له ثم قال: "يا أبا حفص لا تنسنا في صالح دعائك"، فأمر الله نبيه بالإذن لمن استأذنه، وأمره، يستغفر لهم، ودل قوله: ﴿أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾، على أن العمل بأوامر الله هو من الإيمان، فالعمل بالاستئذان الذي أمرهم به من الإيمان. ثم قال تعالى يخاطب المؤمنين: ﴿لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً﴾، أي: اتقوا دعاء الرسول عليكم إن مضيتم بغير أمره، فتهلكوا ولا تجعلوا دعاءه عليكم كدعاء بعضكم على بعض، فإن دعاءه مجاب. قاله ابن عباس. وقال مجاهد: أمروا أن يدعوا الرسول بلين وتواضع، ولا يدعوه بغلظ وجفاء، كما يخاطب بعضكم بعضاً. وهذا مثل قوله: ﴿لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ، وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ﴾ [الحجرات: ٢]. وقال قتادة: أمروا أن يفخموه ويشرفوه، وقول ابن عباس: أليق بما تقدم قبله من المعنى. * * * ثم قال تعالى: ﴿قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً﴾، الآية، هذه الآية نزلت في حفر الخندق حول المدينة، وذلك أن اليهود سعت في البلاد على حرب النبي ﷺ، فأتت قريش وقائدها أبو سفيان، وأتت غطفان من قيس وقائدها عيينة بن حصن، فلما سمع بهم رسول الله ﷺ ضرب الخندق على المدينة، وذلك في شوال من سنة خمس من الهجرة فعمل رسول الله ﷺ في الخندق بيده، وعمل معه المسلمون، وتخلف عن العمل رجال من المنافقين، وجعلوا يعتذرون بالضعف ويتسللون إلى أهليهم بغير إذن من رسول الله وجعل المؤمنون يستأذنون النبي عليه السلام إذا عرضت لهم حاجة، فأنزل الله هذه الآية في ذلك. قال الضحاك: كان يستتر بعضهم ببعض فيقومون. ولواذاً مصدر لاوذ ويجوز أن يكون في موضع الحال، أي متلاوذين أي مخالفين، يلوذ بعضهم ببعض، فيستتر به لئلا يُرى عند انصرافه. قال مجاهد: لواذاً خلافاً. ولم يعتل لواذاً، كما اعتل قياماً، لأن الواو صحت في الفعل، فقيل لاوذ يُلاوذ فصحت في المصدر واعتلت في الفعل من قيام، فقيل: قام يقوم فوجب أن يعتل في المصدر، فقيل: من أجل ذلك قياماً فما عرفه. * * * ثم قال: ﴿فَلْيَحْذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ﴾، أي ليحذر من يخالف أمر النبي عليه السلام أن تصيبه فتنة وهي: أن يطبع على قلبه فلا يؤمن، أي يظهر الكفر بلسانه فتضرب عنقه. قال ابن زيد: هؤلاء المنافقون الذين يرجعون بغير إذن النبي ﷺ، وقال: اللواذ: الروغان، ثم قال: ﴿أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾، أي في الدنيا على صنعهم ذلك. وقال أبو عبيدة: "عن" هنا زائدة. وذلك بعيد، على مذهب سيبويه، وغيره لأن "عن" و "على" لا تزادان. ومعناه يخالفون بعدما أمرهم النبي عليه السلام. وقال الطبري: المعنى: فليحذر الذين يولون عن أمره، ويدبرون عنه معرضين. * * * ثم قال: ﴿أَلاۤ إِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ﴾، أي ملك ما فيها، فلا ينبغي لمخلوقٍ مملوكٍ أن يخالف أمر مالكه، وخالقه فيستوجب عقوبته. ﴿قَدْ يَعْلَمُ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ﴾ من الطاعة والمعصية والمعنى: قد علم ذلك، فيجازيكم على ذلك. * * * ثم قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ﴾، أي يرجع الذين يخالفون عن أمر الله ﴿فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ﴾، أي يخبرهم بأعمالهم السيئة ويجازيهم عليها. ﴿وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمُ﴾. أي ذو علم بكل شيء، من عملكم وغيره، وعمل غيركم لا يخفى عليه شيء من ذلك فهو يجازي كلاًّ بعمله يوم الرجوع إليه وهو يوم القيامة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب