الباحث القرآني

قوله تعالى ذكره: ﴿تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ﴾ إلى قوله: ﴿رَجُلاً مَّسْحُوراً﴾. قال ابن عباس تبارك من البركة. وقال الفراء هي في العربية وتقدس واحد وهما العظمة. وقال الزجاج: تبارك: تفاعل من البركة ومعنى البركة الكثرة من كل خيره. وقيل: تبارك: تعالى عطاؤه، أي: زاد وكثر. وقيل: معناه: دام وثبت إنعامه. وقيل: معناه: دام بقاء ﴿ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ﴾، وثبتت نعمه على عباده، وهو كله مشتق من برك الشيء: إذا ثبت ومنه برك الجمل. وقال النحاس، تبارك: تفاعل من البركة. وهو حلول الخير، ومنه فلان: مبارك أي: الخير يحل بحلوله، مشتق من البرك، والبركة وهما المصدر. والفرقان: القرآن، سمي بذلك لأنه فرق بين الحق والباطل، والمؤمن والكافر. وقوله ﴿لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً﴾، أي: الذي أنزل عليه الفرقان ليكون لجميع الجن والإنس. ﴿نَذِيراً﴾، أي: منذراً لهم عقاب الله والنذير: المخوف عقاب الله، والنذير هو محمد ﷺ. وقيل: هو القرآن. * * * وقوله: ﴿وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ﴾ [فاطر: ٢٤] يدل على أنه: محمد ﷺ ومثله ﴿لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ﴾ [الأنعام: ١٩] وأنذركم بالوحي ونذير بمعنى: منذر ولكن تضمن بناء فعيل للتكثير. * * * ثم قال: ﴿ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ﴾، أي: سلطان ذلك كله وملكه. ﴿وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً﴾، هذا رد على من أضاف إليه الولد. * * * ثم قال: ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ﴾، هذا رد وتكذيب لمن عبد مع الله غيره، ورد على قول العرب في التلبية: (لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك). * * * ثم قال: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً﴾، أي: اخترعه ﴿فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً﴾، أي: هيأه لما يصلح له، فلا خلل فيه ولا تفاوت. وقيل: معناه: خلق الحيوان وقدَّر له ما يصلحه ويهيئه. * * * ثم قال: ﴿وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً﴾، أي: اتخذ مشركو قريش آلهة يعبدونها من دون الله يقرعهم بذلك، ويعجب أهل النهى من فعلهم وعبادتهم ما لا يخلق شيئا وهو يُخلق، ولا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً أي: لا يملك الآلهة دفع ضر، ولا استجلاب نفع. ولا يملك إماتة حي، ولا إحياء ميت، ولا ينشره بعد مماته. وتركوا عبادة من يملك الخير والنفع ويحيي ويميت، خلق كل شيء وهو مالك كل شيء، ينشر الأموات إذا أراد، ويرزق الخلق بمشيئته. * * * ثم قال: ﴿وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ إِفْكٌ ٱفْتَرَاهُ﴾،: أي: قال هؤلاء المشركون: ما هذا الذي أتى به محمد إلا كذب وبهتان إخترعه واختلقه ﴿وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ﴾، يعنون أن اليهود هم يعلمون محمداً ﷺ. ما يأتي به من القرآن قاله مجاهد. وعن ابن عباس: أنهم عنوا بقولهم ﴿قَوْمٌ آخَرُونَ﴾، يسارا أبا فُكيهة مولى الحضرمي وعداساً وجبراً. * * * ثم قال: ﴿فَقَدْ جَآءُوا ظُلْماً وَزُوراً﴾، أي: أتى هؤلاء القائلون: إن الذي أتى به محمد ﷺ إفك افتران بظلم، وهو وضع الشيء في غير موضعه، إذ وصفوا كلام الله بغير صفته. والزور أصله تحسين الباطل، والمعنى: فقد جاء هؤلاء القائلون: إن القرآن: إفك وزور بكذب مُحَسَّنٍ. * * * ثم قال تعالى: ﴿وَقَالُوۤاْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ﴾، أي: قال أيضاً هؤلاء المشركون: الذي جاء به محمد ﷺ: وهو أساطير الأولين أي: أخبارهم، وما سطروا في كتبهم، ﴿ٱكْتَتَبَهَا﴾، محمد ﴿فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ﴾، أي تقرأ عليه ﴿بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾، أي: غدوة وعشياً. ويروى أن هذه الآية نزلت في النضر بن الحرث بن كلدة. قال ابن عباس، كان النضر من شياطين قريش، وكان يؤذي النبي ﷺ، وكان قد قدم الحيرة وتعلم بها أحاديث ملوك فارس، وكان النبي ﷺ إذا جلس مجلساً فذكر فيه بالله، وحذر قومه، ما أصاب من قبلهم من الأمم من نقم الله، خلفه في مجلسه إذا قام، ثم يقول: أنا والله يا معشر قريش أحسن حديثا منه، فهلموا فأنا أحدثكم أحسن من حديثه، ثم يحدثهم عن ملوك فارس، ويقول: ما محمد أحسن حديثا مني، فأنزل الله جل ذكره في النضر ثمان آيات كل ما ذكر فيها ﴿أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ﴾، ففيه نزل. وقال ابن جريج ﴿أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ﴾، أشعارهم وكهانتهم. وواحد الأساطير أسطورة مثل: أحدوثة وأحاديث. وقيل واحدها: أسطار كأقوال وأقاويل. وأسطار جمع سطر، فهو جمع الجمع على هذا القول. * * * ثم قال تعالى: ﴿قُلْ أَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ﴾، أي: قل يا محمد لهؤلاء المشركين أنزل القرآن الذي يعلم سراً من في السماوات والارض، ولا يخفى عليه شيء. قال ابن جريج: يعلم ما يسر أهل الأرض وأهل السماء. ﴿إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً﴾، أي: لم يزل يصفح عن خلقه ويرحمهم. * * * ثم قال: ﴿وَقَالُواْ مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ﴾. أي: ما له يأكل ويمشي، أنكروا عليه ذلك، ثم قالوا: ﴿لَوْلاۤ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً﴾، أي: هلا نزل معه ملك من السماء فينذرنا معه ﴿أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنْزٌ﴾، أي: يطلع على كنز من كنوز الأرض ﴿أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا﴾،. أي يحدث الله له جنة يأكل منها. قال ابن عباس: اجتمع أشراف قريش بظهر الكعبة وعرضوا عليه أشياء يفعلها لهم من تسيير جبالهم، وإحياء آبائهم، والمجيء بالله والملائكة قبيلا، وما ذكر الله في بني إسرائيل. وقالوا له سل ربك يبعث معك ملكا نصدقك بما تقول، وسله يجعل لك قصورا، وجنانا وكنوزا من ذهب وفضة، تغنيك على ما نراك تبتغي، فإنك تقوم في الأسواق، وتلتمس المعاش، كما نلتمسه حتى يعرف فضلك ومنزلتك من ربك، إن كنت رسولا كما تزعم. فقال النبي ﷺ، ما أنا بفاعل ذلك، فحكى الله ذلك من قولهم له. ثم قال تعالى ذكره ﴿وَقَالَ ٱلظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً﴾ أي: قال ذلك بعضهم لبعض. وقيل، قالوه للمؤمنين، أي: تتبعون رجلا له سَحر، والسَّحْر: الرئة أي: وما تتبعون إلا رجلاً مخلوقاً مثلكم من بني آدم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب