الباحث القرآني

قوله تعالى ذكره: ﴿وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ضُرٌّ﴾ إلى قوله ﴿أَكْثَرُهُمْ مُّشْرِكِينَ﴾. أي: وإذا مس هؤلاء المشركين وغيرهم ضر من مرض أو جدب ونحوه ﴿دَعَوْاْ رَبَّهُمْ مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ﴾ أي: أخلصوا له الدعاء والتضرع، ﴿ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُمْ مِّنْهُ رَحْمَةً﴾، أي: فرج عنهم الضر ﴿إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ﴾ يعني المشركين. * * * ثم قال تعالى: ﴿لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ﴾. إن جعلت اللام لام كي لم تقف على "يشركون"، ولكن تقف على ﴿آتَيْنَاهُمْ﴾، وإن جعلتها لام أمر لأن الكلام فيه معنى التهديد ابتدأت بها إن شئت، ووقفت على ﴿يُشْرِكُونَ﴾، ولم تقف على ﴿آتَيْنَاهُمْ﴾. * * * وقوله: ﴿فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ يدل على أنها لام أمر لأن هذا وعيد وتهديد لا شك فيه، فحمل الكلام على معنى واحد أحسن. والمعنى على الأمر: اكفروا وتمتعوا بالصحة والرخاء فسوف تعلمون عاقبتكم إذا أوردتم على ربكم. * * * ثم قال تعالى: ﴿أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً﴾ أي: كتاباً وحجة في عبادتهم الأوثان. ﴿فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ﴾ أي: فذلك الكتاب ينطق بصحة شركهم. فالمعنى: لم ننزل عليهم شيئاً من ذلك إنما اختلفوا من عند أنفسهم اتباعاً لأهوائهم. قال ابن عباس: كل سلطان في القرآن فهو عذر وحجة . * * * ثم قال تعالى: ﴿وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُواْ بِهَا﴾ أي: وإذا مس الناس خصب ورخاء وصحة فرحوا بذلك. ﴿وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ أي: وإن تصبهم شدة جدب أو مرض أو إتلاف مال بذنوبهم المتقدمة ﴿إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ﴾ أي: يئسون من الفرح، والقنوط: اليأس. * * * ثم قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ﴾ أي: ألم ير هؤلاء الذين ييأسوا عند الشدة ويفرحون عند الرخاء أن الله يوسع على من يشاء في رزقه، ﴿وَيَقْدِرُ﴾ أي: ويضيق على من يشاء في رزقه. ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ أي: إن في توسيعه الرزق على بعض خلقه وتضييقه على بعض، لدلالات وحججاً على قدرة الله لمن آمن بالله. * * * ثم قال تعالى: ﴿فَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ﴾ قال مجاهد وقتادة: هو قريب الرجل، صلة الرحم له فرض من الله جل ذكره. وقال مجاهد: لا تقبل صدقة من أحد ورحمه محتاجة. وقال قتادة: إذا لم تعط ذا قرابتك وتمش إليه برجليك فقد قطعته. وقيل: القربى هنا قرابة رسول الله ﷺ. مُنَزَّلة مَنْزِلة قوله تعالى ذكره: ﴿وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ﴾ [الأنفال: ٤١] فيكون المعنى: فأعط يا محمد ذا القربى منك حقه عليك. * * * وقوله: ﴿وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ﴾ أي: وَفِّيهم حقهم إن كان يُسْر، وإن لم يكن عندك شيء فقل لهم قولاً معروفاً. وابن السبيل: الضيف. * * * ثم قال تعالى: ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ﴾ أي: إتيان هؤلاء حقوقهم التي ألزمها الله جل ذكره عباده خير للذين يريدون بما يعطون ثواب الله. ﴿وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ﴾ أي: الباقون في النعيم الفائزون. * * * ثم قال تعالى: ﴿وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ ٱللَّهِ﴾ أي: وما أعطى بعضهم بعضاً ليرد الآخذ على المعطي أكثر مما أخذ منه فلا أجر فيه للمعطي لأنه لم يبتغِ في إعطائه ثواب الله، إنما ابتغى الازدياد من مال الآخذ، فذلك حلال لكم ولا أجر لكم فيه. وهو محرم على النبي عليه السلام خاصة بقوله تعالى ﴿وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ﴾ [المدثر: ٦] أي: لا تعط عطية لتأخذ أكثر منها. قال ابن عباس: هو الرجل يهدي الهدية فيطلب ما هو أفضل منها. فليس له أجر ولا عليه إثم، وهو معنى قول مجاهد والضحاك وقتادة. وقيل: هو الرجل يعطي الرجل العطية ليخدمه ويعينه لا لطلب أجر. وقيل: هو الرجل يعطي الرجل ماله ليكثر مال الآخذ لا للثواب. وقيل: هو الربا المحرم. ومعنى: ﴿فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ ٱللَّهِ﴾ عند من قال: هو المحرم، لا يحكم به لأحد، بل هو للمأخوذ منه. قال تعالى: ﴿وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ﴾ أي: وما أعطيتم من صدقة تريدون بها ثواب الله لا الازدياد من مال الآخذ ولا الثناء عليها، فأولئك الذين يكون لهم الأضعاف من الأجر، يضاعف لهم الحسنات. وقيل: المعنى يضاعف لهم الخير والنعيم. ويلزم من قال هذا التفسير أن يكون اللفظ: ﴿ٱلْمُضْعِفُونَ﴾ بفتح العين لأنهم مفعول بهم. لكن تحقيق المعنى مع كسر العين: فأولئك هم الذين أضعفوا لأنفسهم حسناتهم، أي: هم المضعفون لأنفسهم الحسنات، لأن من اختار عمل الحسنة فقد اختار عمل عشر حسنات لنفسه، ويضاعف الله لمن يشاء أكثر من عشر على الحسنة الواحدة. * * * ثم قال تعالى: ﴿ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ أي: اخترعكم ولم تكونوا شيئاً، ثم رزقكم وخولكم ولم تكونوا تملكون شيئاً، ثم هو يميتكم ثم هو يحييكم ليوم القيامة، فالعبادة لا تصلح إلا لمن هو هكذا. ﴿هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُمْ مِّن شَيْءٍ﴾ أي: هل يفعل شيئاً من خلق أو موت أو بعث أو رزق أو ضر أو نفع، آلهتكم التي تعبدون، فلا بُدَّ لهم أن يقروا أنها لا تفعل شيئاً من ذلك فيعلمون أنهم على باطل. * * * ثم قال: ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ أي: تنزيهاً لله وبراءة له عما يشركون به. * * * ثم قال تعالى: ﴿ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي ٱلنَّاسِ﴾ أي: ظهرت المعاصي لله في الأرض وبحرها بذنوب الناس. قال مجاهد وعكرمة: البحر هنا الأمصار، والبر: الفلوات، ظهرت فيها معاصي ابن آدم. وقال قتادة: هذا قبل مَبْعَثِ النبي ﷺ، امتلأت الدنيا ضلالة وظلمة، فلما بُعِثَ النبي عليه السلام رجع راجعون من الناس، قال أما البر فأهل العَمُود وأما البحر فأهل القرى والريف. والتقدير على هذه الأقاويل: ظهر الفساد في مواضع البر والبحر. وقيل: المعنى ظهر الفساد في مدن البر ومدن البحر. والفساد: الجدب بذنوب بني آدم. وقيل: الفساد ظهور المعاصي فيها وقطع السبيل والظلم. وعن مجاهد: أن البر القرى والأمصار، والبحر بحر الماء المعروف قال: في البر: ابن آدم الذي قتل أخاه، وفي البحر: الذي كان يأخذ كل سفينة غصباً. وهو قول ابن أبي نجيح. وقال قتادة: الفساد الشرك. وعن ابن عباس أنه قال: الفساد نقصان البركة بأعمال العباد حتى يتوبوا. فالمعنى على هذا: ظهر الجدب في البر والبحر، وظهور الفساد في البحر انقطاع مادة صيده وذلك بذنوب بني آدم. وقال الحسن: أفسد الله بذنوبهم بَرَّ الأرض وبحرها بأعمالهم الخبيثة لعلهم يرجعون، أي: يرجع من يأتي بعدهم. * * * ثم قال تعالى: ﴿لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ﴾ أي: ليصيبهم بعقوبة بعض ذنوبهم. ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ أي: ينيبون إلى ترك المعاصي ويتوبون. ثم قال تعالى ذكره: ﴿قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ﴾ الآية. هي مثل "أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ" في أول السورة. وقد تم تفسيرها. * * * ومعنى ﴿كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّشْرِكِينَ﴾ أي: مثلكم يا قريش.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب