الباحث القرآني

قوله تعالى ذكره: ﴿وَمَن كَفَرَ فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ﴾ إلى آخر السورة. أي: لا يغمك يا محمد كفر من كفر ولم يؤمن، فإن رجوعه إلى الله فيخبره بسوء عمله ويجازيه عليه، وهذا مثل قوله "﴿فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ [فاطر: ٨]". * * * ثم قال: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ﴾ أي: يعلم ما تكنه صدورهم من الكفر بالله. * * * ثم قال تعالى: ﴿نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً﴾ أي: يمهلهم في الدنيا إمهالاً قليلاً ووقتاً قليلاً. ﴿ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ أي: يلجئهم إلى الدخول في عذاب النار - نعوذ بالله منها -. ثم قال تعالى ذكره: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ﴾ أي: إن سألت يا محمد هؤلاء المشركين من قومك من خلق السماوات والأرض؟ أقروا بأنه الله، فقل يا محمد عند إقرارهم بذلك: الحمد لله: أي الذي خلق ذلك وتفرد به لأنهم لم يخلقوا شيئاً. ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أي: لا يعلمون من يجب له الحمد والشكر. * * * ثم قال تعالى: ﴿لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ﴾ أي يملكها. ﴿إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ﴾: أي: عن خلقه. ﴿ٱلْحَمِيدُ﴾ أي المحمود على نعمه. * * * ثم قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ﴾. أي: ولو أن شجرة الأرض كلها بريت أقلاماً، والبحر لها مداد، ويمدها سبعة أبحر مداداً - أي الأقلام - ﴿مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ ٱللَّهِ﴾. وفي الكلام حذف، والتقدير: يكتب بذلك كلام الله لتكسرت الأقلام وجفت وفرغ المداد ولم تنفذ كلمات الله. ومن رفع "البحر" فعلى الابتداء، أو على موضع أن. "وما" عملت فيه، أو على موضع "ما"، إذ لم يظهر فيه الإعراب. قال قتادة: قال المشركون: هذا الكلام يوشك أن ينفد فنزلت هذه الآية. وروي أن هذه الآية نزلت على النبي ﷺ في سبب مجادلة كانت من اليهود له. قال ابن عباس: "قالت أحبار يهود للنبي ﷺ بالمدينة: يا محمد أرأَيْتَ قَوْلُكَ "وَمَا أُوتِيتُم مِنَ العِلْمِ إلاَّ قَلِيلاً إِيَّانَا تُرِيدُ أَمْ قَوْمُكَ؟ فقالَ النبي ﷺ: "كَلاَّ"، قالوا: ألسْتَ تَتْلُو فِيما جَاءَك أَنَّا قَد أوتِينَا التَّوراة فيها بيان كل شيء؟ فقال النبي عليه السلام: "فإنَّها في علم الله قليل، وعندكم من ذلك ما تكفيكم" فأنزل الله في ذلك: "ولو إنما في الأرض من شجرة"إلى تمام الثلاث الآيات. وهذا معنى قول عكرمة. ويروى أن النبي ﷺ قال لهم: "وَقَدْ أَتَاكُم اللهُ ما أن عَمِلْتُم بِهِ انْتَفَعْتُم وهو في عِلْمِ الله قَلِيلٌ ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ﴾ أي: ذو عزة في انتقامه ممن أشرك به وادعى معه إلهاً غيره، ﴿حَكِيمٌ﴾ في تدبيره خلقه. * * * ثم قال تعالى: ﴿مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ أي: ما خلقكم إلا كخلق نفس واحدة ولا بعثكم إلا كبعث نفس واحدة، لأنه إنما يقول للشيء كن فيكون قليلاً كان أو كثيراً. هذا معنى قول مجاهد. * * * ثم قال: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ﴾ أي: سامع لما يقوله المشركون وغيرهم، ﴿بَصِيرٌ﴾ بأعمال الخلق كلهم. * * * ثم قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ﴾. أي يزيد من كل واحد في الآخر، فينقص من أحدهما بمقدار ما زاد في الآخر. * * * ثم قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ﴾ أي: سخرهما لمصالح العباد. ﴿كُلٌّ يَجْرِيۤ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ أي: يجري بإذن الله إلى وقت معلوم، إذا بلغاه كورت الشمس والقمر. ﴿وَأَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ أي: ذو خبر بأعمالكم لا يخفى عليه شيء منها. والمراد بهذا الخطاب المشركون. * * * ثم قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ﴾. أي: هو الخالق الحق لا ما تعبدون. ﴿وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلْبَاطِلُ﴾ أي: ما تعبدون من الأصنام والأوثان هو الباطل الذي يضمحل ويفنى. * * * ثم قال تعالى: ﴿وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْعَلِيُّ﴾ أي: ذو العلو على كل شيء، وكل من دونه متذلل منقاد له، ﴿ٱلْكَبِيرُ﴾ أي: الذي كل شيء يتصاغر له. * * * ثم قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱلْفُلْكَ تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِنِعْمَةِ ٱللَّهِ﴾ أي: السفن تجري في البحر بنعمة الله على خلقه. ﴿لِيُرِيَكُمْ مِّنْ آيَاتِهِ﴾ أي: من حججه وقدرته فتتعظوا. وقد قيل: نعمة الله ها هنا الريح التي تجري السفن بها. ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ﴾ أي: إن في جري الفلك في البحر لعلامات وحججاً على قدرة الله وضعف ما تدعون من دونه. ﴿لِّكُلِّ صَبَّارٍ﴾ أي: لكم من صبر نفسه عن محارم الله وشكر على نعمه. قال مطرف: إن من أحب عباد الله إليه الصبور الشكور. وقال الشعبي: الصبر نصف الإيمان والشكر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله. وقال قتادة: إن من أحب عباد الله إليه من إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر. * * * ثم قال تعالى: ﴿وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كَٱلظُّلَلِ﴾. أي: وإذا غشي هؤلاء الذين يشركون بالله غيرهم في حال ركوبهم البحر موج كالظلم، شبه سواد كثرة الماء وتراكب بعضه على بعض بالظلم، وهي الظل جمع ظلة. وقال الفراء: الظل هنا: السحاب. ﴿دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ﴾ أي: إذا غشيهم الموج فخافوا الغرق فزعوا إلى الله بالدعاء مخلصين له لا يشركون به هنا لك شيئاً، ولا يستغيثون بغيره. ﴿فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ﴾ أي: نجاهم من ذلك الموج والغرق فصاروا في البر. ﴿فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ﴾ أي: في قوله وإقراره بربه، وهو مضمر للكفر بعد ذلك، وقال أبن زيد: المقتصد على صلاح من الأمر. وفي الكلام حذف، كأنه قال: ومنهم كافر بربه الذي نجاه من الغرق. ودل على ذلك قوله: ﴿وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ﴾ أي: وما يكفر بأدلتنا وحججنا إلا كل غدار عنيد. فدل الجحود المذكور على الكفر المحذوف. وقيل: التقدير: ومنهم جائر لأن الاقتصاد ضده الجور، فدل على ضده، قال معنى ذلك مجاهد والحسن وقتادة والضحاك . والختر عند العرب أشد. * * * ثم قال ﴿يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ﴾. أي: اتقوه في قبول طاعته والعمل بمرضاته، ﴿وَٱخْشَوْاْ يَوْماً لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً﴾ يعني: وخافوا يوم القيامة فإنه يوم لا يشفع فيه أحد لأحد إلا بالإيمان والأعمال الصالحة. ﴿إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ﴾ أي: إن مجيء هذا اليوم الذي يجازي الناس فيه بأعمالهم حق. ﴿فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا﴾ أي: لا يخدعنّكم نُزهَتُها ولذاتها فتميلوا إليها، وتدعوا الاستعداد لما فيه خلاصكم من عذاب الله تعالى ونعيمكم أبداً. ﴿وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ﴾. أي: ولا يخدعكم بالله خادع، فالغرور هو كل ما غر من إنسان أو شيطان. ومن ضم الغين جعله مصدراً. وقيل: هو أن تعمل المعصية وتتمنى المغفرة، قاله أبن جبير. ثم قال تعالى ذكره: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ﴾. أي: يعلم متى تكون، فاتقوا أن تأتيكم بغتة. ﴿وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ﴾: أي: لا يعلم متى ينزله. ﴿وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلأَرْحَامِ﴾ أي: لا يُعْلَمُ ذلك غيره. ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً﴾ أي: ما تعمل من خير وشر. ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾ أي: في أي مكان يلحقها أجلها فتموت فيه، كل ذلك لا يعلمه إلا الله. ﴿إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ﴾ أي: ذو علم بكل الأشياء، ﴿خَبِيرٌ﴾ بما هو كائن وما كان. وقال النبي ﷺ "مفاتح الغَيب خَمسَة. ثم قرأ هذه الآية..
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب